سياسيون وحقوقيون لـ"خبر": المناسبات الوطنية كابوس مليشيا الحوثي ووأد مشروعها الطائفي
تعيش مليشيا الحوثي الإرهابية حالة من القلق المتصاعد مع اقتراب الذكرى الـ63 لثورة 26 سبتمبر المجيدة، التي أطاحت بالحكم الإمامي الكهنوتي في شمال اليمن عام 1962، حيث استبقت الجماعة هذا العام، المناسبة بقرارات صارمة تقضي بمنع الاحتفالات الوطنية والسياسية في مناطق سيطرتها، في محاولة مكشوفة لتقويض مظاهر التفاعل الشعبي مع الثورة، التي تمثل رمزاً للتحرر من الاستبداد السلالي.
في المقابل، سمحت المليشيا الحوثية الطائفية بتنظيم الفعاليات ذات الطابع الطائفي الخرافي والمذهبي فقط، مثل الاحتفال بالمولد النبوي ويوم الولاية، ومناسبات مرتبطة بشخصيات من آل البيت التي تزعم انحدارها منها، والتي تحولت عملياً إلى منصات لتعبئة أنصارها أيديولوجياً ومصدراً واسعاً للجبايات التي أثرت قيادات الجماعة بشكل غير مسبوق.
هذه السياسة المزدوجة تعكس سعي الجماعة الإرهابية المدعومة إيرانياً بشكل مباشر، لفرض هوية مذهبية ضيقة، على حساب الهوية الوطنية الجامعة التي تجسدها ثورة سبتمبر، لا سيما وقد صاحبها حملات اختطافات طالت قيادات وعناصر سياسية في حزب المؤتمر الشعبي العام، لمجرد عزمها الاحتفال بذكرى تأسيس الحزب الذي شكل جداراً منيعاً بين الثورة ومنجزاتها من جهة والدولة العميقة للسلاليين التي عملت على نخر الجسد الجمهوري بشتى الطرق، لأكثر من ثلاثة عقود على حُكم الحزب.
محطة فاصلة
أكد سياسيون حقوقيون تحدثوا لوكالة خبر، أن الذعر الحوثي من سبتمبر هذا العام يعود إلى ما تمثله الثورة في الوعي الجمعي اليمني، باعتبارها المحطة الفاصلة التي أزالت حكم بيت حميد الدين وسلطة "الحق الإلهي" المزعوم في الحكم.
وأجمعوا على أن أي حديث عن سبتمبر أو أي مناسبة وطنية أو سياسية أخرى بات يرعب الحوثيين، خصوصاً ومثل هذه المناسبات تكشف جذور مشروعهم الكهنوتي، وتفضح استنساخهم لذات النظام السلالي الذي أسقطه الشعب اليمني قبل أكثر من ستة عقود.
وبحسب ناشطين يمنيين ومراقبين، فإن ما يخشاه الحوثيون حقاً هو الزخم الشعبي المتجدد حول الثورة، والتفاف مختلف الشرائح الاجتماعية والأحزاب السياسية حولها باعتبارها عنوان المقاومة الشعبية للهيمنة الحوثية المدعومة من إيران.
وأشاروا، خلال حديث لوكالة خبر، إلى أن تزايد مظاهر إحياء المناسبات الوطنية والسياسية، رغم القمع والقيود، يثبت أن الذاكرة الوطنية أقوى من محاولات الطمس والتشويه.
وفي الوقت الذي تقمع فيه المليشيا فعاليات سبتمبر، تنفق أموالاً طائلة على تزيين الشوارع والساحات خلال المناسبات الطائفية الخاصة بها، وتفرض جبايات باهظة على المواطنين والتجار تحت ذريعة تمويلها.
تجريف الهوية الوطنية
وبحسب عاملين في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، أصبح الاحتفال بالمولد النبوي تحديداً فرصة سنوية لجمع عشرات المليارات من الريالات، يتم توجيهها لتعزيز ثراء القيادات الحوثية، بدلاً من إنفاقها على الخدمات العامة المنهارة، تأتي الصحة والتعليم والطرقات في مقدمتها.
ويحذر مراقبون من أن استمرار مليشيا الحوثي في تجريف الهوية الوطنية واستبدالها بأخرى مذهبية يهدد بتفكيك النسيج الاجتماعي اليمني، ويعيد البلاد إلى مربع الصراع التاريخي الذي جاءت ثورة 26 سبتمبر لتجاوزه.
ومع ذلك، يُجمع المراقبون، على أن ثورة سبتمبر ستبقى حاضرة في وجدان اليمنيين كقضية جامعة وملهمة، في وجه كل محاولات الطمس والاحتكار السياسي باسم الدين والسلالة.
اختطافات موثّقة
وكانت وثقت منظمات حقوقية حملات اختطاف واسعة خلال سبتمبر 2024، بينها منظمة "مساواة للحقوق والحريات" التي أكدت أنها وثّقت اختطاف عشرات المدنيين بسبب دعوتهم للاحتفال بذكرى الثورة.
أما "رايتس رادار" فوثقت أكثر من 428 حالة انتهاك في عشر محافظات، بينها 235 حالة اختطاف واختفاء قسري، و97 حالة اعتداء جسدي، و52 حالة اقتحام للمنازل، و44 حالة اعتداء لفظي.
ففي محافظة إب، على سبيل المثال، نفّذت المليشيا حملة خاطفة شملت 41 شخصاً، أغلبهم من الأطفال تحت سن الثامنة عشرة، في مديريات عدة مثل السدة والمخادر ويريم. في حين ذكرت مصادر محلية أن عدد المختطفين في السدة بمفردها وصل -آنذاك- إلى 31 منذ مطلع الشهر.
وركّزت منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" والمعهد المصري لحقوق الإنسان على أن مليشيا الحوثي اختطفت عشرات المواطنين في محافظات مثل صنعاء وعمران وإب وذمار وغيرها، بتهم غير قانونية بسبب مشاركتهم أو دعوتهم للاحتفال بثورة سبتمبر، أو حتى مجرد رفع العلم اليمني.
ووفقاً لبيانات المنظمات الحقوقية؛ في عمران وحدها، دون توجيه تهم، ثبت اختطاف 209 أشخاص، بينهم أطفال وكبار سنّ.
وبحسب ما أجمع عليه السياسيون والمراقبون والحقوقيون، من خلال هذه السياسة الممنهجة، كشفت مليشيا الحوثي عن مخطط مدروس لاستبدال الهوية الوطنية بقوالب مذهبية ضيقة، تحاصر الاحتفالات الوطنية وتحوّلها إلى رموز مهددة، وتستخدم الطائفية كمورد مالي وأسطورة سياسية.
في المقابل، أظهرت الثورة السبتمبرية -جدلاً وحضوراً- أن هذه الهوية لا تزال حيّة في وجدان اليمنيين، وسيواجه القمع بالمقاومة المدنية والثقافية، وفق ما أكدت أحاديثهم.