تأملات رمضانية في القرآن | (21) الوحوش البشرية صناعة شيطانية

الوحوش البشرية صناعة شيطانية

هناك تصوران عن الإنسان: الإنسان الذي خلقه الله وبث فيه من روحه والذي يفترض أن يكون خيراً لنفسه ولغيره، أي أن لايكون متوحشاً على نفسه وعلى غيره. وهناك الإنسان المتوحش أكثر من الوحوش.

في الحقيقة توجد نماذج بين البشر من النوعين الخيرين والأشرار، وبغض النظر عن النسبة بينهما والتي قد تختلف من وقت إلى آخر، بل من ساعة إلى أخرى. إذ أن هناك نوعاً ثالثاً الذي يكون مرة أقرب إلى التوحش ومرة أقرب إلى البشرية الخيرة.

ومع ذلك فانه لابد من التعامل مع هذه الاصناف وفقا لطبيعة كل منها. وبما ان هذا التنوع حقيقة يشهد عليها الواقع وقد اقره القران فانه لايكفي فقط الاقرار بذلك. انه من الضروري التعرف على ذلك لكل انسان حتى يعرف نفسه فيصلحها او يزكيها وحتى يعرف انفس الاخرين اذا ما ارد ان يساعدهم على التعرف على انفسهم.

إن أصعب شيء على المرء ان يتعرف على نفسه. انه يشغل نفسه بتقييم انفس الاخرين ولكنه لايلقي بالا لتقييم نفسه. فكيف يستطيع ان يقيم غيره من لايأبه لتقييم نفسه. فمن يهمل نفسه فان الشيطان يسيطر عليها ويوجهها كيفما شاء وبدون رقيب او حسيب، نعوذ بالله من ذلك.

ان التعرف على النفس يغلق على الشيطان مداخله اليها والتي تأتي من خلال التزيين والغرور والاستدراج. ومن عظمة القران انه قد اوضح ذلك بالتفصيل. ولنتأمل ذلك في القران ومن خلال التعرف على صفات الثلاثة انواع ثم من خلال التعرف ما يوجد منها في داخلنا.

إن الله خلق الناس كلهم من أجل أن يكونوا بشرا وليس وحوشا ووفر لهم كل ما يحتاجون من اجل هذه الغاية:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(11)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ(12)يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13)قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(14)إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ(15)قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(16)يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(17)إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(18)].

لقد بين الله اسباب التوحش التي يمكن ان توجد في نفس كل واحد منا اذا لم يتم اداركها التعامل معها بالطريقة المناسبة. السبب الاول، هو السخرية. والسخرية هنا تنبع من عدم ادراك الانسان لحقيقة نفسه اولا. فما من انسان الا وله حقيقة تختلف عن الاخرين وبالتالي لايكون من الممكن أن ينافسه الاخرون عليها. فاذا ما تعرف ذلك فانه يكون في امن داخلي وقناعة بما لديه. فيقنعه ذلك عن البحث عن اخطاء الاخرين ويقيه خطر تقليل الاخرين من قيمته. وفي نفس الوقت فان الاخرين يتميزون بصفات حسنة قد لاتتوافر له او قد لاتتوافر له بالقدر الكافي. في هذه الحالة تقل السخرية بين الناس. فكيف تسخر من قيمة موجودة لدى غيرك وغير موجودة لديك؟ فان فعلت فانك ستضر نفسك اولا، فالطرف الذي تسخر منه بدون حق لن يعوزه ما يسخر به عليك ومن دون حق.

اما السبب الثاني للتوحش على النفس اولا ثم على الاخرين، يكمن في الاعتقاد ان الحياة صراع بين الناس، فمن لايصارع عن حقوقه سيلتهمها الاخرون. فمن يبدأ في الصراع هو الذي سيربح ومن لايبادر الى ذلك سيكون هو الخاسر. يقول الله في الايات السابقة فلا تلمزوا انفسكم اي لا تقللوا الخير فيكم. فعدم السخرية ابتداءً تمكن من عدم استعداء الاخرين، ومعرفة قدرات الانسان تعطيه ثقة بنفسه، ومن يثق بنفسه فانه لايلمز الاخرين فيعطيهم ما يستحقون ولن يكون ذلك على حساب شخصيته ومكانته.

اما السبب الثالث للتوحش، هو التركيز على الماضي السيء للاخرين. فما من شخص الا وله ماضٍ لا يحب الاخرون ان يطلعوا عليه. ومن ذلك بعض التصرفات المتوحشة. فان تذكره بذلك سيعيد اشعال فتيل التوحش من جديد. ولن تقتصر الاثار السلبية للتوحش على هذا الشخص وانما ستمتد الى الاخرين وخصوصا الذين تسببوا في تذكيره بذلك.

اما السبب الرابع، فهو سوء الظن بالاخرين وبدون اسباب، فقط لان هناك افتراضا ان كل شخص لايحب لاخر اي شيء يحبه. فقد يكون الانسان الذي يصدر منه هذا الظن السيئ مر بتجارب مع بعض الناس من هذا القبيل وقد يكون هو مصدر هذا الظن فيعممه على الجميع فيكون هو الخاسر الاكبر.

اما السبب الخامس، فيكمن في الاعتقاد الخاطئ لدى البعض انه لايحتاج الاخرين وان الاخرين يحتاجونه، اي التأله. الله فقط هو الذي ينطبق عليه، اما غيره فانه يحتاج الى الاخرين والاخرون قد لايحتاجونه او على الاقل بعضهم يحتاجونه وليس كلهم.

فمن تمكن القران من قلبه فانه يثق بالله ويثق بنفسه ويثق باخوانه من البشر. وفي هذه الحالة فانه يدرك حقيقة ما هو عليه. فلا يكون قاسيا فيُكسر ولاضعيفا لايقوى. الحالة المتوسطة بين هذين الوصفين هو اللين.

وهناك من البشر الذين اطلق الله عليه عبادهم من يتمتعون بهذه الصفات التي تناقض الوحشية من ناحية والضعف من ناحية اخرى. ولاشك ان ذلك شرط ضروري لفهم الحياة والتمتع بها وادارتها. كل ما قد يترتب على حدوث تغيرات في الحياة قد لاتكون حسب ما توقعها الانسان. يقول الله في سورة النمل:[قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ(59)أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ(60)أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ(61)أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ(62)أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(63)أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(64)قُل لّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(65)بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ(66)].

عباد الله يحترمون الطبيعة وما فيها من ظواهر ويتعاملون معها بما يحافظ على بقائها على هذا النحو. انهم يتمتعون بالحدائق والجبال والانهار وكل ما في الكون من مفرحات ويحمدون الله على ذلك من خلال مشاركتهم للاخرين في ذلك فلا يحتكرونها.

فالله لم يخلقنا لنكون وحوشا، اي لم يضطرنا الى ذلك. فاولا انه خلق فينا حب التعايش والتمتع بما في هذا الكون من نعم. وفي بعض الحالات فان التمتع لايكون في قمته الا اذا كان هناك مشاركة مع الاخرين. فلا قيمة للحياة بدون زوجة واولاد وان كان هؤلاء سيشاركوننا بعض ما لدينا.

وقد خلق الله من المتع ما لايمكن ان يحتكره الاخرون. ومن ثم فان تمتع البعض لايكون على حساب البعض الاخر. والامثلة على ذلك كثيرة. فعلى سبيل المثال ان المساحات الخضراء على وجه الارض سواء كانت الطبيعية او الصناعية تكفي لان يتمتع بها كل من يرغب بذلك وبشكل جماعي. ان ذلك يشجع على التعايش والذي هو ضد التوحش:
[وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ(67)لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ(68)قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ(69)]. لكن من استحوذ عليهم الشيطان فانهم لايشبعون من مغريات الدنيا ويحاولون اكتنازها والاستحواذ عليها وحتى منع الاخرين من التمتع بها ان كانوا هم غير قادرين على التمتع بها في الوقت الحاضر.

هؤلاء بعد ان تنصحهم وتذكرهم وترشدهم فيرفضون دعهم يدمرون انفسهم بأنفسهم. يقول الله تعالى في سورة النمل:[وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ(70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(71)قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ(72)وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ(74)وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(75)].

ان هذا القران لم يأتِ لصناعة الوحوش البشرية وانما لتشجيعها على ترك توحشها فان هي لم تدرك ذلك تركها لتدمر نفسها بنفسها. يقول تعالى في سورة النمل:[إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(76)وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (77)إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ(78)فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ(79)إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ(80)وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ(81)].

فحتى من لم يصلهم القران فان الله قد اعطاهم وسائل لادارك ما ينفعهم وترك ما يضرهم وفي هذه الحالة سيكونون متوازنين فلن يتوحشوا على غيرهم ولا على انفسهم إذا هم حاولوا معرفة حقيقتهم. يقول تعالى في سورة البقرة:[وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ(163)إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(164)].

ان من يكون التوحش مشتعلا في داخله فلابد وان يمارسه على نفسه او على غيره:[وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ(165)إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ(166)وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ(167)].

يبدأ التوحش عندما ينجح الشيطان في جر الانسان الى الشرك بالله. لانه يعرف ان من يشرك بالله فان الله لا يرحمه. يقول الله في سورة آل عمران:[إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(78)].

ويتحقق ذلك عندما يسوق الشيطان لرجال دين وهم في الحقيقة من اوليائه. وعند ذلك يستطيع ان يسيطر على العامة من خلالهم: [وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ(10)وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ(11)قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ(12)قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ(13)قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(14)قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (15)قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16)ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17)قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ(18)وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(19)فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ(20)وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ(21) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ(22)قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ(25)].

لقد استغل الشيطان ما كان يراود آدم من مخاوف ومطامع فأوهمه انه اذا اكل من هذه الشجرة فانه لن يكون معتمدا على الله. وربما خيل اليه ان ذلك يرضي الله. فالاعتماد على اي شخص من وجهة نظر الانسان قد يكون متعبا له. لكن الله يختلف عن البشر.
فبعد ان يتخلى الانسان على الله فيصير معتمدا على غير الله اي انه يصير معتمدا على الشيطان. والشيطان عدو وكذاب وعاجز. يقول الله في سورة الاعراف: [هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ(189)فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(190)أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ(191)وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ(192)].

[وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا(61)قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً(62)قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا(63)وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا(64)إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً(65)].

انصار الشيطان يتوحشون على الخيرين ويتوهموا انهم هم الاهم وان تخليهم عن الخيرين سيجعلهم في خسران منخدعين بحرص هؤلاء على ان لا يضل هؤلاء ولا يخسرون. يقول الله في سورة ال عمران:[لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(114)وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا(115)إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا(116)إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا(117)لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118)وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا(119)يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا(120)أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا(121)وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً (122) لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (123) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا(124)وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (125) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا(126)].
ان هؤلاء صدقوا الشيطان وكذبوا الله فكانت النتيجة انهم خسروا. ان الشيطان لم يكن له سلطان عليهم، اي حجة مقنعة، لم يقدر على اجباره ولكنه دعاهم فاستجابوا له فاستغرب حتى الشيطان من غبائهم هذا.

[إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ(76)وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(77)قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ(78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(79)وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ(80)فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ(81)وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ(82)تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(83)مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(84)].

التوحش يصدر اولا من النفس. فالنفس الخالية منه لاتؤمن به ولاتصدقه وتكرهه. لكن النفس التي عودت عليه فاصبحت تراه شيئا طبيعيا تحنو اليه. فان لم تكن هي متوحشة فانها تحب الانفس المتوحشة. ولذلك فانها تخضع لها وبسهولة. بل انها قد تشجعها على ذلك.

كيف ينشئ التوحش كما يوضح القران عندما يتكبر الناس على الله ويستغنون عنه ولايدعونه ولايعتقدون انه قادر على نفعهم وضرهم استكبارا من عند انفسهم. لكنهم يكتشفون انهم قد اصبحوا فريسة سهلة لمن شجعوهم على التوحش. فيكونون اول ضحية ذلك.

ان قصة قارون توضح عملية ظهور التوحش ومن المسئول عنه وما هي نتائجه بكل دقة ووضوح. ان قارون كان رجلا عاديا من بني اسرائيل اي من قوم موسى. ومن المفترض انه لايبغي على قومه اذا حاول ذلك فقد كان على قومه منعه. لقد كان فردا واحدا ما كان يمكن ان يتغلب على الامة بكاملها. وفي حقيقة الامر فانه لم يكن يحظى باي دعم خارجي.
كيف تمكن فرد من ان يتغلب على امة ان لم تكن الامة مهيئة لذلك. لقد فقدوا ثقتهم بانفسهم وثقتهم بدينهم وثقتهم بالله فاصبحوا قابلين لان يسيطر عليه اي انسان بل اي دابة. وعندما يصل المجتمع الى ذلك فان من يبادر الى التسلط عليه ينجح وبكل سهولة. لم يكن الامر مرتبطا بشخصية قارون ولابعلمه ولابدهائه. انما كان الامر مرتبطا بالطريقة التي وصلت اليه هذه الامة.

لم يوصل قارون هذه الامة الى هذه الحالة والا لما نحج في ذلك ولما مكنه الله من ذلك. الامة هي التي اوصلت نفسها الى هذه الحالة. الاسرة كانت مفككة ورجال الدين كذابين والعقلاء معزولين والدليل على ذلك انه كان بين قوم قارون اولي علم. لكن ما كان يسمع لهم. عند ذلك تمكن قارون من ان يفعل فعله وبكل سهولة. لقد حصل على قوته من ضعف الاخرين وعلى المال من فقر الاخرين وتسلط عليه بهم وبمالهم. وفي البداية اعتقد كل مكون من مكونات هذه الامة ان قارون سيكون معه وضد الاخرين. لكن عندما اكتشف الجميع انه قد خدهم كلهم ادرك تقصيرهم لكنه قد كان اقوى منهم جميعا. هنا ذهبوا ليستعطفوه، ويقولون له لاتفرح ولم يدركوا ان الفرح قد تغلغل في نفوسهم قبل نفسه. فقد كانوا يفرحون عندما كان قارون يظلم البعض عن طريق استخدام البعض. ومن هنا فانه قد ادرك ان كلام هؤلاء هو كلام فارغ لانهم لو كانوا قادرين على منعه لمنعوه وهو ما زال ضعيفا اي فردا منهم اما الان فهو اقوى منهم جميعا.

لقد حالوا ان يهددوه بالله، لكنهم نسوا الله من قبل، وقد كان هو يدرك انهم كاذبون. فقط كل فريق يريد ان يحل محله. فقال لهم كلمته المشهورة، انتم لم تقدموا لي شيئا. انا الذي صنعت هذا الامر وتريدون ان اسلمه لكم. والدليل على ذلك انه لما خرج عليهم بزينته ليبهرهم كان من ينتقده في السابق يقول في نفسه سرا او علنا يا ليت لنا مثل ما اوتي قارون. اي انهم اذا تمكنوا فسيفعلون نفس ما فعل. المشكلة هنا فقط هو ان قارون هو المستفيد وليس الظلم الذي مارسه عليهم. صحيح ان هناك من لم يقبل بذلك وقاوم، لكن هؤلاء قلة ما كان احد يلتفت لما يقولون. ولكنهم صبروا وقاوموا. ان ذلك يدل على ان قارون لم يكن قويا وانما خدع البعض بذلك. فلو كان قويا لما سمح لهؤلاء اصحاب العلم ان يتحدوه. ومع ذلك فان العامة لم يلتفتوا الى هذه الحقيقة فاخضعوا انفسهم لقارون بانفسهم.

نحن في العالم العربي قد زرعنا في انفسنا التوحش عندما حرض بعضنا على البعض الاخر. وقد انتهكنا كل القيم والاعراف في سبيل السيطرة على بعضنا البعض ولم نخجل في كشف غسيلنا الماضي والحاضر. فاعترافنا ان ما نعتز به هو الغدر والخيانة والتكبر من ناحية والضعف من ناحية اخرى.

ومن يشك في ذلك فما عليه الا ان يتابع خطابات القوى المتنفذة واتهامها بتبعيتها للخارج. فكيف يمكن ان يفهم اي عاقل كيف يدعي كل طرف ان ما يحدث بيننا هو بسبب تبعية الاخر لامريكا واسرائيل. فان كان ذلك صحيحا فان غير التابع كما يصور نفسه قد وقع بالفخ وان كان الجميع قد وقع بالفخ فلابد وان يلام الجميع. كيف يبرر البعض علاقاتهم مع الخارج بانه ضرورة ولصالح الامة لكن علاقة الطرف الاخر خيانة. باي مقياس يمكن تصديق ذلك.

اننا قد زرعنا التوحش فيما بينا ونحن مسئولون عما يحدث لنا. فكل من هو متورط بالحروب في الوقت الحاضر هو مخدوع وهو جزء من المشكلة بشكل او باخر ولايمكن ان يكون باي حال جزءاً من الحال. فما يعيبه على الاخر يمارسه بنفسه ولكنه يبرره لنفسه لا لغيره.

نحن الذين صنعنا هذا التوحش ونحن الذين نوجهه الى بعضنا البعض ولاعلاقة بالخارج بذلك. بل نحن الذين نحاول ان نورط الخارج بذلك ثم نلومه اذا تدخل ونلومه اذا لم يتدخل. نلومه على ما نفعل بانفسنا، نلومه على كل شيء ولانتوقف حتى لبرهة من الزمن لتقييم انفسنا.

كم هناك من قوارين عربية في الوقت الحاضر. وكم هناك من وحوش عربية في الوقت الحاضر. لاشك ان هذه الوحوش العربية ستأكل القوارين العربية. ان هذا ما نشاهده حاليا ولم يعد فقط متوقعا. يقول الله في سورة النمل:[وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ(82)وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ(83)حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(84)وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ(85)أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(86) وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ(88)مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ(89) وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(90)إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ(91)وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ(92)وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(93)].

اننا اذا قيمنا انفسنا سنكتشف كم نحن اغبياء ومعاندون ولا نقبل رأي اي عاقل منا. اما من غيرنا فاننا نطيع حتى كلابهم وخنازيرهم ولانعترض على شيء ولانناقش اي شيء يأتي منهم وفي نفس القوت فاننا نلعنهم ليل نهار.

نسأل الله ان يجعلنا ممن جاء بالحسنة فنكون من فزع ما سيفعله الوحوش بالقوارين آمنين وعند الله في الاخرة امنين بفضله ومنته.

اقـــــرأ أيضاُ للدكتور: