الكوارث الثلاث الكبرى في موازنة 2014م


يبدو جلياً فساد وعقم السياسية المالية لموازنة الدولة لعام 2014م على نحو موازنات سابقة. كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قد اعتبرت "الموازنة العامة للدولة" المورد الأول للفساد عام 2006م في دراسة "تقييم الفساد في اليمن". وهي النتيجة ذاتها، في تقديري، عام 2014م. عدا أن الأسوأ حصل في موازنة 2013 و2014م على التوالي. ذلك أن ثلاثة بنود تستحوذ وحدها على 75% من الموازنة، هي:

1)      مرتبات موظفي جهاز الدولة المدني والعسكري.

2)      دعم المشتقات النفطية (الديزل والماوزت) بأكثر من 3 مليار ونصف دولار.

3)    الدين العام: فوائد القروض التي تدفعها الحكومة اليمنية للبنوك المحلية والمقدرة في موازنة 2014م بـ415 مليار ريال (قرابة ملياري دولار) بزيادة قدرها 160% عن العام 2010م.

إن البندين الأول والثاني، بلغة الاقتصاد، يستحوذان على خُمس الناتج المحلي لليمن البالغ 35.65 مليار دولار حسب تقدير البنك الدولي. فأجور القطاع العام تمثل 11% من إجمالي الناتج المحلي، ودعم المشتقات النفطية (الذي يستهلك ثلثي الإيرادات النفطية الكلية للبلد) يمثل 9% من الناتج المحلي، في حين لا تتجاوز نسبة الإنفاق الاجتماعي 1% من الناتج المحلي.

إجمالي الناتج المحلي لعام 2012م: 8.48 ترليون ريال (8484 مليار ريال) بحسب البيان المالي لوزارة المالية، أو 35.65 مليار دولار حسب موقع البنك الدولي

ولتقريب الصورة أكثر وإيضاح البند الأول المتعلق بالمرتبات أو الباب الأول في الموازنة، فإنه يتم احتساب نسب الزيادة أو النقص أو ما يعرف اقتصادياً بمعادلة احتساب نسب الزيادة أو النقص على النحو التالي:

(القيمة الحديثة – القيمة القديمة) / القيمة القديمة               

وكمثال توضيحي على ذلك، وللمقارنة بين فاتورة المرتبات والأجور (الباب الأول) بين النفقات الفعلية لعام 2010 مقارنة بموازنة عام 2014م يتبين التالي:  

= (977 مليار لعام 2014 – 601 مليار لعام 2010) / 601 مليار لعام 2010

= 63% زيادة فاتورة المرتبات في 2014 عن فعلي نفقات عام 2010م.

 

لماذا ينبغي تخفيض الحاجة لأذون الخزانة عبر تقليص عجز الموازنة؟

أما البند الثاني المتعلق بدعم المشتقات النفطية فسيأتي ذكره بالتفصيل عند الحديث عن موازنة وزارة الكهرباء ولإيضاح التباساً شائعاً لدى الرأي العام. فالمشكلة ليست في دعم الديزل المنتج محلياً المستخدم في المزارع ومحطات التزود بالوقود، وإنما في الديزل المستورد من الخارج لقطاع الكهرباء حصراً، والذي يتم منه تهريب الديزل.

البند الثالث هو الدين العام والذي سببه كارثة أذون الخزانة. بالتدقيق في موازنات الدولة لعدة أعوام من الملاحظ زيادة النفقات على فوائد الدين بمعدلات مخفية ومنفلتة. فبحسب الحسابات الختامية للدولة لعام 2008 بلغت 125 مليار ريال، لتقفر في العام 2010 إلى 160 مليار ريال، لتتخطى في موازنة 2014م 415 مليار ريال بزيادة قدرها 160% عن العام 2010م.

        وكنسبة من الاستخدامات (النفقات) بلغت نسبة الفوائد التي ذهبت للبنوك بالنسبة إلى إجمالي الإنفاق التالي:

v   بلغت الفوائد 6% من إجمالي الإنفاق في عام 2008.

v   بلغت الفوائد 8 % من إجمالي الإنفاق في عام 2010.

v   تقدر مدفوعات الفوائد على الدين 15 % من إجمالي الإنفاق في عام 2014م.

إن الفوائد تدفع بصورة رئيسية على أذون الخزانة التي تبيعها الحكومة لتمول العجز. من أجل تقليص الإنفاق على الفوائد وإتاحة تحويل المبالغ لدعم مشاريع تنموية أو تحويلات للفقراء، من أجل ذلك يتوجب العمل على تخفيض الحاجة لأذون الخزانة عبر تقليص العجز في الموازنة. والناتج بصورة أساسية من تنامي فاتورة الأجور وفاتورة دعم المشتقات النفطية.

إن عدم وضع حد لمشكلة الفوائد على الدين يعني مزيداً من إنهاك الموازنة العامة، ومزيدا من العجز، ومزيداً من الحاجة إلى أذون الخزانة المعطلة للاقتصاد الوطني، لذا ينبغي التسريع باتخاذ إصلاحات وخطوات جادة وحازمة، حيث ما يزال هناك متسع لمعالجة المشكلة، قبل استفحالها وقبل أن تصبح مدفوعات الفوائد الرقم الأكبر  في الموازنات القادمة.

 

كارثة إضافية: تناقص إيرادات الدولة من النفط بسبب التخريب لدرجة لا تغطي قيمة الديزل المستورد من الخارج!

تظهر الحسابات الختامية للدولة أن فعلي إجمالي إيرادات النفط بلغ في العام 2008 1,486 مليار دولار (أو ترليون وأربعمائة وستة وثمانون مليار ريال)،  بينما انخفض في عام 2010 إجمالي إيرادات النفط والغاز  إلى 1041 مليار دولار (ترليون وواحد وأربعين مليار)، ليواصل انحداره في العام 2014 حيث بلغت توقعات إيرادات النفط والغاز في موازنة 2013م فقط 984 مليار (عند سعر 75 دولار للريال).

وبحسب بيانات البنك المركزي فان قيمة المشتقات النفطية المستوردة من الخارج، ومعظمها لقطاع الكهرباء، بلغت 2 مليار دولار وثلاثمائة مليون دولار حتى نهاية أكتوبر في حين أن عائدات تصدير النفط الخام اليمني لنفس الفترة لم تتجاوز 2 مليار ومئتين وأربعة وخمسين دولار.

بعبارة أخرى: إن كل ما تبيعه اليمن من النفط الخام لا يغطي كلفة المشتقات المستوردة من الخارج. وهذا يسمى اقتصاد الفوضى.

 

هل سيقبل مجلسا النواب والشورى رشوة المالية؟

ارتفعت موازنة مجلس النواب من 4 مليار ريال في موازنة عام 2011م إلى 7مليار و200 مليون ريال في موازنة 2014 المقرر إقرارها في البرلمان خلال الأسابيع القادمة، فيما يبدو أنها رشوة سخية من وزارة المالية للبرلمان وأعضاءه لتمرير الموازنة العامة للدولة بأقل قدر ممكن من النقاش والمراجعة. 

وعلى النحو ذاته؛ تضاعفت موازنات معظم الجهات الصانعة للقرار أو المؤثرة عليه: فمن مليار و700 في 2010 ارتفعت موازنة مجلس الشورى إلى 2 مليار و300 في 2014م. في حين أن قطاعات حيوية مثل وزارة السياحة، أو وزارة الخارجية، جرى خفض موازنتها عما كانت في السابق. 

ويبدو جلياً في الموازنة المقدمة للبرلمان الارتجال وغياب المعايير الموضوعية والاقتصادية التي في ضوءها تقرر وزارة المالية رفع موازنة جهة ما، أو خفضها. حسب أسس ومعايير علمية. فمن 38 مليار و738 مليون ريال في موازنة 2011 ارتفعت موازنة وزارة الأشغال والطرق إلى 86 مليار ريال بنسبة أعلى من 100%، وارتفعت موازنة الإدارة المحلية من 8 مليار إلى 17 مليار، والإعلام من 12 مليار إلى 17 مليار، بينما خفضت ميزانية وزارة الشباب والرياضة من 3 مليار و37 مليون ريال النفقات الفعلية في الحسابات الختامية لعام 2010م إلى 2 مليار و725 مليون ريال في موازنة 2014م، في زمن الربيع العربي وفي ظل حديث الأنظمة العربية عن دعم الشباب ورعايتهم كصناع للتغيير ومحرك للثورات.

 

موازنة مجلس النواب

2009م الفعلي

2010م الفعلي

2011م المعتمد

2011م الفعلي

2012م

2013

2014

4مليار و450

5مليارو51مليون

5 مليار و357

5 مليار و051

5 مليار و846

6 مليار و355

7 مليار و227

 

305 مليون وفر

     

%

%

%

%

%

 

 

موازنة رئاسة مجلس الوزراء

2009م الفعلي

2010م الفعلي

2011م المعتمد

2011م الفعلي

2012م

2013

2014

4 مليار و180

4 مليار و075 مليون

4 مليار و524

3 مليار و914

3 مليار و609

4 مليار و586

4 مليار و439

   

609 مليون وفر

     

%

%

%

%

%

%

 

 

أخونة الدولة.. حقيقة أم مجرد فزاعة؟

ومن المقلق للغاية ظهور مؤشرات خطرة تدل على تحيزات وانتماءات حزبية تجعل من فكرة "أخونة الدولة" حقيقة تمشي على الأرض أكثر منها فزاعة من أنصار النظام السابق. ذلك أن موازنة معظم الوزارات الخاضعة لسيطرة حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذراع السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، والوزارات التي يديرها مقربون منه، أو من بعض قيادته، ارتفعت بشكل ملحوظ وبسخاء نفتقده في موازنة جهات حكومية أكثر أهمية ومنفعة لعامة الناس والاقتصاد الوطني.

لقد ارتفعت موازنة وزارات الكهرباء (مقرب) والمالية (مقرب) والتخطيط (إصلاح) والتربية والتعليم (إصلاح) وهيئة السلطة القضائية (إصلاح) بنسبة 100% من 2011 إلى 2014م، وأضيفت لموازنة وزارة الداخلية (إصلاح) السابقة 60 مليار، مقابل ارتفاع مماثل لوزارة الدفاع (مؤتمر جناح هادي) والشئون الاجتماعية (مؤتمر)، بينما تم تقليص وتخفيض موازنات الوزارات الخارجة عن سيطرة الجماعة: وزارة السياحة (تحالف المؤتمر)/ الخارجية (مؤتمر)/ الشباب والرياضة (مؤتمر)/ المياه والبيئة (مشترك القوى الشعبية)/ الشئون القانونية (اشتراكي)/ حقوق الإنسان (مقرب-مستقل) ومصلحة الهجرة والجوازات ومصالح وهيئات أخرى سيادية وحساسة.

 

غياب حس الأمن القومي لدى واضعي موازنة الدولة: ميزانية شوؤن القبائل تفوق مصلحتي الجوازات وخفر السواحل!

ولعل أبرز كوارث موازنة الدولة في اليمن سواء قبل 2011 أو بعدها، قبل الربيع العربي وبعده،أن ميزانية مصلحة شئون القبائل، التي ازدادت ولم تنقص بعد الثورة، أكبر من موازنة مصلحة الهجرة والجوازات زائد موازنة مصلحة خفر السواحل المناط بها حماية 2500 كيلو من الشريط الساحلي اليمني المفتوح على مصراعيه أمام القاعدة وشبكات التهريب والسلاح والمخدرات! ما يعكس غياب المسئولية وحس رجل الدولة، والاهتمام بالأمن القومي للبلد لدى واضعي موازنة الدولة في العهدين.

وكان رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة قال في تصريحات صحفية، دعائية، في 2012 أنه لن يصرف مخصصات المشايخ فيما يبدو أنه مجرد إدعاء وبطولة كلامية أراد منها إحراج رئيس الجمهورية وقتها، في حين أن مخصصات المشايخ في مصلحة شؤون القبائل كما تظهر أرقام الموازنة الحالية لم تمس البتة، بل إن زيادة طفيفة قد طرأت على موازنة المصلحة، مما يؤكد أن شيئاً لم يتغير في سلوك الإدارة والحكم.

 

الشباب اليمني ورعايته أقل اهتمامات الموازنة

ففي مقابل الزيادة السخية لقطاع المقاولات، الذي تكثر فيه العمولات والشراكات بالباطن مع مسئولي الدولة نجد أن الزيادة في موازنة التعليم العالي التي يستفيد منها مباشرة الطلاب اليمنيين في الخارج لم تتجاوز 11% فقط، وهذا مؤشر واضح على أن شيئاً لم يتغير في أداء الحكومة ونظرتها للتعليم والفنون ورعاية الشباب عما كان قبل الربيع العربي.

فضلاً عن أننا نتحدث عن بلد شديد الخصوصية، حيث أن أكثر من ثلثي سكانه من الشباب ودون الثلاثين سنة، حسب تقارير دولية عديدة، وبالتالي فالأولوية في الإنفاق العام يفترض توجيهها وترشيدها لهم ولرعايتهم وتعليهم، بدلاً من أن ينخرطوا في الجماعات المسلحة والإرهابية، وما أكثر وكلاءها في اليمن.

 

مقابل كل طالب يوفد للدراسة في الخارج هناك بين 30 إلى 50 مجند في القوات المسلحة والأمن

الأخطر، والأكثر إفصاحاً عن الفساد، أن بوسعنا، من خلال مشروع الموازنة، رسم خط بياني يوضح النسب التصاعدية في مختلف قطاعات الدولة. حتى ان بوسعنا القول أنه مقابل كل طالب يتم إيفاده إلى الخارج للدراسة هناك على الأقل ما بين 30 إلى 50 شخص يتم تجنيده في القوات المسلحة والأمن، وهنا يظهر اختلال المعادلة.

ففي حين تبين الأرقام المعتمدة لوزارة التعليم العالي أن عدد الطلاب اليمنيين المبتعثين للدراسة في الخارج لم يزد إلا بشكل طفيف، فإن قراءة فاحصة للموازنة تؤكد تضاعف أعداد المجندين في القوات المسلحة والداخلية بشكل مهول، وفوق قدرة الدولة على دفع مرتباتهم. وذلك من خلال دراسة موازنات الصناديق الملحقة ضمن ما يسمى الموازنات المستقلة والملحقة والصناديق الخاصة.

 

تضاعف صندوقي التقاعد العسكري للدفاع والداخلية

 فمن 52 مليار ريال بـ2010 قفزت موازنة صندوق التقاعد العسكري إلى 73 مليار في موازنة 2014م. ومن 28 مليار ريال في 2010 قفزت موازنة صندوق تقاعد الداخلية والأمن إلى 53 مليار و800 مليون ريال. وهنا تظهر كارثة الأعداد الهائلة التي يتم تجنيدها سنوياً في قطاعي الجيش والأمن اللذين يلتهمان وحدهما أكثر من 40% من موازنة الدولة. بل إن الحكومة اليمنية بحاجة إلى مبالغ أكثر إن أرادت خفض عدد منتسبي القوات المسلحة من قرابة 600 ألف جندي، معترف بهم حكومياً، إلى 1 % من تعداد سكان الجمهورية حسبما أوصت إستراتيجية هيكلة القوات المسلحة، (تعداد الجيش اليمني يفوق تعداد الجيش البريطاني والإسرائيلي وجيش دولتين من الدول الإسكندنافية مجتمعين معاً ويعادل تعداد الجيش المصري أو أقل بقليل). وبدلاً عن وقف، أو خفض أعداد المجندين بعد الثورة الشبابية بدءً من السنة المالية 2012 حصل العكس: تضاعفت الأعداد وكان معظمها مليشيات قبلية أكثر منها جيش نظامي وتجنيد احترافي ووحدات متخصصة.

 

موازنة وزارة الداخلية

2009م الفعلي

2010م الفعلي

2011م المعتمد

2011م الفعلي

2012م

2013

2014

93 مليار و658

99 مليار و769مليون

99 مليار و182

122 مليار و912

148مليار و838

153 مليار و491

159 مليار و111

   

23 مليار و730 مليون تجاوز

     

%

%

%

%

%

%

 

 

موازنة الدفاع والداخلية دائماً في صعود قبل الثورة وبعدها

لقد ارتفعت موازنة الداخلية من 93 مليار و658 مليون ريال في 2009م إلى 99 مليار ريال 2010م إلى 159 مليون ريال في موازنة 2014م. بينما ارتفعت موازنة الدفاع من قرابة مليار دولار  288 مليار و170 مليون ريال في 2009م إلى317 مليار و975 مليون ريال في 2010م إلى 344 مليار و674 مليون ريال النفقات الفعلية حسبما تظهر بيانات الحسابات الختامية للعام 2011م.

إن نسبة العجز في الموازنة الحالية هي الأعلى، وتجاوزت الحد الآمن الممكن تغطيته، ، وفي يونيو حزيران الماضي ارتفع معدل التضخم إلى 14.5% كأعلى مستوى له منذ 16 شهراً، مع انخفاض حاد لاحتياطي النقد الأجنبي، وارتفاع المديونية الخارجية إلى 7.178 مليار دولار في نهاية يونيو.

وبالتالي ينبغي على أعضاء مجلس النواب من كل الأحزاب الإصرار وعدم التراجع عن مطلب خفض موازنات الجهات الحكومية التي تعد ثقوباً سوداء للمال العام وعلى رأسها وزارة النفط والدفاع والداخلية والشئون الاجتماعية والعمل والأشغال والكهرباء. هنا تكمن الثقوب السوداء للفساد في الموازنة العامة. والعلاج بخفض موازنة كل وزارة على حدة بالقدر المعقول والآمن.

 

موازنة وزارة الدفاع

2009م الفعلي

2010م الفعلي

2011م المعتمد

2011م الفعلي

2012م

2013

2014

288 مليار و170 مليون

317 مليار و975 مليون

287 مليار و086

344 مليار و674

؟

؟

؟

 

57 مليار ونصف تجاوز

     
 

الباب الأول

195 مليار

230 مليار

34 مليار تجاوز

الثاني السلع والنفقات

54مليار

69 مليار

14 مليار

الثالث الإعانات والمنافع الاجتماعية

27 مليار

32 مليار

5 مليار

الرابع اكتساب أصول غير مالية

8 مليار و860

11 مليار و865

3 مليار

من الحسابات الختامية للدولة لعام 2011م

 

 

 

حجب موازنة الدفاع والأمن السياسي من موقع المالية بخلاف موازنات الحكومات السابقة

وبدلاً عن طرح موازنة الدولة بشفافية أعلى مما كانت عليه في السابق تجسيداً لروح الثورة الشبابية وأهدافها، حصل العكس: فبينما كان وزارة المالية في الحكومات السابقة تنشر في موقعها الإلكتروني موازنة وزارة الدفاع وجهاز الأمن السياسي كأرقام موزعة على الأبواب المالية فحسب، وهذا الحد الأدنى، ألغى معالي صخر الوجيه ذلك الإجراء الإيجابي المجسد لمبدأ الشفافية والحكم الرشيد، مكتفياً بإضافة النفقات الإدارية (لا التمويلية) لثلاثة صناديق جديدة هي:

ص/ رعاية أسر شهداء وجرحى ثورة فبراير2011 والحراك السلمي م/الجنوبية.

ص/جبر الضرر (حقوق الإنسان/جرحى وشهداء حرب 94/حرب صعدة).

ص/ تعويضات ( قضايا الأراضي/ المبعدين من وظائفهم في م/الجنوبية ).

وجهات أخرى مستحدثة كالمجمع العلمي واللغوي اليمني.

 

كارثة عدم مصادقة الحسابات الختامية للدولة للأعوام 2012م و2013م في البرلمان حتى الآن

وفي السابق، كان من الممكن لأي باحث الإطلاع بنقرة زر على الحسابات الختامية للدولة (المصروفات الفعلية) التي تعد أدق من الموازنة (المتوقع أو المعتمد) لكافة الأعوام السابقة في موقع وزارة المالية حتى عام 2011 فقط. الأعوام التالية 2012م و2013م حتى الآن غير منشورة، ولم يصادق عليها البرلمان حتى الآن على الرغم من أن مراجعة وإقرار الحسابات الختامية للدولة من صميم وأهم أعمال مجلس النواب، إذ أن من المستحيل إقرار مشروع موازنة جديدة للعام 2014م في الوقت الذي لم تقر بعد الحسابات الختامية التي تظهر بشكل دقيق كيف صرفت موازنة الدولة. (مشروع الموازنة أشبه بتوقعات، بينما الحساب الختامي بيان تفصيلي دقيق بالنفقات الفعلية وأوجه صرفها والالتزام بما أعدت له).

 

مزيد من المليارات لجهازي الأمن السياسي والقومي

بخلاف الشائعة الرائجة منذ سنوات في الأوساط العامة حول إنشاء جهاز الأمن القومي كبديل مدلل للأمن السياسي الذي لا يحظى أعضاؤه ببعض رعاية وإغداق الدولة على الأمن القومي التابع للعائلة، حسبما كان يقال وقتها، فإن مراجعة الحسابات الختامية للدولة للعام 2011، المنشورة في موقع وزارة المالية، تظهر العكس: إن ميزانية الأمن السياسي ثلاثة أضعاف ميزانية الأمن القومي، ومنها مثلاً 7 مليار  و779 مليون مدرجة تحت بند مبهم: "استخدامات غير مبوبة"!

حتى على مستوى التجاوز في الإنفاق يبدو الأمن السياسي، بحكم كبر وقدم الجهاز، متفوقاً على القومي. ففي حين تجاوز إنفاق السياسي الفعلي ما هو معتمد له في موازنة 2011م بـ956 مليون، تجاوز القومي ما هو معتمد له في سنة الثورة أو الأزمة –بلغة الطرفين- 319 مليون تجاوز. في الحالتين ينبغي إعادة النظر في وظائف هذين الجهازين. فما الذي فعته هذه الأجهزة الأمنية للبلد؟ هل عملت على الحد من دخول الأسلحة إلى اليمن؟ هل حاربت عمليات تهريب المخدرات والديزل والغاز إلى القرن الأفريقي؟ هل تعقبت الجماعات الإرهابية التي تستهدف بنية السياحة؟ هل ألقت القبض على شبكة صعيرة أو خلية من خلايا تنظيم القاعدة؟ أم أن كل مواهب أعضاء هذه الأجهزة التفحيط بسياراتهم في شوارع صنعاء والتمخطر في الأسواق العامة وأمام مدارس البنات بمسدسات الكلوك؟ (مدرسة أسماء مثلا). أقول هذا بالنظر إلى وظائف أجهزة مخابرات عالمية كـCIA أو MI6.

إن أكبر وحدة في جهاز المخابرات المركزية الأمريكية CIA تدعى وحدة حماية الاقتصاد الأمريكي ومهمتها المركزية تعقب واصطياد شبكات التهريب؛ والعملات المزورة؛ وكل الأعمال الخارجة عن القانون التي من شأنها إضعاف اقتصاد أمريكا. وتعد كاميرات المراقبة خط الدفاع الأمني الأول في بريطانيا بنصف مليون كاميرة مراقبة؛ خفية وظاهرة، في شوارع العاصمة البريطانية لندن وحدها، من أصل 4 مليون كاميرا في المملكة؛ الأعلى على مستوى العالم.