فضيحة مالية تهز صندوق بايدن للطاقة النظيفة: تحقيق FBI في اختلاس 20 مليار دولار

مقر وكالة حماية البيئة الأميركية EPA في العاصمة واشنطن. 18 فبراير 2025 - Reuters

أطلقت وزارة العدل الأمريكية تحقيقاتٍ غير اعتيادية حول صندوق منح الطاقة النظيفة بقيمة 20 مليار دولار، الذي أقرّه الرئيس جو بايدن عام 2022، وسط اتهامات بوجود مخالفات مالية، وفق وثائق وشفهيات كشفتها صحيفة "واشنطن بوست".

استجوب مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، موظفي وكالة حماية البيئة EPA، هذا الأسبوع بشأن برنامج المنح الذي أطلقته إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لتمويل مشاريع المناخ والطاقة النظيفة، مما أدى إلى تصعيد التحقيق الجنائي الذي تسبب في استقالة أحد المدعين المخضرمين، وفقاً لما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" عن مصدرين مطلعين.

جاءت الخطوة بعد أن اتخذت وزارة العدل الأميركية في الأسابيع الأخيرة إجراءات "غير معتادة" في التحقيق الجنائي لدفعه قُدماً، حيث طلبت من مدعي عام معيَّن من قِبَل الرئيس الأميركي دونالد ترمب تقديم طلب للحصول على مذكرة تفتيش، وذلك بعد أن رفض المدّعون العامّون القيام بذلك، كما سعت الوزارة إلى العثور على آخرين من مكاتب مختلفة للمشاركة في القضية، وفق الصحيفة.

ويتعلق التحقيق بمِنَح قيمتها 20 مليار دولار من صندوق الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وهو برنامج تم تأسيسه في قانون المناخ لعام 2022 الذي أقرَّه بايدن، ويهدف للاستفادة من الأموال العامة والخاصة للاستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة مثل الألواح الشمسية والمضخات الحرارية وغيرها، بما في ذلك دعم المُقرضين المجتمعيين في المناطق ذات الدخل المنخفض.

وكان رئيس وكالة حماية البيئة المُعيَّن من قِبَل ترمب قال إن الأموال تم منحها مع القليل من الرقابة، مشيراً إلى أن الوكالة ستسعى لاستعادة الأموال من "Citibank"، الذي كان مُكلفاً بتوزيعها.

وواجهت الإدارة أول عقبة في هذا الجهد الأسبوع الماضي، عندما استقال أحد كبار المدعين العامين في مكتب المدعية العامة الأميركية بالعاصمة واشنطن بدلاً من تنفيذ طلب الإدارة بتجميد الأموال بسبب الاحتيال المحتمل، لكن التحقيق ظل مستمراً، وفقاً لمصادر الصحيفة.

ثم قدَّم المدعي العام المؤقت إد مارتن طلباً بشكل شخصي للحصول على مذكرة مصادرة دون مشاركة أي مدعين آخرين بمكتبه في الطلب، لكن تم رفضه من قِبَل قاضي تحقيق في واشنطن، حيث وجد أن الطلب والإفادة المصاحبة من عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يُثبتا بشكل معقول وجود جريمة، بحسب الصحيفة.

وفي محاولة أخرى، تَواصل مكتب القائم بأعمال المدعي العام إميل بوف مع مكتب مدعٍ عام آخر في جنوب شرق الولايات المتحدة لبدء تحقيق من قِبَل هيئة محلفين كبرى والسعي للحصول على مذكرة لتجميد الحسابات بأمر من المحكمة، لكن المدعين العامين في المكتب رفضوا الطلب مرة أخرى، وفقاً لمصدرين.

وليس من الواضح ما إذا كان قد تم الحصول على مزيد من الأدلة منذ ذلك الحين، أو ما إذا كان قد تم الحصول على المذكرات في أماكن أخرى، لكن ثلاث منظمات على الأقل حصلت على أموال من هذه المِنَح قالت إن حساباتها قد تم تجميدها، ولم يخبرهم البنك بالسبب.

وتم تأكيد إجراء التحقيق الذي بدأه مكتب التحقيقات الفيدرالي بناء على طلب من وزارة العدل من قِبَل شخص مطلع على القضية وآخر لديه معرفة مباشرة، وقال أحدهما إن عملاء FBI طلبوا معلومات بشأن الإنفاق المتعلق بمكونين في منحة "البنك الأخضر" التي أنشأها بايدن، وهما صندوق الاستثمار الوطني للطاقة النظيفة وبرامج تسريع الاستثمار في المجتمعات النظيفة، والتي تسعى إلى تمويل مشاريع التكنولوجيا والطاقة النظيفة.

ورفض Citibank، الذي يحتفظ بحسابات البرامج، الرد على طلب الصحيفة الحصول على تعليق، وكذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي في واشنطن، وقال متحدث باسم وزارة العدل: "وفقاً لسياستنا المعتادة، فإننا نرفض تأكيد أو نفي وجود تحقيق جارٍ"، فيما كرر متحدث باسم وكالة حماية البيئة مزاعم رئيس الوكالة لي زيلدين.

وأضاف المتحدث: "عندما علمنا بخطة إدارة بايدن لإخراج مبلغ 20 مليار دولار بسرعة من الوكالة، اشتبهنا في أن بعض المنظمات تم إنشاؤها فقط للاستفادة من هذا، ومع استمرارنا في معرفة المزيد عن المكان الذي ذهبت فيه بعض هذه الأموال، أصبح من الواضح بشكل أكبر مدى انتشار هذا الهدر وإساءة الاستخدام".
"عملية متسرعة"

وأشارت الصحيفة إلى أن القضية بدأت تتكشف في 12 فبراير الجاري، عندما قال زيلدين إن الوكالة ستحاول استعادة 20 مليار دولار وإنهاء اتفاقها مع Citibank لتوزيع الأموال، زاعماً أن إدارة بايدن منحت الأموال في "عملية متسرعة مع إشراف منخفض"، لكنه لم يقدم أي دليل محدد على وجود انتهاكات.

واستشهد رئيس وكالة حماية البيئة بمقطع فيديو مسجَّل سراً من قِبَل مشروع خاص بـ Veritas، وهي مجموعة يمينية معروفة بعمليات التحقيق السرية، صرَّح فيه مسؤول في وكالة حماية البيئة بأن إدارة بايدن كانت "تحاول توزيع الأموال (20 مليار دولار) بأسرع ما يمكن قبل أن يتمكن أي شخص من التدخل ووقف كل شيء".

وفي 18 فبراير الجاري، استقالت رئيسة القسم الجنائي في مكتب المدعي العام الأميركي في العاصمة بعد أن رفضت إصدار أمر لـ Citibank لتجميد الحسابات. وأوضحت دينيس تشيونج في خطاب استقالتها أن التحقيق الجنائي الذي سعى إليه بوف ومارتن كان "من دون أساس".

وأضافت أن مارتن ألغى حُكمها بعدم وجود أدلة كافية على وجود جريمة لإصدار أمر بتجميد الحسابات، مشيرة إلى أن مكتب بوف ومارتن ضغطا عليها للعمل في يوم 17 فبراير (يوم الرؤساء) وهو يوم عطلة فيدرالية ومصرفية.

ونقلت الصحيفة عن ستيفان كاسيلا، المدعي العام الفيدرالي السابق والخبير في مصادرة الأصول وغسيل الأموال، قوله إن جهود الحكومة الرامية إلى الاستيلاء على مليارات الدولارات من المنح التي قدمتها سابقاً "غير عادية، وربما غير مسبوقة"، سواء تم ذلك طواعية من قِبَل البنك بناء على طلب الحكومة، أو من خلال مذكرة مُصادرة مُعتمَدة من المحكمة.

ووفقاً لكاسيلا، فإن من المعتاد أن يحقق مكتب التحقيقات الفيدرالي أو إدارة المراقبة الداخلية التابعة لوكالة حماية البيئة في إنفاق أموال دافعي الضرائب، لكن إصدار أمر إلى أحد البنوك بتجميد الحسابات دون أدلة كافية أو أساس قانوني يُمثّل إساءة استخدام لصلاحيات وزارة العدل في التحقيقات الجنائية.

وفي ضوء هذه التطورات، أفادت 3 منظمات متلقية للمنح بأنها لم تتمكن من سحب الأموال من حساباتها في Citibank في الأسبوعين الماضيين دون أي تفسير من البنك أو وكالة حماية البيئة، مما أثر على قدرتها على دفع أجور الموظفين والنفقات.

وقالت المتحدثة باسم "صندوق المناخ المتحد"، وهو تحالف من المنظمات غير الربحية، والذي تلقَّى أكبر حصة من المنحة، بلغت نحو 7 مليارات دولار، إن حساب التحالف تم تجميده منذ 18 فبراير الجاري، وهو اليوم الذي أصبحت فيه استقالة تشيونج علنية. وأضافت أن التحالف لم يتلق رداً على العديد من الرسائل، وأنه يدرس جميع الخيارات.
8 جهات مستفيدة

وقال المتحدثون باسم تحالف "رأس المال الأخضر" الذي تلقَّى 5 مليارات دولار و"صندوق العدالة المناخية" الذي تلقَّى 940 مليون دولار، إنهم لم يتلقوا أي تفسير بشأن سبب تجميد حساباتهم، فيما زعم "صندوق العدالة المناخية" أن حسابه تم تجميده في 14 فبراير، أي يوم الجمعة الذي سبق استقالة تشيونج.

وتُعد هذه المجموعات الثلاث من بين 8 جهات مستفيدة مَنحتها وكالة حماية البيئة 20 مليار دولار للاستثمار في عشرات الآلاف من المشاريع لمكافحة تغير المناخ وتعزيز العدالة البيئية.

وعادة ما تتم إجراءات مصادرة الأصول الفيدرالية في البنوك في عدة مراحل، حيث يمكن للمدعين العامين الفيدراليين التحقيق في الأمر سراً، وطلب معلومات من أحد البنوك، عادة عبر مذكرة استدعاء من هيئة محلفين كبرى.

ومع ذلك، لتجميد أو مصادرة أموال في حساب مصرفي، فإنهم يحتاجون إلى أمر صادر من قاضٍ، وفي الحالات الطارئة المحدودة، يمكنهم أن يطلبوا من البنك تجميد الحساب بشكل مؤقت بينما يتم السعي للحصول على مذكرة مصادرة سرية، لكنهم، مع ذلك، لا يزالون بحاجة إلى وجود سبب أو دليل محتمل يشير إلى وجود نشاط غير قانوني يستدعي اتخاذ هذه الخطوات. وأخيراً، يمكن للحكومة المُضي قدماً في توجيه اتهامات علنية أو اتخاذ إجراء مصادرة جنائي أو مدني.

وقال كاسيلا إن أي أمر مصادرة أو تجميد بأمر من المحكمة يتطلب سبباً محتملاً وإخطاراً لصاحب الحساب في غضون 60 يوماً.

ولأسباب تتعلق بالمسؤولية، فإن عادة ما يكون البنك حريصاً على توضيح ما إذا كان الإجراء الذي اتخذه ضد العميل تم بناء على أمر حكومي، وفي غياب مثل هذا الإخطار، فإن الأمر يصبح متروكاً لصاحب الحساب لتحدي هذا الإجراء في المحكمة إذا أراد الحصول على إجابات أو استرداد أمواله.

وفي رسالتها، قالت تشيونج إنها ومكتب FBI في واشنطن اتفقا على أنه يمكنهما الكتابة إلى البنك للتوصية بتجميد إداري لمدة 30 يوماً على الأصول، ولكن ليس إجباره على ذلك كجزء من تحقيق جنائي.

وأضافت أنها كتبت إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي أن مكتبها يعتقد أنه قد تكون هناك "انتهاكات محتملة" لقوانين الاحتيال الإلكتروني الفيدرالية والقوانين المتعلقة بالتآمر تستحق مزيداً من التحقيق، لكن لم يتم استيفاء معيار "السبب المحتمل" لإصدار أمر التجميد.

وفي شهادتها أمام اللجنة الفرعية التي تُشرف على الطاقة والتجارة في مجلس النواب الأميركي، الأربعاء، قالت القائمة بأعمال المفتش العام في وكالة حماية البيئة نيكول إن مورلي، إن مكتبها كان يراجع أيضاً الإنفاق بموجب القانون الذي أنشأ برنامج المنح.

وأشارت إلى أن دفع وكالة حماية البيئة للامتثال للمواعيد النهائية القانونية أثار مخاوف بشأن إجراء التدقيق المناسب في مستفيدي المنح والمشاريع المقترحة ومراقبة الأموال.

ويتمتع مكتب مورلي بسلطة التحقيق في الاحتيال وإهدار الأموال وإساءة استخدامها في وكالة حماية البيئة، بما في ذلك الانتهاكات المحتملة لقوانين الاحتيال والسرقة وغسل الأموال، وهو عادة الكيان الذي يحقق في إنفاق الوكالة نفسه.