قتل بالذكاء الاصطناعي.. تحقيق يكشف انخراط عمالقة التكنولوجيا الأمريكية في حرب غزة

جندي إسرائيلي يتحكم في مسيرة لمراقبة سكان قطاع غزة. 19 يناير 2025 - Reuters

كشف تحقيق أجرته وكالة "أسوشيتد برس" عن استخدام إسرائيل لتقنيات الذكاء الاصطناعي المقدمة من شركات تكنولوجية أميركية كبرى مثل مايكروسوفت وأمازون وجوجل وOpenAI في عملياتها العسكرية ضد قطاع غزة وجنوب لبنان، مما أدى إلى ارتفاع أعداد الضحايا بين المدنيين. وأشار التحقيق إلى أن هذه التقنيات ساعدت في تسريع وتيرة استهداف الأفراد والمباني، مما أثار تساؤلات حول الدور الذي تلعبه شركات التكنولوجيا في الحروب الحديثة.

وفقاً للتحقيق، اعتمد الجيش الإسرائيلي بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات هائلة من البيانات الاستخباراتية، بما في ذلك الاتصالات المعترضة وعمليات المراقبة، لتحديد أنماط الكلام والسلوك ورصد تحركات الأعداء. وبعد الهجوم الذي شنته حركة "حماس" في 7 أكتوبر 2023، تضاعف استخدام التكنولوجيا المتقدمة من شركتي مايكروسوفت وOpenAI، مما سمح بإجراء عمليات استهداف أسرع وأكثر دقة، وفقاً للجيش الإسرائيلي.

وأشارت الوكالة إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب يثير مخاوف أخلاقية وقانونية، خاصةً أن هذه النماذج لم تُصمم في الأصل لاتخاذ قرارات تمس الحياة والموت. كما أشارت إلى أن البيانات الخاطئة أو الخوارزميات المعيبة قد تؤدي إلى أخطاء فادحة في تحديد الأهداف، مما قد يتسبب في سقوط ضحايا مدنيين.

زيادة الاعتماد على التكنولوجيا الأميركية

كشف التحقيق عن زيادة كبيرة في استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنيات الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت وOpenAI، حيث ارتفع استخدام هذه التقنيات بنحو 200 مرة بعد هجوم 7 أكتوبر. كما تضاعفت كمية البيانات المخزنة على خوادم مايكروسوفت لتصل إلى 13.6 بيتابايت، وهو ما يعادل تقريباً 350 ضعف السعة الرقمية اللازمة لتخزين جميع كتب مكتبة الكونجرس.

ووفقاً للوثائق الداخلية التي اطّلعت عليها الوكالة، تم توقيع عقد بقيمة 133 مليون دولار بين مايكروسوفت ووزارة الدفاع الإسرائيلية لتوفير خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي. كما أبرمت شركة Palantir، الشريك الاستراتيجي لمايكروسوفت، شراكة استراتيجية مع إسرائيل لتزويدها بأنظمة ذكاء اصطناعي لدعم مجهودها الحربي.

مخاطر البيانات الخاطئة والاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي

أشار التحقيق إلى أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى أخطاء في تحديد الأهداف، خاصةً عندما تكون البيانات المقدمة غير دقيقة. فعلى سبيل المثال، تم إدراج مجموعة من طلاب المدارس الثانوية في غزة ضمن قائمة "المسلحين المحتملين" بسبب خطأ في ملف إكسل يحمل عنوان "الاختبارات النهائية".

كما حذّر ضباط إسرائيليون من أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وحده قد يؤدي إلى استنتاجات خاطئة، خاصةً عندما يتم اتخاذ قرارات سريعة تحت ضغط شديد. وأشار أحد الضباط إلى أن النظام قد يحدد منزلاً مملوكاً لشخص مرتبط بـ"حماس"، لكنه لا يسكن فيه فعلياً، مما قد يؤدي إلى استهداف خاطئ.

تداعيات أخلاقية وقانونية

أثار التحقيق تساؤلات حول الدور الذي تلعبه شركات التكنولوجيا الأميركية في الحروب، خاصةً في ظل المخاوف من أن استخدام الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان. وقالت هايدي خلاف، كبيرة علماء الذكاء الاصطناعي في معهد AI Now، إن "هذه أول مرة نحصل فيها على تأكيد بأن نماذج الذكاء الاصطناعي التجارية تُستخدم بشكل مباشر في الحروب"، محذرة من أن "التكنولوجيا قد تمكّن هذا النوع من الحروب غير الأخلاقية وغير القانونية مستقبلاً".

من جهتها، نفت OpenAI وجود أي شراكة مع الجيش الإسرائيلي، مؤكدة أن سياسات استخدام منتجاتها تحظر تطوير الأسلحة أو إلحاق الأذى بالأشخاص. ومع ذلك، عدّلت الشركة شروط الاستخدام الخاصة بها قبل حوالي عام للسماح بـ"الاستخدام في مجال الأمن القومي".

معارضة داخل الشركات

أثارت العلاقة بين شركات التكنولوجيا الأميركية والجيش الإسرائيلي جدلاً داخل الولايات المتحدة، حيث أعرب بعض الموظفين عن مخاوف أخلاقية. وفي أكتوبر 2023، فصلت مايكروسوفت موظفين اثنين لمشاركتهما في وقفة احتجاجية لدعم الفلسطينيين. كما أقالت جوجل نحو 50 موظفاً في أبريل 2024 بسبب اعتصام داخل مقرها احتجاجاً على الحرب على غزة.

وقال أحد الموظفين المفصولين من مايكروسوفت: "الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي هما القنابل والرصاص في القرن الحادي والعشرين"، مؤكداً أنهم يسعون لوقف بيع هذه الخدمات للجيش الإسرائيلي.

يُظهر التحقيق كيف أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي أداة رئيسية في الحروب الحديثة، مع ما يرافق ذلك من مخاطر أخلاقية وقانونية. كما يسلط الضوء على الدور المتزايد لشركات التكنولوجيا الأميركية في الصراعات العالمية، مما يثير تساؤلات حول مسؤوليتها في ضمان استخدام هذه التقنيات بشكل أخلاقي وقانوني.