جوع قاتل ومجتمع دولي غافل.. الأزمة الإنسانية في السودان تهدد حياة الملايين

نساء نازحات ينتظرن الحصول على المساعدات من مجموعة في مخيم في القضارف شرق السودان في 12 مايو 2024. © أ ف ب

في ظل الحرب المدمرة التي تشهدها السودان منذ أكثر من 15 شهرا، تتسارع أبعاد الكارثة الإنسانية بشكل مرعب، إذ يشهد هذا البلد موجة جوع لم يسبق لها مثيل. ودمر النزاع الدموي بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو "حميدتي" البنى التحتية وأسقط العديد من الضحايا المدنيين، بينما ترك الملايين في مواجهة التشريد والموت بسبب نقص الغذاء والرعاية الطبية. ويبقى السودان في حالة من الغموض السياسي فيما تزداد المعاناة وسط غياب وتجاهل المجتمع الدولي.

اتسعت رقعة المجاعة في السودان بعد مرور أكثر من 15 شهرا عن الحرب الدائرة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي يتزعمها محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي". ودقت منظمة الصحة العالمية من جديد ناقوس الخطر محذرة من أنه "في حال غياب تدخل دولي كثيف لتقديم المساعدات الغذائية، فهناك إمكانية أن يموت عدد كبير من المدنيين" في الأشهر القليلة المقبلة.

من جهتها، عبرت منظمات إنسانية غير حكومة أخرى، على غرار "أطباء بلا حدود" و"التضامن الدولي"، عن مخاوفها من وفاة عدد لا يحصى من المدنيين بسبب المجاعة الحادة التي تهدد الكثيرين وفي مقدمتهم الأطفال والنساء.

"العائلات تأكل قشور الأشجار"

ففي دارفور مثلا، استمرار القتال وارتفاع حدته جعل 500 ألف شخص يفرون إلى مناطق خالية هربا من الموت، ما أدى إلى تذبذب خطوط الإمدادات الغذائية وإتلاف المحاصيل الزراعية، وفق جوستين موزيك بيكمال، المديرة الجهوية لمنظمة "التضامن الدولي".

اقرأ أيضاالمجاعة استقرت في عدة مناطق من السودان

وقالت بيكمال لإذاعة فرنسا الدولية أمس الأربعاء "هناك في السودان عائلات تأكل قشور الأشجار لأنها لا تملك أية مادة غذائية. (...) ونحن ندرك أنه في حال لم نحسن الوضع الغذائي في هذا البلد، سيموت عدد كبير من الأطفال جوعا".

وما زاد الطين بلة، الفيضانات التي ضربت منطقة شمال شرق البلاد في نهاية شهر أغسطس/آب حيث وسعت فجوة المجاعة بسبب إتلاف المحاصيل الزراعية التي غمرتها المياه.

وهذه المجاعة الثالثة التي تمس السودان في القرن الواحد والعشرين، وفق الأمم المتحدة. لكن رغم كل الإنذارات، لم ترق نسبة المساعدات إلى المستوى المطلوب وفق ستيفان دويان، مسؤول العمليات لدى "أطباء بلا حدود".

وضع "إنساني كارثي"

كما قال دوريان في تصريح لإذاعة فرنسا الدولية لأربعاء "تحدثت مع مسؤول من البرنامج الغذائي العالمي وقال لي بأن هذه المنظمة قدمت مساعدات غذائية لـ1.7 مليون سوداني وتريد أن تصل إلى مليوني شخص. لكن كل هذا غير كاف ولا نستطيع أن نقضي على المجاعة بهذه الأرقام، كما أنه يجب رفع المساعدات أربعة أضعاف".

من ناحيتها، وصفت منظمة "اليونيسيف" الوضع الإنساني في السودان بأنه "كارثة لم نشهدها من قبل"، مشيرة إلى أن "الوضع الإنساني في شمال دارفور وفي العاصمة الخرطوم والمناطق الحدودية كارثي ومبعث قلق كبير".

المدارس مقفلة والمستشفيات خارج الخدمة، فيما تم تدمير النظام الذي يسمح بالحصول على مياه صالحة للشرب.

25 مليون شخص يواجهون الجوع الحاد وفق برنامج الأغذية العالمي

ووفق المعطيات التي نشرتها "اليونيسف"، فهناك حوالي 13 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات غذائية، من بينهم ما يقارب 3.5 مليون قد يتعرضون إلى خطر المجاعة الحادة التي قد تقتلهم.

أما "برنامج الأغذية العالمي"، وهي منظمة إنسانية ممولة من الأمم المتحدة، فلقد أحصى وجود حوالي 10 ملايين نازح ولاجئ سوداني فروا من البلاد سواء إلى مناطق داخلية أو إلى مدن مجاورة مثل تشاد الذي استقبل بمفرده أكثر من مليون لاجئ.

اقرأ أيضاملايين السودانيين على شفا المجاعة

كما أضاف أن ما يقارب من 25.6 مليون شخص يواجهون الجوع الحاد، وفقا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.

"العالم نسي السودان"

وجدد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس نداءه من أجل عدم خذلان الشعب السوداني. وقال نهاية شهر سبتمبر/أيلول عقب عودته من زيارة ميدانية إلى مدينة بورت سودان: "يبدو أن المجتمع الدولي قد نسي السودان، ولم يعد يولي اهتماما كبيرا بالصراع الذي يمزقه وعواقبه على المنطقة"، محذر من "هول نطاق الأزمة والعمل غير الكافي لمواجهة الصراع والاستجابة للمعاناة التي يتسبب فيها".

ودعا إلى "الاستيقاظ ومساعدة السودان على الخروج من الكابوس الذي يمر به" وتنفيذ بعض المطالب "أولها الوقف الفوري لإطلاق النار الذي يؤدي إلى حل سياسي دائم، وإلى حماية المنشآت الصحية والعاملين في المجال الطبي والمرضى، والوصول المستدام للإمدادات".

من ربيع عربي واعد إلى دمار كامل

تجدر الإشارة إلى أن الحرب التي اندلعت في نيسان/أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع أدت إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص وتشريد أكثر من 10 ملايين وفق "برنامج الأغذية العالمي".