خلف الكواليس.. كيف ضحّى ترامب بأوكرانيا لتحقيق مصالحه؟
بعد خمسة أسابيع من ولايته الثانية، شرع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تفكيك التحالفات الدولية التي أرساها أسلافه، معيداً تعريف السياسة الخارجية الأمريكية وفقاً لرؤيته القائمة على "القوة المجردة". لكن السؤال الذي طُرح بقوة: ما الثمن الذي ستدفعه أوكرانيا في هذه المعادلة؟
كشفت جلسة علنية في المكتب البيضاوي عن حجم التصدع في العلاقة بين واشنطن وكييف، حيث واجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هجوماً غير مسبوق من ترامب الذي حذّره من أن "أوكرانيا لا تملك أوراقاً رابحة" أمام روسيا. وانضم نائب الرئيس جي. دي. فانس إلى الهجوم، واصفاً زيلينسكي بـ"الغير ممتن"، في مشهد اعتبره مراقبون نهاية للتحالف الاستراتيجي بين البلدين، وفق تحليل صحيفة نيويورك تايمز.
الهدف الخفي: التطبيع مع روسيا بأي ثمن
فيما يبدو محاولة لطي صفحة الحرب الأوكرانية، تسعى إدارة ترامب إلى إعادة تعريف العلاقة مع موسكو، حتى لو تطلب ذلك تبرئة الكرملين من تهمة الغزو غير القانوني، أو التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان، وفقاً لمسؤول أوروبي رفيع فضّل عدم الكشف عن هويته. وأشارت مصادر دبلوماسية إلى أن ترامب يعتبر الدعم لأوكرانيا "عائقاً" أمام مشروعه الأوسع لإعادة هيكلة النظام العالمي.
بدا التوجه الجديد واضحاً في تصريحات وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي دعا إلى "تجاوز" الصراع الأوكراني والتركيز على بناء تحالف ثلاثي مع روسيا والصين، واصفاً الدول الثلاث بأنها "قوى عظمى تمتلك ترسانات نووية وقادرة على تشكيل النظام الدولي". متجاهلاً بذلك تصنيف روسيا كدولة معتدية وفق القانون الدولي.
لم يخفِ ترامب سخطه على التحالفات التي قادتها واشنطن منذ الحرب العالمية الثانية، واصفاً إياها بـ"المكلفة وغير المجدية". ومنذ عودته للسلطة، باشر خطوات عملية لتفكيكها، بدءاً من مطالبة الدنمارك بالتخلي عن غرينلاند، ومروراً بتهديدات باستعادة قناة بنما، ووصولاً إلى خطط لمصادرة أراض فلسطينية في غزة.
زيلينسكي.. من بطل إلى خصم
واجه الرئيس الأوكراني، الذي استُقبل قبل عامين في واشنطن كرمز للمقاومة الديمقراطية، موقفاً متصلباً هذه المرة. ففي مؤتمر ميونيخ للأمن، تجاهل فانس مطالب كييف بضمانات أمنية، بينما رفض ترامب حتى منحها وعوداً بوقف إطلاق النار، متهماً إياها بـ"استنزاف الموارد الأمريكية".
أثار الموقف الأمريكي غضب الحلفاء الأوروبيين، حيث أعلنت فرنسا وبولندا ودول البلطيق دعمها المطلق لأوكرانيا. في المقابل، هنّأ الكرملين ترامب على "واقعيته"، بينما وصف رئيس الوزراء الروسي السابق ديمتري ميدفيديف الخطوة بأنها "انتصار للدبلوماسية العقلانية".
رغم الضجة التي أثارها القرار الأمريكي، يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن لترامب بناء نظام دولي جديد قائم على الصفقات الفردية بدلاً من التحالفات المؤسساتية؟ خبراء دوليون يشككون في ذلك، مشيرين إلى أن التعامل مع قادة مثل بوتين وشي جين بينغ يتطلب أكثر من مجرد خطاب قائم على التهديد. فالتاريخ يُظهر أن الاعتماد على القوة العسكرية والاقتصادية وحدها قد يقود إلى صراعات لا تُحمد عقباها، خاصة في عالم يزداد استقطاباً.