تأملات رمضانية في القرآن | (24) علاج مرض التوحش

علاج مرض التوحش

جـ - القيادة

الأمراض الاجتماعية، وخصوصاً المستفحلة، تحتاج إلى قيادة أي إلى رجال مصلحين. التاريخ البشري في الماضي والحاضر يثبت هذه الحقائق. فما من أمة إلا أمامها فرصتان: الرقي والتميز أو الانحطاط. وقد أوضح الله لآدم ذلك ولبنيه وذريته وأرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب. يقول الله في سورة البقرة:[كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(213)].
ومع ذلك فانه وبعد حين من الدهر يتطاول الزمن بين الرسول ومن تبعه فيحصل انحراف ولكن الله قد تعهد بتصحيح ذلك. ان الله قادر على ان يفعل ما يريد ولكنه قد يشرف بعض عباده ان يشفعوا لغيرهم بان يقودوهم الى طريق الحق. يقول الله تعالى في سورة البقرة: [اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ(255)].

ان الله هو الذي يدير الكون ومطلع على كل ما يجري فيه ولايعجزه شيء، فهو مالك الكون فلا اله غيره. فان اعطى بعض عباده القيام بادوار مميزة فان ذلك يكون محدودا وفي اطار يحدده الله. هؤلاء كانوا في الماضي الرسل والانبياء والمصلحون وان لم يكن في زماننا هذا رسل وانبياء فان هناك مصلحون اي قادة. يقول الله تعالى في سورة الحديد:[سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(1)لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(2)هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(3)هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4)لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ(5)يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(6)].

ان الله يحب الشفاعة الحسنة اي سعي اي انسان بان يساعد غيره ويحقق له ما يستطيع من نفع او يدفع عنه من ضرر. ان ذلك هو عمل القادة والمصلحين. يقول تعالى في سورة النساء:[مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا(85)وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا(86)اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا(87)].

لقد عمل الله ذلك وارسل الرسل فقد كانوا قادة ومصلحين كباراً ولم يكونوا حكاما. فالتعدد بالقادة امر مهم ومفيد وذلك بخلاف التعدد في الحكام. في الاوضاع الطبيعية فان الحاكم قد يكون من ضمن القادة. ان ذلك يشير الى حقيقة ان صلاح الناس والمجتمعات مرتبط بالقادة اكثر من ارتباطه بالحكام.

ولذلك فان الطواغيت يخشون من المصلحين ومن القادة فيعملون على محاربتهم بل وقتلهم ولم يدركوا ان وجودهم هو في صالحهم كما هو في صالح الاخرين. يقول الله تعالى في آل عمران:[إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(19)فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ(20)إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(21)أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ(22)أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ(23)ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ(24)فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ(25)].

ومن اجل ذلك فان الله قد جعل القران هو مصدر القسط والاصلاح. فقد شهد الله بذلك والملائكة واولوا العلم. وباكتمال القران تغيرت البشرية. فلم يعد بإمكان الطواغيت ان يحاربوا المصلحين. فان ضيقوا على البعض فان القران سيولد اخرين وهكذا،
ولم يدرك طغاة قريش ذلك، فاستغربوا ان الله ارسل رجلا منهم ليس متنفذا ولم يكن له دعم لامن اقاربه ولامن غيرهم. فمن امن به اولا كانوا من ضعاف القوم وعلى تخف. لكنه جاهر بما امره الله به رغم ذلك. يقول الله تعالى في سورة يونس:[الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ(1)أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ(2)إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ(3)إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ(4)هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(5)إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ(6)إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ(7)أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ(8)إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ(9)دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(10)].

لقد تكفل الله بان يحمي حملة القران والمصلحين من اتباعه. وجعل في رسوله قدوة واسوة لهم. لقد اخرجه قومه وهو ثاني اثنين ولكنه بعد ما يقل عن عشر سنوات خضعت له مكة سلميا وعرفوا قدره. ان ذلك كان بتوجيه من الله من خلال القران. وما دام ان القران مازال موجودا فانه لا يزال فعالا. يقول الله تعالى في سورة المائدة:[يأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)].

لقد كان هذا ما بشر الله به العالم منذ موسى وعيسى. يقول تعالى في سورة الاعراف:[وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)].

صحيح ان رسول الله قد مات ولكن الله لم يمت وما زال الله مسيطرا على الكون كما كان قبل ان يخلق ادم وكان كذلك بعد موت الرسل والانبياء قبل موت محمد، صلى الله عليه وسلم، مع فارق واحد ان الله قد انزل كتابا جامعا وعمل على حفظه فأصبح هذا الكتاب هو مصدر التواصل مع الله. يقول الله في سورة الاعراف:[لكل أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (34) يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)].

فمن خلال القران يأتي القادة والمصلحون على الاقل في البلاد التي وصلها نور القران. يقول تعالى في سورة الزمر: [تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (9) قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)].

لم يسلم الله زمام القران لأي بشر ولا لأي اسرة. لكن الله يصطفي من عباده من يشاء وكل اولاد ادم عباده وسيختار الله منهم من اراد. ومن ثم فان تعلم القيادة من القران متاح لكل من رغب واتبع الطريق التي حددها القران بغض النظر عن نسبه او لغته او مكانته او غير ذلك من الاشتراطات الباطلة.

فما على من يرغب ان يتعلم القيادة من القران الا ان يستسلم لله وله وان يقول سمعت واطعت لله وللقران وسيقوم الله من خلال القران بتقييمه وتكليفه بالدور الذي يقدر عليه. ومهما كان هذا الدور فانه لابد سيكون مميزا اي انه سيكون قائدا بأي قدر يقدر عليه. يقول الله في سورة الحديد: [أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)].

هذا هو الطريق وهذه مراتب القيادة التي يمكن التنافس عليها. اي مرتبة الصديقين والشهداء. وفي هذا الاطار فان الله قد حدد في سورة النساء اربع مراتب. يقول الله تعالى في سورة النساء: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (68) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)].

فان انتم ايها المؤمنون التزمتم بما وعظكم الله به في هذه الايات فانه سيخرج من بينكم اناس بهذه المراتب الاربع والتي هي مرتبة الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين وسيكون حالكم في الدنيا على افضل وجه وذلك لقوله تعالى وحسن اؤلئك رفيقا في الدنيا والاخرة.

فسيكون هناك توافق بينكم يؤدي الى طاعة بالمعروف واذا حصل تنازع فهناك من سيتدخل للإصلاح وستكون جهوده موفقة. فالأصل ان يكون كل من سمع واطاع للقران من الصالحين. ولكن الرتب الثلاث الاخرى فهي مخصوصة بمن طلب القيادة وسعى لها سعيها.

القيادة هنا اولا وظائف ذات طبيعة خاصة يجب ان يقوم بها بشر ذات طبيعة خاصة. ان حكم الناس بالعدل والقيام بالإصلاح بينهم وتهيأت الظروف المناسبة لان يمارس كل شخص ما وهبه الله له من مواهب وان يتم الحفاظ على حياة الناس واعراضهم واموالهم وان يتم الاقتصاص لصاحب الحق من جاحده وان يعمل على تحابب الناس فيما بينهم اي من خلال الامر بالصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس او بشكل عام القيام بواجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لايتطلب الامر القيام بهذه المهام من كل الناس، لان طبيعة هذه المهام على الرغم من اهميتها يمكن ان يقوم بها وبكفاءة اكبر عدد قليل من الناس، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فان متطلبات القيام بها كبيرة قد لايستطيع الانسان العادي الحصول عليها.

صحيح ان هذه الامكانية لا تتوافر لكل الناس فبعض هذه الامكانية طبيعية اي ان الله خلق بعض الناس وهم متميزون بذلك وكذلك فان المواهب الخام لاتكفي بل لابد من صقلها. وقد يكون من الصعب ان يتاح لكل صاحب موهبة ان يصقلها.

ان واجبات ومهام القيادة يجب ان تتناسب مع رغبة من يريد ذلك ومبادرته في صقل مواهبه الضرورية لذلك وتشجيع ودعم المجتمع لهم. لقد حدد الله هذه المواصفات في كتابه بشكل واضح وشامل لا لبس فيه ولم يترك حتى للقادة ان يحددوا ذلك حتى لايختلفوا ولايتنازعوا. على القادة كلهم ان يتنافسوا وفقا لهذه المتطلبات التي حددها الله في القران حصرا. كما قال تعالى في سورة الاحزاب، وقبل ان نقدم بعض التوضيحات فان ينبغي ملاحظة ان ما قبل وما بعد الاية (35) يشير الى ان هذه الصفات مرتبطة بمهام معينة. وكذلك فانها قد خاطبت الذكور والاناث ولاشك ان ذلك له دلالة كبيرة. وقبل ان نتحدث عن اعتبار هذه الاية كخارطة طريقة لتنمية الفرد والمجتمع فانه لابد من القاء ولو قليلا من الضوء على حكمة ودلالة الحديث عن هذه الصفات مجتمعات ومتفرقة وذلك على النحو التالي:

1ـ "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ"

الاسلام له بداية وقد لايكون له نهاية الا عند الموت. لذلك فان الله قد اوصى الرسل والانبياء والشهداء والصالحين ان يبادروا الى الاسلام فورا وان يحرصوا ان لايموتوا الا هم مسلمون. ان ذلك يدل على بداية الاسلام ليس كنهاية. ان بداية الاسلام هي البحث عن الحق بهدف التسليم له مهما كان متوفقا مع تصورات الباحث عن الحق او متوافقا. فمن كان يدعي انه يبحث عن الحق ولكنه يعتقد ان ما لديه له الحق فلا فائدة من بحثه ابتداء ولا يتوقع من ان يسلم. فالأفضل له ان لا يبحث ابتداء وعلى الاخرين ان يشغلوا انفسهم بشبهات فما ان يتم الرد عن اي شبهة حتى يبتكر شبهة تعجيزية اخرى والى ما لانهاية.

ان الاسلام هو التعرف على الحق وهذا طريق له بداية وليس له نهاية فما ان يتم التعرف على حق ما الا وتظهر الحاجة الى التعرف على حق اخر. وهذا هو صراط الله المستقيم. القران يجيب على شبهات الناس ويثبتهم على الحق. فالإقرار بالحاجة الى البحث عن الحق فيما نتناوله من موضوعات وما نواجه من شبهات واقوال لانقتنع بها هي بدية الاسلام. اي التسليم بالحق. اننا نؤمن بالله، لا لأنه اله العرب، ولا لأنه محابي العرب وانما نؤمن به لأنه حق وهو اله العالمين وهو رب العالمين.

ان من يريد ان يكون قائدا لغيره فانه لابد وان يكون مسلما اولا اي مقرا بالحق مذعنا له. قد عمل ما في وسعه في فحص ما تلقاه من تصورات وافكار من اسرته ومن مجتمعه ومن مدرسته ومن ثقافته العامة ويعمل كيف يسأل وكيف يقبل وكيف يرفض.
صحيح انه يظل يتعلم حتى موته ولكنه يكون قد وضع قدميه على الطريق الصحيح التي توصله الى معرفة الحقيقة بالوقت المناسب والطريقة المناسبة. عندما ذلك يمكن ان يقود غيره ويقود نفسه. وقد يكون قائدا في مستوى معين ومقادا في مستويات أخر. فما من قائد الا يجب ان يكون منقادا للقران مهما بلغ شأنه. انه لايستطيع اي انسان ان يستغني عن الله والقران ابدأ..

2ـ "وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ"

الاسلام يعتني بالماضي والحاضر. اي انه يركز على حقائق موجودة وتجارب موجودة يمكن فهمها واصدار حكم حوله بالقبول او الرفض ومن ثم العمل بمقتضى ذلك. لكن الايمان يتعلق بالمستقبل. بمعنى ان الانسان قد يكون مسلما بموضوع معين لان المعلومات المتوافرة له تدعمه ولكنه يكون مؤمنا اذا كان مهيئا لغير تسليمه هذا اذا ثبت في المستقبل ان تسليمه لم يكن قائما على حقائق كافية اكتشفها فيما بعد. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى ان المؤمن يقر بحقيقة ضعفه اي انه لايستطيع ان يعلم كل شيء ولا ان يحقق كل شيء متى ما يريد. فان كان قد اخطأ في تصور حدوث امر ما لكن ذلك الامر لم يحدث فلايتهم الله ولا الواقع بأنه تحيز ضده وانما يتهم نفسه فيراجعها. في هذه الحالة فانه يستمر في الثقة بالله وبنفسه ولكن ما حدث يعود الى قصور في تصرفاته.

المؤمن واقعي وطموح في نفس الوقت. واقعي انه يدرك مستواه الذي هو فيه وان كان ذلك لايعبر غن قدراته كاملة ولكنه في نفس الوقت يلهيه الامل فلا يقيم نفسه وقدراته الحالية والمستقبلية. انه يسلم بالواقع ولكنه يسعى الى تغييره ولكن بالحدود المعقولة والممكنة.

القائد يحلل اوضاعه واوضاع الناس ليس اعتمادا على هواه ولا على هواهم ولكن على الممكن وغير الممكن ثم يعلم على اقناع غيره انه ما يعتبره غير ممكن يمكن ان يتحول الى ممكن من خلال عوامل وتصرفات ممكنة ولها علاقة بما يراد الوصول اليه.

3ـ "وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ"

القانت هو الذي يقبل بالفشل بعد حصوله ولايكابر من حيث انه يبرر الفشل بتبريرات كاذبة من اجل ان يخدع نفسه او غيره. فانه في هذه الحالة سيدخل نفسه في صراع مع الله ومع الحياة ومع الناس ومع نفسه. فان حاول ان يقنع غيره فانه لن يستطيع ان يقنعها بتحقق امر ما قد جربه وفشل في تحقيقه وليس لديه اي وسيلة اخرى جديدة يمكن ان يجربها غير التي قد جربت.

فمن الاخطاء المتوقعة لأي قائد: المبالغة في الوعود ابتداء ثم الاصرار عليها بعد ان يكون قد حاول فلم ينجح. انه قد يعتبر ان ذلك قد يشكل ضعفا لديه يمكن ان يستخدمه من ينافسه للتقليل من قدراته. ولكن على العكس من ذلك فانه بتصرفاته هذه يعطي لمنافسيه ما يريدون فيدمر نفسه بنفسه.

فعند ظهور الخطأ فلابد من التواضع الذي قد لايكون مناسبا في مرحلة الايمان اي الطموح. وهنا يجب على القائد ان يتعود وان يسعى لان يفرق بين الامرين. ولذلك فان القنوت مقدرة ومعرفة وخبرة تعمل على التوازن بين الطموح المشروع والممكن والهاء الامل.

4ـ "وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ"

لايمكن ان يكون القائد صادقا الا اذا تدرب على الخضوع لله والخضوع للقانون والخضوع للواقع. فبدلا من ان يلوي عنق الحقائق ليبرر فشله وخطأه فان القبول بذلك علنا يعطيه مصداقية لدى نفسه ولدى الاخرين.

ان تطبيق هذا الامر على ارض الواقع ليس كما يتصور ذهنيا. قبل ان يقع الانسان في موقف كهذا او عندما يقيم غيره فانه يتعجب لماذا ان يكون المرء صادقا امر صعب لايدرك هذه الحقيقة الا اذا كان عليه ان يقبل بشيء لا يحبه بل وكان يظن انه بخلافه.
ان طريق النجاح تتطلب ان يتجرع المرء مرارة الصدق. سيكتشف فيما بعد فوائد الصدق الكبيرة ولكنه في وقت من الاوقات قد لايدرك ذلك فيقع في الكذب وهو يعلم مزايا فضيلة الصدق ودناءة الكذب.

5ـ "وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ"

ان القبول بتذوق مرارة الكذب من اجل التمتع بحلاوة الصدق يحتاج الى قدر كبير من الصبر. اذاً، الصبر هو تحمل اذى عاجل مقابل منفعة مستقبلية. ان هذه العلاقة لابد وان يواجهها كل من يطمح الى تغيير نفسه وتغيير غيره. فعلى سبيل المثال لايستطيع الانسان ان يزيد من ثروته في المستقبل وبطريقة شرعية الا اذا ادخر، اي حرم نفسه من التمتع بمتع معينة وقام باستثمار ما لديه من ثروة في خلق متع مستقبلية.
الناس دائما يفضلون الحال على العاجل. لكن العاجل لايود شيئا. ومن ثم فانه لابد من التضحية بمتع الحاضر من اجل متع الكبر في المستقبل.

6ـ "وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ"

يجب التنبه الى ما يطلق عليه لعنة النجاح وذلك عندما يتحول النجاح الى فشل. يحدث ذلك انه بعد ان يتعب الانسان ويجاهد في سبيل تحقيق شيء ما فانه وبمجرد ان يتحقق ذلك فينسى الانسان التعب ويتصور او يحاول ان يخدع نفسه بان ما حدث حدث بدون تعب يذكر ويتوقع ان يكون نجاحه القادم بدون تعب فيفاجأ بالفشل. فعلى سبيل المثال فان الله قد ينعم على الانسان لأنه بذل جهدا وطلب من الله العون. ولكن بعد ذلك ينكر دور الله في ذلك ويحول نعمة الله الى كفر. فان الله يمحق النجاح السابق ويعيده الى النقطة التي كان فيها.

الخشوع، هو التمتع بالنجاح ولكن من اجل تحقيق نجاح اخر. فيكون هذا الشعور دافعا له لتحقيق نجاح افضل. وبما انه قد طعم لذة النجاح فلا يقبل ان يعود الى ما قبل النجاح. انه شعور بقيمة الانجاز مع الاخذ بعين الاعتبار ان لايؤثر هذا الشعور على النجاح القادم.

7ـ "وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ"

النجاح يعطي الانسان اكثر مما يحصل عليه غير الناجحين. وبذلك يكون لدى الناجح شيء يكفيه وفائض يمكن ان يتصدق به على الاخرين من غير ان يؤثر ذلك على مستواه. لكن الحسد يعم على البخل بين الناس. صحيح ان الناجح لديه ما يكفيه لكنه قد لايحب ان يرى غيره مثله، اي لديه ما يكفيه. فيعمل على منع ما لايحتاج الى من يحتاج الى غيره. انه بذلك لم يحسن مستواه حقيقة انما وهم من خلال ان غيره لم يلحق به.

8ـ "وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ"

الصائمون هم الذين يحفظون السنتهم من الاثم واللغو وبطونهم من الحرام. لابد وان يكون القادة على هذا النحو من الانضباط والصرامة. الناجحون هم الذين يعتمدون على انفسهم بالدرجة الاولى وبالتالي يمكن ان يكونوا متصدقين. لكن من تفوق على الاخرين من خلال التطفل عليهم وتحويل نجاحهم الى نجاح له وفشل لهم فان هؤلاء لايمكن ان يكونوا متصدقين. فعلى الاقل ان تتصدق على غيرك فلاتأخذ حقه وما عنده.

9ـ "وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ"

الحافظون لفروجهم هم الذين لايسمحون لأحد ان يطلع على عوراتهم ومن هنا فإنهم لن يحتاجوا الى تتبع عورات الناس حتى يهددوهم بذلك.
انهم يحرصون على ان لا تكون لهم عورات واذا حدثت فيحرصون على سترها. وبذلك ينشغلون عن تتبع عورات الناس ولايتركون اي فرصة لمن يريد ان يتتبع عورتهم.

10ـ "وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ"

ما من حال يكون عليه الانسان الا ولله يد في ذلك. فان نجحوا فان الله ساعدهم، وان اصلحوا فان الله اصلحهم، وان اخطأوا ان الله يرشدهم.. وهكذا، فمن يكن هذا حاله فانه لامحالة ينجح في حياته الدنيا والاخرة. ويكون سببا في نجاح غيره. اي انه يكون من المتميزين في الدنيا والاخرة اي من القادة اي من المصلحين [أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)].
نسأل الله بمنه وكرمه ان يجعلنا منهم وان يوفقنا لتحصيل هذه المراتب وان يثبتنا على ذلك حتى نلقاه.

اقـــــرأ أيضاُ للدكتور: