القطاع الصحي في اليمن "ملائكته" بلا رحمة

في ظل غياب الدور الرقابي لوزارة الصحة اليمنية، تحول القطاع الصحي في المناطق المحررة إلى ماراثون يتسابق فيه مئات المستثمرين بحثاً عن المركز الأول في جمع الأموال بعيداً عن الرسالة الإنسانية، فأصبح ملايين المرضى صيداً ثميناً لقطاع بات معظم "ملائكته" بلا رحمة.

وبحسب المعلومات الواردة، استغلت شركات استيراد الأدوية ومالكو المشافي الخاصة، انهيار القطاع الصحي خلال سنوات الحرب الثمانية، وخروج أكثر من 50 في المئة من المرافق الصحية الحكومية عن الخدمة نتيجة تعرضها للاستهداف المباشر وغير المباشر من أطراف الصراع، وإيقاف التمويل الحكومي لمعظمها، علاوة على انقطاع مرتبات معظم موظفي هذا القطاع وتحديدا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وهو ما أكدته تقارير دولية.

تفاقم الوضع من عام إلى آخر فتح الشهية أمام أصحاب رؤوس أموال القطاع الخاص، وأصبح معظمهم يقدمون ذلك القطاع بصورة تجارية بحتة حتّى إنها أصبحت ملاذا لا يقصده غير الميسورين، بينما أصبح آلاف المرضى يقصدون الصيدليات التي باتت الطبيب المعالج ومقدم الدواء مع أنها هي الأخرى سيف ذو حدين، بحسب المواطن محمد عبدالله، الذي يقيم في عدن (جنوبي البلاد).

ويقول محمد لوكالة "خبر"، صحيح أن الحرب دمرت العديد من المرافق الصحية، إلا أن هناك عددا كبيرا أصيب بشلل كلي نتيجة توقف الحكومة اليمنية ووزارة الصحة عن تمويلها وصيانة الأجهزة الطبية الموجودة فيها وتوفير ما ينقصها، وهو ما يضمن تخفيف معاناة المواطن الذي أصبح يلجأ مكرها إلى القطاع الخاص ودفعه مبالغ مالية تزيد ثلاثة أمثال ما يدفعه في المشافي الحكومية.

بيع مدخرات

في سياق متصل، كشف "ن. م"، مواطن متواجد في عدن، عن أسعار خيالية تفرضها المشافي الخاصة في العمليات العادية بعد أن أصبحت المشافي الحكومية غير قادرة على إجرائها لعدم توفر الأجهزة والمعدات الطبية اللازمة فيها.

وأكد، أنه أجرى الأسبوع المنصرم فحوصات وعملية إزالة لحمية في الأنف لزوجته بأحد المشافي الخاصة بذات المدينة بمبلغ 580 ألف ريال، مضافا إليها كشافة مقطعية للرأس بـ25 ألفا، ونحو 32 ألفا مقابل أدوية، مشيرا إلى تكلفة مثل هكذا عمليات بالنسبة للأطفال لا تقل عن 250 ألف ريال.

وأوضح أن هذه العملية من نوع العمليات الصغرى، مقارنة بعمليات القلب وغيرها، مشيرا إلى أن معظم المرضى لا يستطيعون دفع مثل هكذا تكاليف وانهم يلجأون إلى بيع ذهب ومجوهرات او أراض كانوا قد ادخروها، في حين يواجه الكثيرون الموت صمتا بعد ان تنصلت الحكومة من مسؤوليتها تجاه واحدة من اهم الخدمات الأساسية.

أما "مروان. م"، فيقول لوكالة خبر، إنه أجرى عملية "دوالي" في مشفى خاص بنحو 200 ألف ريال. في حين يقول الحاج "مسعد فازع"، من أهالي حالمين بمحافظة لحج إن إجراء عملية سحب المياه البيضاء في العين وتركيب عدسة كلفه ما يزيد عن مائتي ألف ريال. وهو المبلغ الذي اعتبره الحاج "فازع" انتصارا كون مركز العيون ذلك مدعوما من جهة خارجية، في إشارة إلى أن التكلفة الفعلية في المراكز الأخرى أعلى من ذلك بكثير.

الجشع وغياب الرقابة

معاناة المرضى في عدن ومعظم المناطق المحررة، لا تتوقف عند حد تكاليف إجراء العمليات بقدر ما تشمل قيمة الأدوية، وهي الشكوى المتكررة يوميا من المئات.

وتوضح مصادر المحلية لوكالة خبر، أن أسعار الأدوية في ارتفاع مستمر، وتختلف من صيدلية إلى أخرى، دون رقيب أو حسيب من وزارة الصحة والجهات المعنية.

واعتبروا تضارب أسعار العقاقير الطبية ظاهرة شاذة بعد أن كان المتعارف عليه ثبوت أسعار الدواء في مختلف الصيدليات حد أن المواطن كان يتحرج في مساومة الطبيب الصيدلياني على التسعيرات المطروحة، إلا أنه على ما يبدو أن جشع الكثيرين أفقد هذا القطاع رسالته الإنسانية، سيما بعد أن أصبحت الصيدليات مقصدا لأغلب المواطنين العاجزين عن دفع تكاليف زيارة المشافي.

شركات الأدوية التي تعزو دائما ارتفاع الأسعار إلى انهيار العملة وارتفاع قيمة الدولار الأمريكي الذي يتم التعامل به مع الشركات الخارجية تسقط دائما من حساباتها انها لا تلتزم بهامش ربح محدد، وأيضا لا تلتزم بتخفيض الأسعار مع كل تعاف تشهد العملة الوطنية وبما يتناسب مع نسبة التعافي، والسبب الغياب الكلّي للرقابة الحكومية والاحتماء ببعض نافذين في وزارة الصحة والحكومة ككل، وهو ما يجسد مقولة حديثة أطلقها المواطنون "وراء كل تاجر جشع فاسد حكومي".