"أحدهما لا كلاهما" الجمهورية في مواجهة السلالة الطائفية!

كالعادة، ومع اقتراب المناسبات الهامة في الذاكرة اليمنية، يتعامل الحوثيون بشكل مضطرب وخوف متزايد تجاه أي كلمة عابرة تتحدث عن ضرورة احتفال الجماهير اليمنية بذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي العام، أو ذكرى ثورة 26 سبتمبر، يصير الأمر بالنسبة لهم مواجهة مفتوحة مع كل صوت، جاعلين السجون المغلقة شماعة متكررة لخوفهم الدائم من الحقيقة الناصعة.

في المقابل، يرغم الحوثيون جميع شرائح الشعب على الاحتفاء بمناسباتهم الطائفية بكل مناطقهم المشحونة بالكثير من الخوف. لقد حولوا المجال العام منذ سنوات إلى ساحة مغلقة على طقوسهم الطائفية وأفكارهم الخرافية، كمواجهة علنية واضحة لكل ما ينتمي للهوية الوطنية الجامعة. الرسالة واضحة: لا صوت يعلو فوق صوت الطائفة، ولا هوية تعلو فوق فكر الجماعة. هذه الأساليب المتكررة لم تعد مجرد ممارسات متشابهة، بل باتت نهجًا متعمدًا لمصادرة كل ما يعيد اليمنيين لهويتهم الجمهورية، ولمحو كل ما يعزز انتماء المواطنين لوطنهم الكبير بعيدًا عن المشاريع السلالية الضيقة.

المفارقة هنا واضحة: الحوثيون يستثمرون كل موارد الدولة المنهوبة لتمويل فعالياتهم الطائفية، من ميزانية الوزارات إلى جبايات الأسواق، بينما يحظرون على الناس رفع علم الجمهورية اليمنية في مناسبة وطنية. يمنعون المدارس من إقامة إذاعات وطنية، ويعاقبون المدرسين والطلاب إذا رددوا النشيد الوطني خارج المسموح لهم، يلاحقون الصحفيين والناشطين والموثرين، يحاصرون المنازل والمؤسسات، ينتشرون في الجامعات والمعاهد والساحات، يراقبون كل شيء، يشككون في كل ما يجري، يخافون من فكرة المعجزة المشتعلة من رماد الويل.

الحياة في مناطق الحوثيين لم تعد آمنة لكل من أراد التحدث عن الوطن والوطنية. في هذه الأماكن تم مصادرة الحريات كلها، وتم تحريم المناسبات اليمنية كلها. لقد جعلوا الوطن مرتعًا للسلالة المقيتة والطائفة الكريهة. في هذه المناطق، أي مواطن قد يتعرض للاعتقال بسبب منشور على فيسبوك، أو نتيجة مشاركته في فعالية مجتمعية لا تحمل شعار الجماعة. وحتى التجمعات الاجتماعية البسيطة باتت تحت رقابة مخبريهم الذين يحاولون فرض وصاية على الأفراح والمناسبات المختلفة، وكأنهم أوصياء الله على الناس في حياتهم الخاصة والعامة.

أخيرًا،

وفي كل مرة يمنعون المواطنين من الاحتفال بمناسبة وطنية، يثبتون أن مشروعهم لا يمت للدولة بصلة، ويثبتون أكثر، أنهم مجرد كيان دخيل يعيش خلف أسوار الطائفة والسلالة والخوف. وفي كل مرة يعتقلون قياديًا سياسيًا أو ناشطًا مجتمعيًا، يعلنون تمامًا عجزهم عن قبول التعددية والاختلاف والتعايش. اليمن اليوم يقاوم مشروعًا لا يخاف إلا من شيء واحد: وطنية اليمنيين وذاكرتهم الجمعية. ذاكرة الوطن والثورة والجمهورية والوحدة. لذلك، معركة اليمنيين وجودية خالصة، معركة وعي وذاكرة ووجود، لإعادة الاعتبار العظيم للهوية اليمنية الخالصة. إما الجمهورية أو السلالة، لا خيار أخر، إنها مواجهة حتمية بين مشروعين: أحدهما يحاول استبدال الجمهورية بالولاية، والوطن بالطائفة، والدولة بالخرافة، وهذا ما لن يحدث على الاطلاق.