تأملات رمضانية في القرآن (20)| نور القرآن تحمله الطيور لا الوحوش

نور القرآن تحمله الطيور لا الوحوش

أوضحنا في تأملاتنا في الليلة الماضية أن القرآن هو نور الله في السموات والأرض وأن الله، لامحالة، موصله إلى كل العالم ليكون حجة له. يقول تعالى في سورة النساء:[إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا(165)لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا(166)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلالاً بَعِيدًا(167)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا(168)إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا(169)].

في هذه الايات يقول الله انه سيوصل القران الى كل الذين تم ارسال الرسل اليهم من قبل على الاقل. ذلك ان هؤلاء ربما انخدعوا بما بقي لديهم من التوحيد او من الادعاء انه كان لهم رسل موحدون وانزل الله عليهم كتبا من عنده. وان كان ذلك حقيقة لكن الحقيقة تشهد انه قد تم تحريف هذه الكتب.

ان الله في كتبه كلها يتبرأ ممن ادعى ان الله امره بالفحشاء وبالشرك والظلم. فتأتي كتبه لتدحض كل هذه الادعاءت فيقيم الله الحجة على اتباع هؤلاء. ولذلك فان الله قد شهد للقران وشهد بإيصاله الى العالم سواء بواسطة العرب او بدونهم.

في الايات السابقة اشارة الى ان العرب قد ينقلبون على القران وهو بين ايديهم. وذلك من خلال تحويل القران الى ملك لهم فيصدون غيرهم عنه من خلال ظلمهم وممارساتهم المتحيزة لثقافتهم وتاريخهم.

ولعل ذلك واضح من خلال عدم التمييز بين القران وشريعته ونوره وهديه الموجه للعالم، ومن خلال تفسير القران بما يتلاءم مع تاريخ العرب الجيد والرديئ. فالعادات العربية هي عادات الله والتاريخ العربي هو تاريخ الله واللبس العربي هو لبس الله واللغة العربية هي لغة الله. والعرب هم الذين سيحاكمون غيرهم في الاخرة. فهم امراء المحشر وهم المسيطرون على الكوثر وهم الذين يشرفون على العبور على الصراط وهم الذين سيدخلون من يشاؤون الجنة او النار. ان ذلك واضح في تراث العرب وعلمهم. فكما حشيت كتبهم بهذه الاباطيل فانهم لايفتؤن بحشوها في عقولهم. يقول الله في سورة الانعام: [سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ(148)قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ(149)قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ(150)].

بهذه الثقافة الباطلة فان العرب قد حولوا انفسهم الى وحوش. الوحش هو نوع من الحيوانات يتميز بانه يمارس العنف كأسلوب حياة. وبذلك فانه يحتكر جزءاً من الغابة اكبر مما يحتاج ويفرض ذلك على غيره بالقوة، مبرره الوحيد هو قوته وليس احتياجه. من اجل ذلك فان لكل جماعة من الحيوانات المتوحشة لابد وان يكون لها قائد والذي يكون هو الاكثر وحشية من بينها. يمارس هذا القائد دوره من خلال استخدام وحشيته وبطريقة مفرطة على اتباعه اولا وعلى أن يكون هو الاكثر وحشية عندما يتم مهاجة قطيع متوحش اخر. فعندما يتراجع هذا القائد عن وحشيته يتم قتله. ومن يقدر على قتله يثبت انه الاكثر وحشية من بين افراد القطيع فيكون هو القائد.

هكذا حال العرب اليوم. وما نشاهد من احدث في العالم العربي يثبت ذلك ويوضحه بأوضح صورة مما يغني عن شرح ذلك. ان هؤلاء لايمكن ان يكونوا حملة نور القران للعالم. بل انهم لن يستفيد منهم كما تشير الى ذلك الايات السابقة وما يتطابق معه واقع العرب.

يحمل نور القران الطير. الطير هو نوع من الحيونات ولكنه يتميز بصفات تخصه سواء على مستوى الطير او على مستوى المجموع. فالطير لا وطن له ان يهجر من اقصى بقع الارض الى اقصاها. الطير لا يكون مستعمرات دائمة ولذلك فهو لا يتقاتل لافيما بينه ولا فيما بينه وبين غيره. الطير لايأخذ من الموارد اكثر مما يحتاج. الطير لا يلوث الارض بل انه يخلصها من تلوثها. الطير ينقل البذور من بلد الى اخرى ويقوم بتلقيحها الى غير ذلك من الصفات التي جعلته رسول السلام ورمز الحيوانات الاليفة، فحتى ان تأثير من تحوش منها محدود. البشر يدمرون اماكن ترحال الطيور فيخسر البشر قبل ان يخسر الطيور.

فقد شبه الله حملة نور القران بالطير. يقول الله في سورة البقرة:[وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(260)]. الله يحيي من البشر من كان على شاكلة الطير لانه يكفي نفسها بنفسه ويفيد غيره.

ويؤكد هذه الاشارة ما جاء في سورة المائدة:[قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ(110)وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُواْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ(111)].

الحواريون وهم تلامذة عيسى كانوا اشبه ما يكون بالطير. فكما ان الله اوحى للحواريين بان يؤمنوا به وبعيسى فاحياهم وكان إحياء عيسى للطير بإذن الله إشارة الى الناس في زمانه فيقبلون إليه فيحيهم حتى يكونوا رسلا يبشرون بحملة القران. يقول الله في سورة الصف:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ(10)تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(12)وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ(14)]. ودلالة هذه الايات واضحة. فتأملها أخي القارئ بعناية.

وتؤكد ذلك اشارات متعددة من ايات اخر. يقول الله في سورة الانعام:[وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (37) وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ(38)وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(39)]. ان الربط بين الاية المطلوبة والاية المنزلة، اي القران والطير، شيء له دلالة لاتخفي على المتوسمين. ويوضح ذلك ما جاء في الايات التالية في سورة النحل. [وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(78)أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(79)]. اي اذا آمنتم بالقران فان الله سيعلمكم وسينصركم وسيجعلكم حملة له ومن دون عناء منكم ولا استعداد كما يدبر الله امر الطير.

ان الربط بين الاقران والقران والرسالة العالمية واضح في هذه الايات في سورة الاسراء. يقول الله: [إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا(9)وَأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(10) وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً(11)وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً(12)وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا(13)اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً(15)].

وبعد هذه المقدمة يمكن ان نتدبر بعض الايات في سورة الفرقان. يقول الله تعالى: [تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا(1)الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا(2)وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلايَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلانَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا(3)].
في هذه الايات يوضح الله تعالى ان نور القران اي الفرقان بين الحق والباطل انزله الله على نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليكون نذيرا للعالمين. ولفظ نذير له دلالة بالغة اي انه سيصل الى العالمين وان لم يهدد به العالمين. ولذلك فانه يحتاج الى حملة ولايمكن ان يكون من يحمله الا من اهتدى به.
وبما ان الله خالق كل شيء فهو سيخلق من البشر من يكونون مؤهلين للقيام بهذه المهمة ولايحتاج الله الى خلق بشر جدد، اي انه سيحيي من بين عباده ويؤهلهم للقيام بهذه الدور. لقد تكفل الله بهذه المهمة وليس علينا ان نسعى للتأهل لذلك. واول شرط لذلك هو عدم الاشراك بالله. اي عدم مساواة اي مخلوق بالله كائنا من كان سواء كان ملكا او رسولا او نبيا او غير ذلك. فمن قدم كلام هؤلاء على الله ومن لجأ الى هؤلاء بدلاً عن الله بأي شكل من الاشكال فانه لن يكون من بين هؤلاء الذين يشرفهم الله سبحانه وتعالى.

لقد وعد الله عباده الذين يؤمن به وبالقران انه سيرزقهم من حيث لا يحتسبون. فقوله تعال تبارك يصف نفسه ان يضاف الاجر في الدنيا والاخرة لمن يقبل هذه المهمة اي عدم طلب اخر مقدما وان يكون مما يمكن تحصيله بطرق طبيعية. ولذلك يكون الشرط الثاني للتأهل هو عدم طلب الاجر من لناس بل من الله مع ترك تحديد ذلك ووقته له. وهذا كان شرطا قبل به كل الرسل من قبل. فعندما قل موسى بمواجهة فرعون وقومه وعلوهم وكبريائهم فلم يسأل من الله ان يعطيه ملك مصرى وانما سأل من الله الايات فأعطاه الله ما يكفي من ايات للنجاح في هذه المهمة. ذلك ان الله عزيز رحيم. ونصره الله وأيده واهلك فرعون وقومه بطريقته. وكذلك فعل الله مع كل من انبيائه ابراهيم، نوح، هود، صالح، لوط، شعيب، ومحمد رسول الله. ولذلك فلم يكونوا محتاجين للوحش من البشرمعهم وانما كانوا محتاجين للطيور منهم. لانهم يواجهون الوحوش البشرية ولايمكن مواجهة الوحش بوحش. فلا فرق في هذه الحالة بين المنتصر والمنهزم.

ومن متطلبات ذلك طلب الاجر من الله وليس من الناس وكذلك الصبر على ما قد يلحق بهم من اذى من بعض الناس بسبب ذلك. يقول الله في سورة الفرقان:[وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا(4)وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا(5)قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا(6)وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا(7)أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلا مَّسْحُورًا(8)انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا(9)تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا(10)].

لقد تخيل وحوش قريش ان الله محتاج لوحشيتهم لمواجهة وحشيتهم فتعجبوا من ان الله ارسل محمدا وهو ليس من الوحوش. ثم تعجبوا بعد ذلك كيف يمكن ان ينتصر محمد عليهم وهو ليس كذلك وليس لديه من الامكانات ما يهزم به الوحوش منهم بحسب فهمهم. فمن لايرى الا انفه لايفكر الابما يحصل عليه وبالتالي فانه يراكم الاموال ويتفاخر بها. ومن يكون هذا حاله فانه لايرى ما في القران من خير:[بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا(11)إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا(12)وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا(13)لاتَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا(14)].
هؤلاء الوحوش كانوا سيمارسون مع المؤمنين مثل هذه الافعال ولكن الله لايحبها ولايحتاجها فلم يقبل منه ذلك وبالتالي فقد تركهم في غيهم يعمهون: [قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا(15)لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولا(16)وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ(17)قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا(18)فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا(19)وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا(20)].

هكذا هو حال الوحوش المعاصرين، الذين اقتدوا بالوحوش السابقين. اقول لهم لقد اخطأتم في تصوركم لله ولما يريده منكم فلا تستحقون منه اي اهتمام. ولذلك فقد جهلتم كل شيء مفيد لكم وتقدمتم بطلبات لاتخدم حتى مصالحكم وفي حال حصولها فانكم ستموتون حتما. فعجبا ممن يحب الدنيا الى هذا الحد فيفقدها بسبب ذلك. هذه كانت شروطهم. يقول الله في سورة الفرقان: [وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا(21)يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا(22)وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا(23)].

لكن الطيور حالهم في الدنيا والاخرة مختلف. يقول تعالى في سورة الفرقان: [أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا(24)وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلا(25)الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا(26)].

ايها الوحوش الاغبياء سواء القدامى او المعاصرين، لقد طلبتم ما تستحقون وسوف تحصلون على ذلك ولكن ليس الان لانكم لا تمثلون لله اي عقبة. فسيحقق ما يريد حتى مع وقوفكم ضده. لقد توهمتم انكم مهمومون ولكن في الحقيقة انتم ليس كذلك. لقد تركتم القران لانه لايأمر بالفحشاء ولم يعدكم بالسلطة والثراء. وانما وعدكم بالخسران وستحصلون على ذلك لكن موقفكم سيكون مختلفا. يقول تعالى في سورة الفرقان:[وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا(27)يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا(28)لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا(30)وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا(31)].
لكنهم لم يدركوا ذلك فاستمروا بالعناد وكلما عاندوا تركهم الله وانفسهم فصاروا يحاورون انفسهم بانفسهم فيعتقدون انهم يحاورن الله. يقول الله في سورة الفرقان:[وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا(32)وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا(33)الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلا(34)وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا(35)فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا(36)وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا(37)وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا(38)وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39)وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا(40) َإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا(41)إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا(42)أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا(43)أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا(44)].

ان هؤلاء قد ضلوا ضلالا بعيدا فبعد ان وضحت لهم الصورة وتم الصبر عليهم وتم اتباع كل الوسائل. لكنهم اغلقوا عقولهم وعبدوا اهواءهم واعتقدوا ان الله غير قادر على التخلي عنهم لانهم وفقا لتصوراتهم الشيطانية انهم اولياؤه لانهم يقومون على حرمه وهم في الحقيقة يعملون على الحفاظ على مصالحهم. ثم انهم اعتقدوا انهم حتى لو تخلى الله عنهم فان هناك اصناما واحلافا وقبائل لن تسمح بانهيارهم. لن يستطيع ان يقف امام الله احد اذا جاء امره.
اعتقد الوحوش القدامى خطأ ان المشكلة هي اما عند محمد وحاولوا ان يقدموا له بعض التنازلات ولكنه عندما رفض ذلك قالوا انه لمجنون. او ان المشكلة هي عند الله. وما دام ان الله قد ارسل رسولا من غيرهم فقد اخطأ وعليه ان يتحمل المسئولية على ذلك. اذ انه لو كان يدرك الوضع واراد النجاح لارسل وحدا منهم وكل واحد من هذه الشلة كان يعتقد انه هو المؤهل. ومن ثم فان لم يكن هو الرسول فانهم سيكفرون به حتى لو كان ابنه او قريبه او صديقه. لذلك لم يكن الحوار مع هؤلاء مجديا: [أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا(45)ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا(46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا(47)وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا(48)لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا(49)وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا(50)وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا(51)فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا(52)وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا(53)وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا(54)وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا(55)وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(56)قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا(57)وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا(58)الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا(59)وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا(60)تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا(61)وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا(62)].

ان هؤلاء لا يميزون بين الظل والشمس. صحيح ان هناك تقاربا بين الاثنين لكن الاثنين مختلفان فلا يمكن ان تطلق احدهما وان تريد الاخر. الشمس نور والظل نور ولكن نور الشمس ليس كنور الظل. القران كالشمس وكلام النبي كالظل. فقد افتتنوا باختلاف كلام الله عن كلام الرسول . وكانهم يريدون ان يكون كلام الرسول ككلام الله وفي هذه الحالة سيقولون انك لست الها فانت كاذب. وان كان كلام الله ككلام الرسول فسيقولون ان هذا كلامك وليس كلام الله.

وقد استغلوا اعتراف الرسول ان القران ليس كلامه وانما هو كلام الله. فقالوا كيف نميز بين كلامك وكلام الله. فان كان ذلك كلام الله اما ان يكلمنا الله مباشرة او ان ينزل على الاقل ملكا باسمه. ولو لم يكن الامر كذلك فلن نؤمن لك. على الاقل ادعو ربك ان يميزك بميزة فاصلة كان يكون لك جنات وكنوز وقصور. في هذه الحالة سنصدقك لاننا نعرف انك يتيم وفقير ولامال لك. او عليه ان ينزل علينا العذاب. فان كان الله استجاب لهم ففي حال ان يكون للرسول جنات وقوصور فان حسدهم له سيزداد ويقولون لماذ خصك الله ومن ثم فلن نؤمن حتى نؤتى مثلك ان كان الله انزل عليهم العذاب فسيقولون كيف نؤمن بإله يعذبنا ويصدقك.

هؤلاء قد وصل حالهم الى درجة السفه، فلا يميزون بين الشمس والظل ولابين الليل والنهار وبين النوم واليقظة ولابين الماضي والحاضر ولابين الحاضر والمستقبل ولابين الماء المالح والماء العذب ولابين القريب والبعيد ولابين الحياة والموت. ولابين الله والشيطان ولا بين عذاب الله وفتنة غيره.

ان تكذيبهم بالقران ليس نتيجة وجود شبوهات لديهم وانما لغباء مطبق وفي هذه الحالة فان القران لن يفيد كما لايفيد الماء الطهور في تنقية النجاسة اذا كثرت وكما لاينفع الماء العادي في احياء الصخور. بل ان الله قد رحمهم بالقران وبهؤلاء الذين يقرأون القران فلم يعذبهم. يقول الله في سورة الانفال:[وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(30)وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ(31)وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(32)وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(33)وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ(34)وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(35)]. لكنهم لم يفهموا ذلك فتحولوا كا الوحوش ضد هؤلاء. يقول الله تعالى:[إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1)وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ(2)وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ(3)وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ(6)وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ(7)وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ(8)بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ(10)وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ (11)وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ(12)وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ(13)عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14) فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ(15)الْجَوَارِ الْكُنَّسِ(16)وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ(17)وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ(18)إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(19)ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ(21)وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ(22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ(23)وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ(24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ(25)فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ(26)إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ(27)لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ(28)وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(29)].

فعندما بلغت وحشية هؤلاء الى هذه الدرجة كما تدل على ذلك هذه الايات في هذه السورة عند ذلك سمح الله للطيور ان تهاجر الى المدينة وان تنكر هؤلاء الوحوش ليواجه الله. يقول تعالى في سورة الفرقان: [وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا(63)وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا(64)وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا(65)إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا(66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا(67)وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69)إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا(70)وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا(71)وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا(72)وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا(73)وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا(74)أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا(75)خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا(76)قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا(77)].

ان الطيور التي هاجرت من مكة لم تخرج بطرا ولارياء الناس ولم تخرج طمعا في ما كان في المدينة. فلم يكن في المدينة شيء يستحق. وان كان هناك شيء فلم يفكروا به على الاطلاق. ذلك ان القران علمهم ان يكونوا عبادا للرحمن لاعباداً للمال والشهرة وان يراقبوا انفسهم قبل ان يراقبوا غيرهم وان يؤدبوا انفسهم قبل ان يؤدبوا غيرهم.

اقول لوحوش العرب اليوم. يجب ان يكون هؤلاء هم قدوتكم لا وحوش مكة. فلا تفاخروا لا بالوحوش السابقين والحاليين ولكن فاخروا بالطيور المهاجرة التي غيرت العالم في الماضي التي ستغير العالم الحالي. يجب ان يكون قدوتكم الذين هاجروا والذين اوو ونصروا. يقول تعالى في سورة النحل: [ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(110)]. [وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ(41)الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(42)]. [لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ(8)وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(9)وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ(10)].

في هذه الحالة ستتحولون الى طيور ترحب بكم كل بقاع الارض ولن تحتاج الى تأشيرات ولافحص خاص ولا الى مطاردات. اليس الطيور افضل من الانتحاريين الذين ترسلونهم ليقتلوا الناس فيعودون ليقتلوكم. انكم مع القران لاتحتاجون الى السلاح ايا كان ولا الى السلاح النووي ولا الى اي سلاح تدمير شامل. ان سلاحكم سيكون القران الذي نوره وسيلة اصلاح شامل فلا تحتاجون الى السلاح لا انتم ولاغيركم . فلا يقف امام النور اي عائق. انه سيكون العالم كله ميداناً له. لكن لايمكن الجمع بين النور والقوة اي بين النور والظلمات. فان كنتم يريدون الحياة الدنيا فلن تحصلوا عليها تحت غطاء القران. فالقران شفاف وسيكشفكم قبل ان يكشفكم غيره.

اقـــــرأ أيضاُ للدكتور: