تأملات رمضانية في القرآن | (4) القرآن.. ودوره في حياتنا

القرآن.. ودوره في حياتنا

لقد منّ الله على الناس وعلى العرب على وجه الخصوص بأن أنزل عليهم القرآن موعظة للناس وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. قل بذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون.
لكن، للأسف الشديد، فإن هذا الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لم يقدر حق قدره وخصوصاً من قبل المسلمين أنفسهم. لقد استُبدل بقيل وقال ولم يُعظَم كما ينبغي، ولم يُتدبر كما يجب، ولم يستفد منه كما يحتوي من الفوائد. إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم.

صحيح أن البعض يحاول أن يختم القرآن خمس مرات خلال شهر رمضان أو أكثر من ذلك أو أقل، ولكن البعض يقرأ القرآن من أجل الموتى، والبعض يقرأ القرآن من أجل أن يضيع الوقت في رمضان، والبعض يقرأ القرآن من أجل الآخرة. والقرآن أنزله الله ليهتدي به الإنسان في الدنيا أولاً والآخرة ثانياً.

وهناك من يعظم كتب الحديث كالبخاري ومسلم كتعظيم القرآن أو أكبر من ذلك، نسأل الله أن لا يجعلنا منهم. وهناك من يقول إن هناك وحيين: وحي الله إلى نبيه، ووحياً آخر إلى علي أو الأمة أو الصحابة أو غيرهم. والأكثر استغراباً أن هؤلاء يقدمون الوحي المدعى على الوحي الحقيقي.

الله يقول الرحمن علم القرآن. فالله الذي علم جبريل ليعلم رسول الله. وقد اكتمل القرآن عندما توفى الله رسولَه. قال الله في سورة المائدة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3)) المائدة.

وباكتمال القرآن، اكتمل دين الإسلام وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومن ثم فإن البشرية لا تحتاج إلى كتاب آخر. ذلك أن القرآن هو أفضل كتاب أنزل على البشرية على الإطلاق. يقول الله تعالى في سورة يوسف: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)). ويقول الله تعالى في سورة الزمر: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)).

إنهم يزعمون أن الوحي الحقيقي لا يفهم إلا من خلال الوحي المزيف. كيف يمكن أن يكون ذلك. انظروا إلى ما وصف الله به وحيه حيث يقول الله تعالى في سورة الإسراء: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)).

كيف لا وقد عرف الله كتابه القرآن في القرآن بأوصاف كثيرة لا يمكن حصرها، ومع ذلك فعندما نحاول أن نقدم القرآن للآخرين لا نورد أياً من أوصاف القرآن في القرآن. إن ذلك لشيء عجيب. فدعوني أذكر نفسي أولاً والقراء الكرام ببعض هذه الصفات:
(ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)) البقرة. ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ (3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ۗ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (4)) آل عمران. ( كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (3)) الأعراف. (الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)) يوسف. (الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)) هود. (الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)) يوسف. (المر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ۗ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)) الرعد. (الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)) إبراهيم. (الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ (1)) الحجر. (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)) الكهف. (طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ (3) تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ (5)) طه. (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1)) الفرقان. (تلك ايات الكتاب المبين (2)) الشعراء. (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ (1)) النمل. (تلك آيات الكتاب المبين (2)) القصص. (تلك أيات الكتاب الحكيم (2)) لقمان. (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين (2)) السجدة. و القرأءن الحكيم (2) يس. ص والقران ذي الذكر (1) ص. تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم (1) الزمر. (تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم (2)) غافر. (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)) الزخرف. (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) الدخان. (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم (2)) الجاثية. (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم (2)) الأحقاف. (ق والقرآن المجيد (1)) ق.

هذه بعض الأوصاف للقرآن والتي وردت في بداية السور، وهناك أوصاف كثيرة للقرآن في كل السور. فإذا كان الأمر على هذا النحو فهل يجوز وصف القرآن أنه حمال أوجه وأنه يحتاج إلى من يوضحه للناس. ويمكن القبول أن كلام البشر أياً كانوا أوضح من كلام الله؟

فالفرد أو الجماعة أو الأمة أو العالم الذي يهتدي بهدي القرآن لابد وأن يظهر فيه الحكمة والعلم والعزة والبركة والمجد والعلو والعلم والرفعة وأن تكون حياته أو حياتهم طيبة رضية.

ويقول الله تعالى في سورة الزمر: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)). فما من حاجة يحتاج إليه الفرد والجماعة والأمة والعالم وهي مفيدة له إلا وقد تضمنها القرآن.

أخي القارئ أختي القارئة، انظروا إلى أحوالنا في هذه الأيام. أين العزة وأين المجد وأين العلو وأين الطيبة؟ لا نرى في واقعنا إلا القتل والإثم والفحشاء والتعاسة والرذيلة والفقر والمعاناة وكل أنواع المنغصات.

الواقع يقول ذلك والقرأن يقول غير ذلك؟ اين تكمن المشكلة. انها تكمن في اننا هجرنا القران. يقول الله تعالى في سورة الفرقان: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)).

لقد هجرنا القرآن واتبعنا من يدعي أنه يفسر ويوضح القرآن، وهو في الحقيقة يخفي نور القرآن ويؤله لصالحه أو لصالح مذهبه أو جماعته أو حزبه أو شيطانه.

يقول الله في سورة البقرة: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)). ويقول في سورة البقرة: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ۚ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)). ويقول الله تعالى في سورة آل عمران: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)).

ألا لعنة الله على هؤلاء، ونسأل الله أن لا نكون منهم وأن ينجينا من الوقوع في ذلك.
ومع ذلك فلا نيأس، فإن فرج الله قريب. يقول الله في سورة التوبة: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)).

لقد كثر الكذابون على الله، الهاجرون للقرآن، الكاتمون لهديه، مما يبشر بأن فرج الله قريب.

اقـــــرأ أيضاُ للدكتور: