تجدد المخاوف بشأن التطرف في الجيش الأمريكي بعد هجمات "رأس السنة"
شمس الدين جبار منفذ هجوم نيو أورليانز في قاعدة فورت جونسون لويزيانا، الولايات المتحدة. نوفمبر 2013. - REUTERS
جدد الهجومان اللذان وقعا في مدينتي نيو أورليانز ولاس فيجاس بالولايات المتحدة مع بداية العام الجديد، المخاوف بشأن التطرف داخل الجيش الأميركي، بعدما أظهرت التحقيقات أن المتورطين في الهجومين هما جنديان، أحدهما في الخدمة والآخر سابق، بحسب صحيفة "The Hill" الأميركية.
وأوضحت الصحيفة أن المشتبه به في هجوم الشاحنة في نيو أورليانز الذي أسفر عن سقوط 14 شخصاً، هو شمس الدين جبار، من قدامى المحاربين في الجيش، في حين أعلنت الشرطة أن المتسبب في انفجار شاحنة تسلا خارج فندق ترمب في لاس فيجاس، هو ماثيو ليفيلزبيرجر، هو جندي في الخدمة بالجيش حالياً.
وبينما لم تكن تلك الهجمات الأولى من نوعها لمتطرفين عسكريين، فإنها تلقي الضوء على عدد المحاربين القدامى المتطرفين وغير المستقرين، وكذلك القوات العاملة وما إذا كانت جهود وزارة الدفاع "البنتاجون" لتحديد واستئصال المعتقدات المتطرفة ناجحة.
مشكلة خطيرة
ونقلت الصحيفة عن هايدي بيريتش، إحدى مؤسسي المشروع العالمي ضد الكراهية والتطرف، والتي درست النشاط العسكري المتطرف لعقود، قولها إن "المشكلة التي لم يتم حلها خطرة بشكل خاص لأن المحاربين القدامى وأفراد الخدمة الفعلية يمكنهم القتل بكفاءة أكبر".
وقالت: "لم يعالج الجيش المشكلة بشكل كافٍ، سواء كان الأمر يتعلق بالعنصريين البيض أو المتطرفين المتشددين". وأشارت إلى أن الهجمات الأخيرة "تذكير بمدى أهمية عدم تدريب الأشخاص الذين لديهم القدرة على التطرف على التكتيكات العسكرية".
وقاد جبار، مهاجم نيو أورليانز، شاحنة عبر شارع مزدحم، ليودي بحياة 14 شخصاً ويصيب العشرات، قبل أن تطلق عليه الشرطة النار وتقتله.
وكان جبار مواطناً أميركياً من ولاية تكساس خدم في الجيش بين 2007 و2020، بما في ذلك عام من الانتشار في أفغانستان، وتقاعد برتبة رقيب أول. ولم يتضح بعد ما إذا كان قد خدم في القتال، لكنه تلقى تدريباً كمتخصص في تكنولوجيا المعلومات.
وقالت الشرطة إنها عثرت على علم تنظيم "داعش" في شاحنته، ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تتعاطف مع الجماعة الإرهابية.
وقال كريستوفر راي، نائب مساعد مدير قسم مكافحة الإرهاب بمكتب التحقيقات الفيدرالي، في مؤتمر صحافي، الخميس، إن جبار نشر خمسة مقاطع فيديو على الأقل تروج لأيديولوجية داعش، التي ادعى المشتبه به أنه انضم إليها العام الماضي.
أسئلة مطروحة
وأوضح راي، الذي قال إنه لا توجد صلة واضحة بين هجمات نيو أورليانز ولاس فيجاس، أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يعمل على فهم كيف أصبح جبار متطرفاً.
وقال: "ما زلنا نطرح الكثير من الأسئلة على أنفسنا. هذا هو الشيء الذي سنبحثه حقاً في الأيام المقبلة، فيما يتعلق بهذا المسار إلى التطرف، وسنجعله أولوية".
ولا يُعرف الكثير عن دوافع ليفيلزبيرجر، الذي حددته الشرطة كمشتبه به وراء شاحنة سايبرترك التي انفجرت أمام فندق ترمب بعد أن كانت محملة بالمتفجرات. وانتحر ليفيلزبيرجر بإطلاق النار على نفسه قبل انفجار السيارة، لكن سبعة آخرين أصيبوا.
وكان ليفيلزبيرجر جندياً نشطاً في القوات الخاصة الأميركية متمركزاً في ألمانيا، ولكنه كان في إجازة لقضاء عطلات الكريسماس ورأس السنة، وفقاً لتقارير إعلامية.
وقال تود هيلموس، كبير علماء السلوك في مؤسسة راند وخبير التطرف العنيف، إنه فوجئ بتورط ليفيلزبيرجر في هجوم لاس فيجاس، إذ أن التطرف العنيف أكثر بروزاً بين المحاربين القدامى الذين غالباً ما يعانون من مجموعة من العوامل بمجرد ترك الخدمة، مثل مشاكل الصحة العقلية، وإيجاد عمل وترك الرفاق.
وأضاف: "كل هذه القضايا يمكن أن تشكل تحديات معقدة للمحاربين القدامى. هذه التحديات الحياتية التي يمكن أن تحدث عندما يترك الناس الخدمات العسكرية في المجتمعات المتماسكة، قد يكونون أكثر عرضة للتطرف أو التجنيد".
وتابع هيلموس أنه "من الصعب أن تكون إرهابياً" في الخدمة الفعلية، موضحاً "إنك تتسكع مع زملائك في وحدتك يومياً، وهناك هيكل انضباطي قائم، لذا أعتقد أنه من المرجح أن يتم القبض عليك إذا كنت على وشك تنفيذ مثل هذه الأنواع من الهجمات".
حوادث مماثلة
لكن هذه ليست الحالة الأولى مؤخراً لعضو عسكري نشط متورط في عنف متطرف. في عام 2023، نفذ روبرت كارد، وهو جندي احتياط في الجيش الأميركي، إطلاق نار جماعي في لوستون بولاية مين، مما أسفر عن سقوط 18 شخصاً.
في عام 2020، قتل ستيفن كاريليو، وهو طيار في الخدمة الفعلية في ذلك الوقت، ضابطي شرطة بعد التعبير عن معتقدات مناهضة للحكومة. وهو يقضي عقوبة بالسجن لمدة 41 عاماً.
وفي واحدة من أعنف حوادث إطلاق النار على الإطلاق في قاعدة عسكرية أميركية، قتل نضال حسن، وهو رائد في الجيش وطبيب نفسي، 13 شخصاً وأصاب أكثر من 30 آخرين. ووجدت التحقيقات اللاحقة أن زملاء حسن كانوا على دراية بعلامات تطرفه.
كما تم اتهام أو إدانة محاربين قدامى وآخرون في الخدمة بالتورط في أعمال الشغب وقعت في 6 يناير 2021 في مبنى الكابيتول.
في العام الماضي، وجد الاتحاد الوطني لدراسة الإرهاب في جامعة ماريلاند أن ما لا يقل عن 721 فرداً من ذوي الخلفيات العسكرية ارتكبوا أعمالاً إجرامية في الولايات المتحدة، من عام 1990 حتى أبريل 2024، بهدف سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ديني.
ووفقاً للمنظمة، ارتفع عدد الأفراد ذوي الخلفيات العسكرية المتورطين في هجمات متطرفة من 11% في عام 2018 إلى 18% في عام 2022.
وتُظهر بيانات المنظمة أن تفوق العرق الأبيض والتطرف المناهض للحكومة يشكلان الجزء الأكبر من توجهات المحاربين القدامى المتطرفين والمتطرفين العسكريين العاملين، بأكثر من 80%. وتشكل الأيديولوجية المستوحاة من المتشددين ما يزيد قليلاً عن 6% من الحالات.
جهود البنتاجون
وفي عهد الرئيس جو بايدن، سعى البنتاجون إلى الحد من عدد المتطرفين في الجيش وتحديدهم بشكل أفضل، بعد أن طلب الكونجرس بذل هذا الجهد في قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2021.
وأنشأ وزير الدفاع لويد أوستن لجنة للإشراف على هذه الجهود، لكن البنتاجون كان بطيئاً في تبني التوصيات، ولم ينفذ سوى توصية واحدة بشأن تدريب أفراد الخدمة على فهم التطرف ولماذا هو محظور.
وترتبط أكبر مشكلة تطرف يواجهها الجيش في الغالب بالأيديولوجية اليمينية المتطرفة، وواجه أوستن ضغوطاً وردود فعل من المشرعين الجمهوريين في الكونجرس الذين وصفوا الجهود بأنها "مطاردة سياسية".
ويزعم الجمهوريون أن التطرف لا يزال مصدر قلق بسيط، إذ تم العثور على عدد قليل جداً من الأفراد ذوي الآراء المتطرفة مقارنة بأكثر من 2 مليون جندي نشط وجندي احتياط، إلى جانب حوالي 18 مليون من المحاربين القدامى.
وفي أواخر عام 2023، سعى تقرير تم تكليف البنتاجون به إلى التقليل من أهمية دور المتطرفين في الجيش، قائلاً إنه "لم يجد أي دليل على أن عدد المتطرفين العنيفين في الجيش غير متناسب مع عدد المتطرفين العنيفين في الولايات المتحدة ككل".
ومع ذلك، قال التقرير إن هناك "بعض المؤشرات على أن معدل مشاركة أفراد الخدمة السابقين أعلى قليلاً وقد يكون في تزايد". وتعرض التقرير لانتقادات لاستخدامه بيانات قديمة.يق مسدود في الانقسام السياسي".