التهديدات النووية تتصاعد.. وواشنطن تتخذ خطوات لموجهة الخطر

تتنامى التحديات التي تواجه الولايات المتحدة والتي يفرضها خصومها النوويون، وهو ما يتطلب تعديل استراتيجية الردع النووي الأميركي، على ما أفادت وزارة الدفاع الأميركية.

هذه التحديات تأتي في عالم متعدد القوى النووية، يتطلب تغييرات وتحديثات في استراتيجية الردع النووي الأميركي، لتتماهى مع التطورات على الصعيد العالمي.

وبدأ البنتاغون في إجراء بعض التغييرات، وسلم أخيرا تقريرا حديثا للكونغرس يوضح التحديثات لتعزيز الردع النووي الأميركي لمواجهة التغييرات في الترسانات النووية لخصوم الولايات المتحدة.

والسبب الرئيسي في هذه التغييرات التي طرأت على استراتيجية الردع النووي الأميركية هو أن "روسيا والصين وكوريا الشمالية تعمل على تطوير قدرات نووية جديدة"، على ما يوضح المحلل السياسي والعسكري الأميركي في معهد هدسون، ريتشارد وايتز لموقع "الحرة".

وكان نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الأسلحة النووية، ريتشارد جونسون قد أكد في حلقة نقاشية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أننا " نحن الآن في عالم نواجه فيه العديد من المنافسين النوويين، والعديد من الدول التي تعمل على تنمية وتنويع وتحديث ترساناتها النووية".

وقال وايتز إن التهديدات النووية التي تتنامى "حقيقية"، إذ ناهيك عن الصاروخ الذي أطلقته روسيا في أوكرانيا ولديه قدرات حمل رؤوس نووية، هناك أيضا تطوير لقدرات تكنولوجية نووية لضرب الأهداف بعيدة المدى.

وأضاف أن "عدد الأسلحة والرؤوس النووية التي تمتلكها الصين ينمو بسرعة"، ولهذا على واشنطن "أن تعدل استراتيجيتها للتعامل مع التهديدات الروسية والصينية".

ولفت وايتز إلى أن التهديدات أيضا ترتبط بكوريا الشمالية التي تواصل زيادة قدراتها النووية، والمساعي الإيرانية لامتلاك السلاح النووي "حتى إن لم تمتلكه الآن"، مجرد زيادة قدرتها النووية قد يشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين.

من جانبه قال جونسون إنه "مع تطور البيئة الأمنية، قد تكون هناك حاجة إلى تعديلات على مراجعة الوضع النووي لعام 2022 للحفاظ على القدرة على تحقيق الردع النووي، في ضوء القدرات النووية المحسنة للصين وروسيا والافتقار المحتمل لاتفاقيات الحد من الأسلحة النووية".

مراجعة العقيدة النووية الأميركية

المحلل الأمني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في واشنطن، محمد الباشا، قال إن التحركات الأخيرة للولايات المتحدة تكشف عن "مراجعة لعقيدتها النووية"، والتي تأتي كخطوة بعد عقود من مساعي دولية لنزع أسلحة الدمار الشامل وكبح الحروب النووية.

ويرجح في حديثه لموقع "الحرة" أن نشهد تنافسا أميركا روسيا على امتلاك اليورانيوم وتخصيبه، أكان للأغراض السلمية أو العسكرية، مشيرا إلى أن موسكو تمتلك حوالي 40 في المئة من صناعة اليورانيوم عالميا.

ويؤكد أن واشنطن تجد نفسها في مواجهة منافسين نوويين يعملون على تحديث ترساناتهم النووية ولا يستبعدون من استخدامها في استراتيجيات أمنهم القومي، لهذا الولايات المتحدة لا تريد خسارة ميزة التقدم في الردع النووي، وهو ما قد يتطلب تعزيزات للترسانة النووية الأميركية، وحتى إجراء مناقلات في القوى العسكرية في مناطق مختلفة أكان في أوروبا أو حتى آسيا.

وكشف جونسون أن البنتاغون بالشراكة مع الإدارة الوطنية للأمن النووي "اتخذت خطوات لنشر القدرات وتعزيز الردع النووي، والمرونة وتقليل المخاطر على برنامج التحديث النووي".

وأضاف أن هذه الأسلحة تشمل القنبلة النووية (B61-13) والتي يمكن أن تطلق من خلال الطائرات، والاستعداد للغواصات من فئة أوهايو التي تمتلك قدرات نووية.

وأشار جونسون إلى أن الإدارة الوطنية للأمن الوطني ستنتج القنبلة النووية (B61-13) والتي تعتبر نسخة حديثة من القنبلة (B61).

ويوضح الباشا وهو مؤسس مجموعة "الباشا ريبورت" الاستشارية ومقرها واشنطن أنه في الجانب السلمي المدني، تعتمد محطات الطاقة النووية في الولايات المتحدة بشكل كبير على روسيا كمورد لليورانيوم المخصب.

ويشرح أن هذه الاعتمادية جاءت بسبب انخفاض القدرات المحلية الأميركية لتخصيب اليورانيوم بعد الحرب الباردة جراء سياسة تقليص أسلحة الدمار الشامل، إضافة إلى عدم ارتفاع تكلفة الوقود النووي الروسي لانخفاض تكلفته نتيجة الدعم والبرنامج الحكومي "من القنابل إلى الطاقة" بتحويل اليورانيوم المستخدم في الأسلحة الروسية إلى وقود نووي للاستخدام المدني في الولايات المتحدة.

وتابع الباشا أن التوترات الجيوسياسية، خاصة مع الحرب في أوكرانيا، دفعت الولايات المتحدة إلى السعي لتقليل هذا الاعتماد على روسيا من خلال الاستثمار في قدراتها المحلية وتعزيز التعاون مع حلفائها مثل كندا وأستراليا وكازاخستان، وتطوير تقنيات نووية متقدمة تتطلب موارد أقل من اليورانيوم المخصب.

ووضع وايتز تصنيفا للدول الأكثر عدوانية في مجال التهديد النووي، والتي تتصدرهم "روسيا، ثم الصين، وكوريا الشمالية، وأخيرا إيران".

وقال إن البعض قد يجادل بأن إيران لا تمتلك سلاحا نوويا بعد، ولديها العقيدة النووية بعدم امتلاك سلاح نووي، رغم أن تحركاتها في برنامج الذي تزعم سلميته يشي بعكس ذلك، ناهيك عن العقيدة التي تدعي التمسك بها، قد يأتي زعيم آخر للبلاد يلغي الفتوى بحرمة الأسلحة النووية.

ويشرح وايتز أن الفكرة من الردع النووي الأميركي، ليس استخدام هذه الأسلحة بقدر ما أنها تحقق التوازن وضمان حماية الولايات المتحدة ومصادرها وحلفائها.

ويرى المحلل الباشا أن روسيا منذ بداية حربها في أوكرانيا، وهي تهدد أو تلمح إلى إمكانية استخدام السلاح النووي والتي قد توجهها إلى حلفاء الولايات المتحدة الأوربيين، ولهذا فقد تكون في مقدمة الدول التي تشكل تهديدا نوويا.

ويتفق بأن المساعي الصينية بامتلاك أكبر عدد من الرؤوس النووية، وبرامج كوريا الشمالية وإيران النووية، ترقى إلى درجة التهديد للردع النووي الأميركي.

وأكد بيان للبنتاغون أنه تم تقديم التقرير (791) إلى الكونغرس والذي يوضح استراتيجية القدرات النووية الأميركية.

ويشرح جونسون أن التقرير يكشف التغييرات التي طرأت على الإرشادات السابقة، ويأخذ في الحسبان تحديات الردع الجديدة، بحسب التحديثات التي تطرأ على الترسانات النووية للخصوم.

ترامب واستراتيجية الردع النووي

ويرى المحلل العسكري الأميركي في معهد هدسون وايتز أنه لا يمكن معرفة كيف ستكون استراتيجية الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، وكل السيناريوهات مفتوحة أمامه.

وأضاف قد يذهب باتجاه تعزيز ترسانة الأسلحة النووية، وتكثيف اختبارات هذه الأسلحة، لضمان التفوق الأميركي في هذا المضمار بامتلاك رؤوس نووية تفوق ما تمتلكه الصين وروسيا مجتمعتين، أو قد يذهب باتجاه إبرام معاهدات وصفقات جديدة للحد من الانتشار النووي.

وقال وايتز إن سياسات ترامب في السياسة الخارجية قد تكون متوقعة في العديد من الملفات، ولكن في الملف النووي لا تزال الصورة "غير واضحة".

وتضم استراتيجية الردع النووي الأميركية، المحاور الآتية: خطط لردع العديد من الخصوم المسلحين نوويا في وقت واحد، وإجراءات دمج القدرات غير النووية، لدعم مهمة الردع النووي، وخطط إدارة التصعيد للرد على هجوم نووي محدود أو هجوم استراتيجي غير نووي ذي عواقب وخيمة، فضلا عن إجراء مشاورات وتنسيق وتخطيط مشترك مع الحلفاء والشركاء من أجل تعزيز التزامات الردع الموسعة لواشنطن.

غرانت شنايدر، نائب مدير الاستقرار الاستراتيجي في هيئة الأركان المشتركة قال إن الجزء الأخير من التقرير الذي تم تسليمه إلى الكونغرس يضم السيناريوهات والظروف التي قد تواجهها الولايات المتحدة وحلفائها في الثلاثينيات من القرن الحادي والعشرين، وسبل تحليلها للتعامل معها.

وأضاف أنه للاستعداد لهذه الفترة علينا "تحديث قوتنا النووية، والقيادة والسيطرة النووية" والبنية التحتية المرتبطة بها، والتكيف مع التحديات الجديدة، أكانت تهديدات طارئة، أو بسبب ما قد ينشأ من التأخر في تحديث المنظومة النووية.