تأملات رمضانية في القرآن (19)| شريعة الله في القرآن غير شريعة المسلمين اليوم

شريعة الله في القرآن غير شريعة المسلمين اليوم

حقيقة إن الله قد شرع للمسلمين ولغيرهم من البشر شريعة واضحة بينة تلبي ما يحتاجونه من قواعد، لأن يتصرفوا على أساسها حتى تكون حياتهم طيبة في الدنيا والآخرة. لكن مقارنة شريعة الله في القرآن فيما يطلق عليه اليوم بالشريعة الإسلامية والتي يحاول البعض فرضها على الناس وحشد الناس حول ذلك، فالوقع قد أثبت آن هؤلاء قد فشلوا، فقتلوا أنفسهم وغيرهم وبدون فائدة.

فان كان ما يحاولون أن يطبقوه هو شريعة الله فإن الله لايكلف نفساً إلا وسعها. ومن ثم كان الناس سيقبلون بها لأنها لاشك ستكون أفضل مما تفرضه الطاعات عليهم. ولكن الواقع يشهد بغير ذلك.

لاشك لديّ أن الله لم يترك عباده بدون شريعة واضحة قابلة للتطبيق وسهلة ومفيدة ولم يجعل وجود الإمام هو الشريعة. فالامام قد يكون صادقا في البداية او قد لايكون صادقا، من ثم فان اعتبار كونه ضرورة لوجود شريعة او لتطبيقها سيجعل الناس في حيرة فإن هم صدقوا ذلك كما فعل في اغلب التاريخ الاسلامي فانه ما يلبث ان يتمكن الامام او الخليفة من الحكم حتى يفرض على الناس شريعة غير شريعة القران. وفي هذه الحالة فان الناس لابد وان يقبلوا به، فمهما كانت شروطهم عليه من قبل انه لا يوجد لديهم وسيلة لجعله يلتزم بها، وان هم حاولوا حتى مناصحته فانه سيقتلهم جميعا لانهم خرجوا عليه وفي شريعة الطغاة فان الخروج عليهم محرم ويستوجب قتل كل من عارض الحاكم ولو كانت الامة كلها.

لايعقل أن يأمر الله بذلك لأنه أمر بالفحشاء، وبنفس الوقت فإن الله لايعقل ان يتجاهل هذا الامر في القران ولا ان يوكله الى وصي او انسان متطلع ويترك الامة بدون بيان واضح لهذا الامر. يقول الله في سورة الشورى:[شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ(13)وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ(14)فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ(16)]. ويقول في سورة الجاثية:[قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(14)مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ(15)وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ(16)وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(17)ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ(18)إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ(19)].

فان لم تكن هذه الشريعة في القران فاين يمكن ان تكون؟ هل في السنة التي لم تكن مكتوبة وكانت عبارة عن اقوال تتناقل شفويا. ومن المؤكد ان ما يتم تداوله شفويا لايمكن ضبطه مع الزمن وبين اجيال مهما تم الحرص على ذلك. ولابد من ان يتغير لعدد لاتحصى من الاسباب سواء من حيث الصدق او الكلمات المتشابه. وهذا هو حال ما يطلق عليه اليوم من سنة. فكل مذهب له سنته، بل فكل شخص له فهمه للسنة. فالصحيحة عن جماعة ما ليست هي الصحيحة عن جماعة اخرى.

ولا يمكن كذلك ان يترك هذا الامر اطلق عليه العترة. فحتى لفظ عترة ليس واضحاً في اللغة. وحتى آل البيت، أهل البيت، لانها عند اصحابها لا تعني جميع اقارب النبي وانما تعني عند كل جماعة ما يراه هو انه من آل البيت. ولم نر ان ما ادعي انهم امة معصومون انهم كذلك حتى من وجهة نظر المتشيعين منهم، فتارة يصورنه على انه إله بما يضيفون له من قدرات لا تنطبق الا على الله مثل علم الغيب والقدرات التشريعة والتكوينة التي تساوي قدرات الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وتارة يصورن على انهم مظلمون ضعف خدعهم حتى المؤمنين وحل بهم ابشع انواع العذاب والاهانة.

ولايمكن كذلك ان الله قد ترك هذا الامر للخلفاء الراشدين، فمن هم هؤلاء وكيف يمكن التعرف عليهم فان كان هؤلاء اثني عشر خليفة فمن هم ولماذا كرم الله البعض من خلال توليته لهؤلاء ولم يهتم بالاخرين.

فعلا ان الشريعة في القران وموجودة متاحة للكل الناس وهي باقية على ما كنت عليها الى قيام الساعة. فبعد بحث مضن في هذا الامر، اعتقد ان الله شرح صدري لبعض ذلك على الاقل في القران. ولعل اهم مصدر لشريعة الله قد ورد في سورة النور. دعونا تنأمل هذه السورة من وجهة نظر شريعة الله وذلك على النحو التالي:

يقول الله تعالى في اول اية في هذه السورة:[سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(1)]. انها سورة خاصة لاتباع القران ومن بلغهم القران ولم يوجد مثلها في اي كتاب من الله نزل من قبل بنفس الشمول والوضوح. والله هو الذي فرضها من حيث انه ما من شخص او جماعة او دولة إلا يحتاج إلى الاحكام الواردة فيها فلايحتاج الى ان يسأل علماء الدين فيها وان تطبيقها سهل على كل من رغب في ذلك وبغض النظر عن وجود دولة او عدم وجودها. فان وجدت دولة فانها تبدأ بهذه الاحكام قبل غيرها وان لم توجد فان المجتمع سيجد شيئا مفيدا له يبدأ منه فلا يبدأ من الصفر.

ستكون الحاجة هنا الى وجود سلطة تطبق هذه الاحكام وليس سلطة تخلق لنفسها احكاما كما تريد وتتناسى الناس. فان لم تبادر اي سلطة الى التزام بهذه الاحكام البديهية والضروية والتي هي ضرورية من اجل حماية الحياة اي حماية النفس والمال والعرض فانه يجب عدم تمكينها من ممارسة السلطة من اليوم وهي لازالت ضعيفة. وفي حال انحراف هذه السلطة عن القيام بهذه الواجبات وعلى هذا النحو فان اسقاطها لن ينتج عنه فراغ ولن يترتب عليه فوضى كما يزعم المتعصبون للحكام من بعض المسلمين. فعلى المجتمع ان يقيم سلطة باي شكل من الاشكال تعمل على اداء هذه الواجبات والتي لاغنى لاي تجمع بشري عنها. فلاتحتاج الامة الى ولي عهد ولا الى وصي ولا الى غير ذلك من اشتراطات التي سلبت الامة حقها في اختيار من يحكمها واخضعتها للطوغيت. يقول الله تعالى في سورة النور:[الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاتَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ(2)الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ(3)وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(4)إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(5)وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ(6)وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ(7)وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ(9)وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ(10)].

ان اول الحقوق التي يضيعها اي مجتمع ائل للسقوط هي عدم احترام الناس لبعضهم البعض والذهاب في التجني على بعضهم البعض الى حد يسقط الثقة باي شخصية فيها. وفي هذه الحالة تنعدم الثقة فلايكون هناك اي مرجعية لهؤء عندما يختلفون. وعند ذلك يتجزأ المجتمع الى عصابات اي الى مجموعات تصادم بعضها البعض بحق وبدون حق. فاذا ما استوعبت هذه العصبات فانها تندفع الى ممارسة كل انواع الاثم ضد بعضها البعض ولاشك ان ذلك يقود الى الاستهتار بقتل النفس.

ان محاربة الزنا وما يترتب عليه من نتائج تقدم الشهوة على ما يترتب على اشباعها على بشر غير موجودين وغير قادرين على الدفاع عن انفسهم. فمن يكون وجوده على الارض بهذه الطريقة سيحمل جراحا في نفسه لاتستطيع كل محاولة تجفيفها ولاتوجد اي طريقة يمكن ان تعوض مثل هؤلاء عما لحق بهم.

لاشك انهم سيتحولون الى ناقمين على الحياة بكل ما فيها. ولذلك فان من حق هؤلاء على الجيل الذي سبقهم ان يراعوا حقوقهم قبل وجودهم. ولايمكن ان يتحقق ذلك الا اذا وضع هؤلاء ضوابط تمكنهم من اشباع رغباتهم الجنسية الطبيعية مع الاخذ بعين الاعتبار حقوق الاطفال. ان منع الزنا ومعاقبة من يمارسه بهذه الطريقة يعني تنظيم حقوق الاسرة بكل ما تعنيه من معنى. وقد ورد تفصيل ذلك في سورة في القران وعلى رأسها سورة البقرة. انها اشارة الى مجموعة من القواعد التي يجب مراعتها في اي مجتمع من المجتمعات حتى لايدمر هذا المجتمع نفسه.

ان كثيرا من هذه القواعد يدخل في اطار الاعراف والعادات والممارسات والتي يتم ممارستها بشكل طوعي وفردي وقد لاتحتاج الى دولة. لكن اذا لم يتم معاقبة الزنا ومروجيه من قبل سلطة فانه يصعب فعل ذلك من قبل اسرة او مجموعة من الاسر. فقيام السلطة بهذه المهمة يشجع الاسر والافراد ان يتصرفوا فيما يخص هذا الامر بطريقة سليمة ومن ثم فانهم يجنبون انفسهم وسلطتهم الكثير من المعاناة.

التاريخ البشري يشهد بذلك سواء القديم او الحديث. فقوانين الاسر امر لا يستغني عنه مجتمع من المجتمعات. وفيه تفاصيل كثيرة وقد تسبب في انهيار مجتمعات ودول بل واديانا. ولذلك فان على المسلمين ان يقدروا فضل الله هذا عليهم لانه بذلك قد جنبهم متاهات وسنن اولين الذي يستغلون الشهوات ويدفعون المجتمع للميل العظيم في اي اتجاه فينتج عنه ضرر كبير عليهم ولايدركون ذلك الا بعد فوات الاوان. وقد اوضح الله اثر التساهل في هذا الامة مهما كان نوعها حتى لو كان القران ينزل عليها وفيها رسول الله. يقول الله في سورة النور:[إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ(11) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ(12)لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ(13)وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(14)إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ(16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(17)وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ(19)وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ(20) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(21)وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(22)إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(23)يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ(25)الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)].

فالآثار المدمرة لكلمة واحد من هذا النوع واضحة على جماعة المؤمنين وعلى غيرهم. فلولا حدثت هذه القصة لما عرف المؤمنون والى يومنا هذا اهمية هذا الامر ولما احتاطوا منه. ان كلمة الافك وجهت الى رسول الله والذي كان لدى المسلمين رسولا ونبيا وحاكما والذي كان لدى سكان المدينة من غير المسلمين حاكما. وتخيلوا خبث من استغل هذه الشائعة لتدمير مجتمع المدينة كله لانه لم يرغب به الناس لان يكون حاكما كما كان يطمح لذلك. ولولا فضل الله لتحقق هذا الهدف.

وكذلك فان هذا الحادث قد ترك جراحا حتى بين جماعة المؤمين. فمن ذلك فان العلاقات التكافلية بين المؤمنين كادت ان تنتهي وخصوصا ان الذين استدرجوا الى الخوض في هذه الاشاعة هم من الفقراء وذلك لاعتبارات معروفة. ولكن الله نهى الاغنياء ان يعاقبوا الفقراء لان ذلك كان سيكون اسهل. بل ان الله لم يأذن حتى بمعاقبة من خطط ومول وشجع ومارس كل ما يتعلق بهذه الامر من اثم وكذب، لان الله قد فضحهم وبرأ رسوله وحتى لايتخذ الملوك من اي ممارسات من الرسول بحق هؤلاء وكانوا يستحقون ذلك على انسان فقط عارضوهم بحق ووقفوا امام طغيانهم.

لقد اوصى الله المؤمنين بالمحافظة على حقوقهم وان لم يحافظ الاخرون عليها. وفي هذه الحالة فلا يلموا الاخرين لانهم قصروا. يقول تعالى في سورة النور:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(27)فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(28)لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ(29)قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30)وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(31)وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(32)وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(33)].

اذا كان في شريعة الله للبيوت حرمة كهذه فما هي حرمة من يسكنها؟ لاشك انها أكبر من ذلك. فبماذا يبرر من يدعي انه يحتكم الى شرع الله ويجاهد من اجل تطبيقه وهو لايعطي حرمة لاي شيء في سبيل ارضاء هواه او قل هوى اميره. فهل مثل هؤلاء يعبدون الله ام يعبدون غيره والله يقول لاتتخذوا إلهين اثنين انما هو اله واحد. فاين ذهبت العقول؟
لقد ارشد الله في القران المؤمنين الى الطريق الصحيح، اي الشريعة الرشيدة في اصلاح انفسهم اولا وفي مساعدة الاخرين في اصلاح انفسهم. فالمحافظة على الاسرة والعفة والثقة بين الزوج وزوجه والجار وجاره امر مهم وسهل ولايحتاج الا الى التعرف على ذلك وممارسته والصبر عليه، اي الى الصبر والصلاة.

فعن طريق ممارسة هذه العادات الحسنة يقي المسلم نفسه واهله من عذاب النار في الدنيا والاخرة. وهو بذلك يقدم قدوة حسنة لمن يرغب ان يستفيد من ذلك. فلا يحتاج الى دولة ولا الى سلطة. فهذه الامور لا يستطيع الطغاة منع المؤمنين من القيام بها لانه حق ومعروف وليس فيها منكر. ولايستطيع المسلمون اجبار الاخرين عليها لان ذلك صعب ومكلف ويدخلهم في تحميل انفسهم ما لايطيقون.

لكن الغريب في الامر ان الحركات الاسلامية على مختلف انواعها تجاهلت هذه القيم البسيطة، لم تلتزم بها ولم تحرص عليها واندفعت الى مراحل متأخرة وتعتمد على هذه الممارسات البسيطة ولذلك فقد فشلت وافشلت التصورات القرانية.

لايحتاج اتباع القاعدة الى ان يقتلوا انفسهم من اجل شرع الله. فبإمكانهم ان يطبقوا هذه القواعد على انفسهم وعلى اتباعهم. فان لم يستطيعوا او لم يحاولوا فعليهم ان يعلموا انهم لن يستطيعوا ان يطبقوا المستوى الاعلى من شريعة الله في القران. فهل حاول هؤلاء ان يمارس هذه القيم و ان يدعو الناس اليها؟ لو فعلوا لكان حالهم و حال المسلمين مختلفأ لقد اندفعوا لتطبيق شريعة العرب و المسلمين في السيطرة على الناس و على العالم هو ليس اهلا لذلك فضلوا و اضلوا.
صحيح ان القران يحمل مشروعا حضاريا عاليما و لكن الصحيح ان ذلك مرحلة ثانية بعد ان يتم استيعاب المرحلة الاولى هذه. ان الذهب الى هذه المرحلة وبدون توفر الشروط ما هو الزيغ من زيع الشيطان.
ان الحضارة لا تاتي على حساب القيم البسيطة و انما تكون اضافة لها. يقول الله في سورة النور [وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (34)اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(35)فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ(36)رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ(37)لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ(38)وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ(39)أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ(40)أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ(41)وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ(42)أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ(43)يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الأَبْصَارِ(44) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(46)].

ان مصدر اي نور حقيقي هو الله. وقد حدد الله في هذه الايات مصادر النور والتي هي الحاجة اي المشكاة والعقل اي المصباح والزجاجة اي العمل الصالح والزيت اي الايمان بالله. الله نور السموات والارض اي انه قادر ان يوصل نور القران الى الارض كله ولكنه حدد لذلك متطلبات واستحقاقات. فاول هذه الاستحقاقات ان تكون الامة قد اخرت نفسها من ظلمات الجهل الى ظلمات العلم. المصباح هنا هو التقدم في مجال العلوم الطبيعية والانسانية. ذلك ان القران ما جاء الا مصدقا لها ومكملا لها. فمن لايجيد ذلك فلن يستطيع ان ينور غيره لانه يحتاج الى غيره لينوره. ففي هذه الحالة فانه لن يثق بنفسه مادام معتمدا على غيره في العلوم الطبيعية بمختلف انواعها ولن يثق به غيره الذي يراه جاهلا ولايستطيع ان يفرق بين قضية واخرى بل انه لايستطيع ان يتخاطب مع غيره بلغة مفهومة للجميع.

اذن يجب ان يكون هناك علماء مسلمون متفوقون في العلوم الطبيعية وقادرون على منافسة غيرهم في هذا الامر ولو حتى على مستوى الكافئ ولا يتطلب الامر التفوق عليهم.

عندئذ يستطيعون ان يجمعوا بين العلوم الطبيعية اي المصباح والعلوم القرانية اي الزجاجة. فالزجاجة هنا هي الاخلاق التي تصبح عند علماء المسلمين والتي قد لاتتوفر لدى نظرائهم من العلماء الاخرين الذين لم يحتكوا بالقران. ولابد من الوضوح بهذا الامر بحيث لا يكون هناك تعصب ولاكذب ولاتضليل ولاتضخيم لاي عادات من العادات التي لاتتفق مع العلم ومع القران.

عندما يجتمع نور القران مع العلوم الطبيعية فان الحياة تكون هنا مختلفة ومتميزة ويتمثل ذلك بمؤسسات اجتماعية تدعو الى الخير وتامر بالمعروف وتنهى عن المنكر. [وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ]. هذه هي البيوت التي اذن الله لها ان ترفع وتتفوق على ماعداها من المؤسسات.

وما من شك ان الهدف من هذه البيوت او المؤسسات ليس استعمار العالم ولاحكمه وانما ايصال نور القران المفيد اليه. ان من يكون مؤهلا لذلك فانه لابد وان يتخلى عن الطموح السياسي او السيطرة الثقافية او الهيمنة الاجتماعية. فيها رجال لاتلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله. فان تحولت هذه المؤسسات الى وسلية للسيطرة والتحكم والاذلال للغير فان الله يفشلها ولا ينجحها وهذا ما هو حاصل للجماعات التي تحاول من الاسلام السيطرة على العالم وهم ليسوا قادرين حتى على اطعام انفسهم وادارة امورهم. فمن يمشي على بطنه لايستطيع ان يسابق من يمشي على رجلين ومن يمشي على رجلين.

فمن يكون دافعه هي الحاجة فانه يكون متخلفا ولايستطيع ان يبني حضارة. فمعظم وقته يمضي وهو يفكر كيف يشبع حاجاته. وهذا هو حال العرب والمسلمين اليوم. فلجهلهم لايدركون حالهم فيطمعون ان يحكموا العالم لان اباءهم كانوا كذلك. لكن من يكون لديه مع الحاجة عقل وعلم فانه يشبع حاجاته في وقت اقل ويكون لديه وقت كافٍ لان يحسن حياته. وهذا هو وضع الغرب في الوقت الحاضر. وهو بذلك وبلاشك في افضل حال من العرب رضي بذلك العرب ام لم يرضوا. والافضل من ذلك كل من يمتلك زمام الامور الاربعة اي من يمشي على اربع اي الحاجة والعلم والعمل الصالح والايمان. فان حاله افضل بكل تأكيد. يقول تعالى في سورة النور:[وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ(47)وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ(48)وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ(49)أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(50)].

هذا هو حال من يمشي على بطنه. اما حال من يمشي على اربع فهو كما وصفهم الله بقوله في سورة النور:[إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(51)وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ(52)وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(53)قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ(54)وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(55)وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(56)لاتَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ(57)].

ان التطلع لدور عالمي من خلال القتال وما يرافقه من متطلبات ومن تسلح في ظل استمرار التخلف والجهل بين الامة هو في حقيقة الامر انتحار لها. الايات السابقة توضح ذلك. فقد كان هناك من المؤمنين من يجهلون متطلبات مواجهة غيرهم. وقد تمثل ذلك ان هؤلاء لم يرغبوا في الترقي في سلم الاخلاق والانضباط والمسئولية. فلم يحرصوا على تعلم القران ولم يواضبوا على مجالس الرسول واكتفوا فقط بإعطاء المواثيق دون معرفة ماذا تعني وما هي تكلفة الالتزام بها وما هي تكلفة مواجهة حدوثها. قالوا سمعنا واطعنا ولم يدركوا ماذا يعني ذلك فسقطوا في اول الاختبار ولم يتعظوا من ذلك. فاستمروا في ممارسة ما تعودوا عليه من كذب وتضليل واثم وتخل عن المسئولية. وعندما يواجهون بمقتضيات قبولهم بما تعارف المؤمنون عليه وذلك من خلال تطبيق العقوبات التي وافق عليها الجميع على من يتخلى عن مسئولته وواجباته فانهم يعرضون وكأن الامر لايعنيهم.
ولكن عندما يتعلق الامر بحقوقهم او ما يعتبرونه حقوقا لهم فانهم يكونون اول المطالبين. ليس الامر على هذا النحو. فالامم الحضارية تدرك واجباتها قبل حقوقها وتعلم ان هذه الحقوق لايمكن المحافظة عليها الا اذا تم القيام بالواجبات.

وقت الوعود فهم اسرع لاطلاقها وهم اول من يبايع ولايتوثق حتى على ماذا بايع وعلى ماذا كان عليه ان لايبايع. ومن ثم فانه يدرك بعد فوات الاوان انه ورط نفسه وجماعته وامته. ان هؤلاء لا يستحقون الاستخلاف وان سعوا اليه فان مصيره الاستعمار. لقد استفزوا غيرهم واظهروا خطرهم على انفسهم وغيرهم. يقول الله في سورة البقرة:[وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(250)فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ(252)]. ويقول الله في سورة الحج:[إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ(38)أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40)الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ(41)].

أفيقوا أيها العرب والمسلمون. إن الشريعة التي تسعون لتطبيقها هي شريعتكم أنتم وليس شريعة الله. فإن كانت شريعتكم لم تصلحكم فكيف تعتقدون أنها ستصلح الآخرين. فإن حاولتم فرضها فإن الآخرين سيقاتلونكم. لكن شريعة الله تصلح لكم والاخرين ولايحتاج تطبيقها إلى قوة فقد يحملها حتى الطير كما يحمل البذور من مكان إلى مكان فتنبت وتنتشر وبدون عناء؟

اقـــــرأ أيضاُ للدكتور: