انهيار عملاء طهران: مؤشرات نهاية عصر الهيمنة الإيرانية على بغداد

*مايكل نايتس وحمدي مالك

*مجلة فورين أفيرز

منذ ثورتها عام 1979، بنت إيران شبكةً من الوكلاء والمليشيات عبر الشرق الأوسط، فيما عُرف بـ"محور المقاومة"، الذي امتد نفوذه إلى العراق ولبنان وسوريا واليمن. لكن رياح التغيير التي هبت على المنطقة خلال العام الماضي بدأت تقلص هذا النفوذ، بعد خسارة طهران السيطرة بيروت ودمشق، فيما تشير تطورات متسارعة في العراق إلى أن بغداد قد تكون الحلقة التالية في سلسلة انهيارات "المحور".

تباهى برلماني إيراني عام 2014 بأن بلاده تسيطر على أربع عواصم عربية، هي بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء. لكن هذا الزعم لم يعد قائماً اليوم. ففي لبنان، دمرت الحرب الإسرائيلية الأخيرة بنية حزب الله العسكرية، بينما نجحت قوات سنية مدعومة تركياً في انتزاع سوريا من نظام بشار الأسد، الحليف الاستراتيجي لإيران، نهاية عام 2023. الآن، تواجه طهران كابوساً جديداً: فقدان العراق، الجار الجغرافي والاجتماعي الذي يعد العمود الفقري لتمويل أنشطتها الإقليمية.

مؤشرات هشاشة النفوذ الإيراني

رغم أن الحكومة العراقية الحالية بقيادة محمد شياع السوداني تنتمي إلى "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران، فإن تحركاتها الأخيرة كشفت عن تراجع الولاء لطهران. ففي يناير 2024، قدمت حكومة السوداني تنازلاتٍ لواشنطن شملت: رفع مذكرة توقيف ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والإفراج عن الباحثة الأمريكية إليزابيث تسوركوف المحتجزة من قبل مليشيا "كتائب حزب الله"، وإقرار تعديلات مالية طال انتظارها لإقليم كردستان، الحليف التقليدي للولايات المتحدة.

كما لوحظ توقف المليشيات العراقية المدعومة إيرانياً، مثل "عصائب أهل الحق"، عن شن هجمات على القوات الأمريكية منذ ديسمبر 2023، بعد أن كانت تطلق صواريخ بشكل شبه يومي طوال العام الماضي. يفسر محللون هذا التوقف كـ"إشارة خوف" من تصعيد أمريكي قد يعجل بانهيار النفوذ الإيراني.

العراق "بقرة حلوب" لإيران

يكمن أحد أسباب تشبث طهران بالعراق في الجانب الاقتصادي. فبينما تعاني إيران من عقوبات خانقة وتدهور عملتها المحلية (انهيار الريال بنسبة 62% خلال عام)، يستفيد الحرس الثوري الإيراني من الثروات العراقية عبر شبكة معقدة من الفساد. فـ"فيلق القدس"، الذراع الخارجية للحرس الثوري، يسرق النفط العراقي مباشرة أو عبر شركات وهمية، بينما تحول المليشيات التابعة له، مثل "الحشد الشعبي"، ميزانيات الدولة إلى جيوب قادتها.

وتحصل هذه الميليشيات على أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً كرواتب لـ250 ألف عنصر، كثيرون منهم لا ينفذون سوى أوامر طهران، أو لا يعملون أساساً إلا في يوم صرف المرتبات. كما سمحت حكومة السوداني للحشد بتأسيس شركة "المهندس" الاقتصادية، التي تحصل على عقود نفط وبناء بالشراكة مع شركات إيرانية وصينية.

رغم الضغوط الأمريكية، لا تزال طهران تمتلك أدوات قوية للاحتفاظ بنفوذها. فإيران تتحكم في مفاصل صنع القرار العراقي، خاصةً في تعيين رئيس الوزراء وتوجيه المليشيات. فعلى سبيل المثال، دبرت طهران عام 2018 صعود عادل عبد المهدي إلى رئاسة الوزراء بعد "اختبار ولاء" أجراه قائد فيلق القدس الراحل قاسم سليماني، كما شوهت انتخابات 2021 عبر ترهيب الخصوم وتزوير النتائج لصالح حلفائها.

يدعو الخبراء واشنطن إلى استغلال حالة الضعف الإيرانية الحالية عبر خطوات غير عسكرية، مثل:

تجميد الدعم السياسي للسوداني: بعدم دعوته للبيت الأبيض، ومراقبة الانتخابات البرلمانية المقررة في أكتوبر 2025.

عقوبات فردية: استهداف أصول النخبة العراقية المتورطة مع إيران.

ضغوط اقتصادية: كإلغاء الإعفاءات التي تسمح للعراق بشراء الطاقة من إيران، كما فعلت إدارة ترامب في مارس 2024.

لا تقتصر فوائد تقليص النفوذ الإيراني في العراق على تحسين الأوضاع الداخلية للعراقيين فحسب، بل قد تمنح واشنطن ورقة ضغط في المفاوضات النووية مع طهران. فخسارة العراق، البوابة الاقتصادية لإيران، قد تدفع النظام الإيراني لتقديم تنازلات في الملف النووي تجنباً لانهيار كامل في نفوذه الإقليمي.

تمر المنطقة بلحظة تاريخية قد تعيد رسم التحالفات الإقليمية. فبعد سقوط حلفاء إيران في سوريا ولبنان، أصبح العراق الساحة الحاسمة التي ستحدد ما إذا كانت طهران قادرة على الحفاظ على مشروعها الإمبراطوري، أو أن عصر "المحور" قد أوشك على الأفول. التحركات الأمريكية القادمة، سواء عبر دبلوماسية ذكية أو سياسات عقابية، ستلعب دوراً محورياً في إجابة هذا السؤال.