الاحتقان القبلي يتصاعد ضد الحوثيين.. تمرد شعبي يلوح في الأفق

تشهد عدد من المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية، حالة متزايدة من الاحتقان القبلي، في ظل تزايد انتهاكات المليشيا بحق السكان، وسط ملامح تمرد قبلي يلوح في أفق القبيلة اليمنية الرافضة للتركيع والإذلال، في ظل ما تتسم به من مكانة مهمة في المجتمع وكونها شريكاً مهماً في بناء الدولة وإرساء مداميكها.

وذكر مراقبون، أن المدن اليمنية تشهد تصعيداً قبلياً ملحوظاً، على خلفية الجرائم الحوثية الجسيمة، لعل آخرها قضيتي اغتيال الشيخ أبو شعر، وقرار رئيس المجلس السياسي القاضي بالعفو عن متورط بجريمة قتل الشيخ طارق بازل الخلقي من أبناء ذمار، في قرار يعد الأغرب تاريخياً.

وفي التفاصيل، أوضح زعيم قبلي في محافظة إب لوكالة خبر، الأربعاء 18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أن التوترات القبلية تصاعدت بعد سلسلة من الاعتداءات التي طالت زعامات ووجهاء وأبناء القبائل بالمحافظة على رأسها الشيخ القبلي البارز صادق أبو شعر، وسط استياء شعبي واسع من سياسات المليشيا المدعومة إيرانياً.

وأفاد الزعيم القبلي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، بأن اجتماعات عقدتها زعامات ووجهاء عدد من قبائل محافظة إب، خلال الأيام الماضية، تدارست خلالها توسيع دائرة الاحتجاجات القبلية، بتوجيه دعوة إلى زعامات القبائل في بقية المحافظات للتضامن ضد التمييع الحوثي للقضية ورفض تسليم منفذي الاغتيال على رأسهم القيادي الحوثي المدعو علوي الأمير.

وفي وقت سابق أكد الشيخ أحمد عائض أبو شعر، أحد وجهاء قبائل الشعر، أن العدالة هي مطلبهم الأساسي، مشدداً أنه في حال فشل السلطات في تحقيقها ستتخذ القبائل خطوات تصعيدية.

وأفادت التقارير أن المدعو علوي صالح قايد الأمير، المُعيّن من قبل الحوثيين مديراً لقسم شرطة علاية في منطقة شميلة، كان يقود عصابة قامت باغتيال الشيخ أبو شعر في جولة دار سلم جنوبي صنعاء، أواخر نوفمبر الماضي.

وزاد من درجة الاحتقان الشعبي ضد المليشيا، المعايير المزدوجة التي تتعامل بها الأخيرة، إثر فضها اعتصامات لقبائل المحافظة في ميدان السبعين ومنطقة دار سلم، بصنعاء، بالإضافة إلى سلسلة اعتداءات طالت مدنيين من أبناء إب أبدوا تضامنهم مع أبو شعر وطالبوا بتسليم الجناة.

كما تتجلى أبرز مظاهر الاحتقان في ارتفاع وتيرة الخلافات بين القبائل والمليشيا بسبب ممارساتها القمعية، كفرض الجبايات الإجبارية وتجنيد الأطفال، إلى جانب عمليات السلب والاستيلاء على الممتلكات، كان آخرها عمليتي مداهمة طالتا سوق مفرق حبيش بمديرية المخادر، في أقل من شهر. الأولى كانت في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فيما جاءت الثانية قبل أيام. وأطلقت عناصر المليشيا الحوثية النار على الباعة والتجار ما أسفر عن سقوط مصابين قبل اعتقال آخرين واقتيادهم إلى السجون.

وتفيد المعلومات الواردة بأن القبائل اليمنية في مختلف المناطق بدأت تنظيم لقاءات لمناقشة آليات التصدي لمليشيا الحوثي، وسط دعوات متزايدة للتمرد.

توتر واحتقان مماثل

محافظة إب ليست الوحيدة التي تعاني من هذه التوترات، إذ شهدت مناطق أخرى خاضعة لسيطرة الحوثيين، مثل تعز والحدا وآنس في ذمار وهمدان وبني مطر وأرحب في صنعاء، والجوف وعمران وحجة والمحويت، تصاعداً مماثلاً في الاحتقان.

وكان شهد ميدان السبعين بصنعاء، الثلاثاء، اجتماعاً لأهالي مديرية عنس التابعة لمحافظة ذمار، أدان واستنكر بشدة قرار رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى الحوثي مهدي المشاط، القاضي بالعفو عن المدان إبراهيم حسين أحسن مطير، المتورط في قتل الشيخ طارق بازل علي الخلقي غدراً.

واعتبروا قرار العفو الحوثي هو الأغرب في تاريخ اليمن والشريعة الإسلامية التي لا تخول للحاكم أياً كانت سلطته العفو عن مدان صدر بحقه حكم إعدام.

يأتي ذلك ضمن سلسلة وقفات نفذتها عشرات القبائل منذ مطلع العام الجاري، على خلفية انتهاكات ومخالفات حوثية عديدة.

ووفقاً لمراقبين، فإن هذه الاحتجاجات القبلية تمثل تحدياً جدياً لسيطرة المليشيا المدعومة إيرانياً، خاصة مع تزايد الدعوات الشعبية لإعادة الاعتبار للقبائل التي طالما لعبت دوراً محورياً في المشهد اليمني منذ قيام ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962 وحتى اللحظة.

ويرى المراقبون، أن أحد الأسباب الرئيسة للاحتقان يكمن في المعايير الحوثية المزدوجة تجاه القبائل، ومحاولة تركيعها وإذلالها، إما بقتل زعاماتها أو نهب ممتلكاتها بمزاعم أنها تعود ملكيتها للدولة مثل السطو على الأراضي والمساقي الجبلية المحيطة بها وإلزام المواطنين بدفع نسبة كبيرة من قيمة مبيعات الرمال والصخور لصالح قيادات الجماعة.

كما أن الجبايات المفروضة بشكل وبآخر على التجار والباعة تحت مسمى ضرائب، زكاة، مجهود حربي، صندوق التحسين، دعم "القوة الصاروخية..." وغيرها، أرهقتهم بشكل كبير، ودفعت بالبعض نحو هاوية الإفلاس. لذلك يمكن تلخيص أبرز عوامل الاحتقان ضد الحوثيين في التدهور الاقتصادي الحاد وتفاقم أزمة الخدمات الأساسية، ما يدفع القبائل إلى البحث عن وسائل لحماية مصالحها والحد من تسلط المليشيا.

المليشيا -كعادتها- ردّت على هذه التحركات بمزيد من القمع، إذ شنت حملات اعتقالات واسعة استهدفت رموزاً قبلية بارزة، علاوة على إغراق مناطق التوتر والاحتقان بتعزيزات عسكرية في محاولة لفرض هيمنتها بالقوة، ما زاد من تفاقم الأوضاع وسط توقعات باندلاع مواجهات مسلحة.

مع هذا التصعيد، يبدو أن القبائل اليمنية اتخذت قرارها وترفض التراجع عن خطوة الدفاع عن حقها وأبنائها وإن لزم الأمر انتزعته بالقوة مثلما سبق لها أن عملت ذلك في عدد من المحافظات لا سيما صنعاء والجوف، الأمر الذي يربك المليشيا كثيراً ويفقدها توازنها أكثر.

ويشير مراقبون إلى أن القبيلة لجأت إلى خطوة التصعيد وانتزاع الحقوق بعد أن فشلت في الدفاع عن حقوقها وصمت عنها المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية، الذين لطالما ناشدتهم مراراً ولكن دون جدوى.

ويجمع المراقبون على أن وحدة القبيلة اليمنية تصب في مصلحة الدفاع عن حقوقها، بعد أن عملت جماعة الحوثي على تفكيك هذه الوحدة ليسهل لها الانفراد بكل منها على حدة.