استطلاع.. نساء يمنيات عاملات : نريد العودة إلى البيت!

أ. فتحية: لم ينتهِ شهر العسل إلا وأنا أباشر عملي.. وزوجي تخلّى عن العمل!

إلهام: من سابع المستحيلات أشتغل بعد الزواج، إلا إذا قاسمني زوجي أعمال المنزل والحمل والولادة والإرضاع!

سهام: أول شيء سأشترطه في زواجي أن أترك العمل أريد زوج يشقى هو عليا وأنا "اتستت واتدلع في البيت وأعرف حاجتي لاعندي"!

مها: المرأة أكثر كائن مهووس بالعمل.. والأمومة دور مهم يستحق أن أهبه كل الوقت

أ.صفية: تأنيب الضمير تجاه أولادي يكسر متعتي بعملي.. وسأتخلى عن الوظيفة لأجلهم

رغدة: العودة إلى المنزل أمنية جميلة لكنها ليست للتحقيق في الوقت الحالي

د.فاتن: لا أجيد عمل المنزل.. والوظيفة هي من تجعلني أشعر أنني أعيش ولن أتخلَّ عنها إلا إذا استغنت عني.


بين كون خروج المرأة للعمل حقاً لها بلا جدال، وبعيداً عن الخلاف حول هل تعمل النساء لأجل المردود المادي فقط، أم مجرد حب للظهور، أو كما يريد البعض وصفه بمزاحمة الرجال في الوظائف وترك مسؤولية بيوتهن.
ما هي رغبة النساء العاملات أنفسهن؟ أيفضلن العمل في البيت أم يفضلن الهروب من مسؤوليته بالعمل خارجه؟ وهل النساء متمسكات بالكد و"وجع الرأس" خارج المنزل؟ أم أن الحنين إلى المنزل يجعلهن يرفعن شعار "نريد العودة إلى المنزل"؟!
في هذا العدد نتجول في الوظائف العامة لنتحسس رغبات الموظفات فيها باختلاف مسمياتهن الوظيفية، وتفاوت مردوداتهن المادية، واختلاف حالاتهن الاجتماعية. فما رأي النساء في هذا الطلب، وهل تشعر المرأة بأن العمل منهك لها ولولا الضرورة لاستراحت منه؟ متعتها أكثر في مزاولة أعمال المنزل أم في العمل خارجه؟ وما الظروف التي لو توافرت لها لتخلت عن الوظيفة؟

استطلاع / ابتسام القاسمي:

افتتحنا تجوالنا مع الأستاذة مها صلاح – مدير التدريب وتطوير الأداء في كاك بنك التي قالت: الحياة كلها مرهقة، لكننا كل يوم نزداد تشبثاً بها، والعمل جزء من التحقق في الحياة. والنجاح والإنجاز أحد الدوافع الأساسية المحركة للبشر..  

وتضيف: "المرأة أكثر كائن مهووس بالعمل، فهي إن وجدت نفسها داخل البيت شرعت بوضع خطط العمل لجعل البيت أجمل وأنظف، وإن وُجدت نفسها في الحقل أزهر وأثمر، وإن كانت طالبة علم تفوقت وأتقنت، أما إن التحقت بالعمل الحكومي والخاص فهي المثالية والملتزمة والنزيهة..

لهذا فالمرأة في عمل دائم لا تتوقف عنه إلا لتنخرط في عمل آخر، والقصة أدوار تمر بها، وهذا ما ينقلها من عمل لآخر"، وعما اذا كان عملها يتعارض مع رعايتها لأبنائها أوضحت: "الأمومة بالنسبة لي دور مهم يستحق أن أهبه كل الوقت الذي يحتاجه".

أما الأخت شذى، موظفة في شركة خاصة، فتستمتع بعمل البيت أكثر لكنها مضطرة للعمل، تقول شذى: متعتي في مزاولة أعمال البيت ولولا الضرورة لما عملت، فإذا توافرت لديّ احتياجاتي وما يحتاج إليه طفلي سوف أستغني عن العمل فوراً؛ لأنني، بالتأكيد، أريد العودة إلى البيت!

وتؤكد الأستاذة صفية صالح الكلية العليا للقرآن: أنا مع هذه المطالبة، فالعمل منهك لي، لأني متزوجة ولديّ أطفال وخروجي يجعلني مقصرة في حقهم.. وتضيف:

بالرغم من أنني أستمتع بالعمل الوظيفي أكثر من الأعمال المنزلية لكن تأنيب الضمير تجاه أولادي هو الذي يكسر هذه المتعة.

لو توفر لي مصدر دخل ثابت بدون عناء الوظيفة ودوامها، تقول صفية، سأتخلى عن الوظيفة وأجلس لأجل أولادي فقط مع المحافظة على بعض الأنشطة الاجتماعية.

الصحافية والناشطة رغدة جمال تتمنى العودة إلى المنزل - كغيرها من الموظفات المتزوجات - لكن يبدو أن لها خططاً مدروسة في هذه الرغبة، حيث تقول: "العودة إلى المنزل أمنية جميلة بالنسبة لي، لكنها ليست للتحقيق في الوقت الحالي، في هذا الوقت أشعر أنه من المهم بناء شخصيتي خارج إطار المنزل، إلى أن يأتي الوقت الذي يجب عليَّ البقاء فيه داخل المنزل لأبني شخصية أطفالي"..

أغيثونا...

ابتدأت عملي في البداية بحماس الشباب، وقلت لنفسي كيف تذهب دراستي ومجهودي هباء، واشترطت على زوجي أن أواصل عملي، وبالرغم من معارضته إلا أنني أصررت على موقفي حتى اضطر للموافقة على مضض ليتم الزواج، وبعد الزواج بدأ يكسلني ويحاول إثنائي عن المواصلة، لكنني ـ طبعاًـ لم أفتح له مجالاً ليتحكم بي أو ليتملص من شروطه!

هكذا ابتدأت دولة الكبسي حديثها ثم واصلت، بضحكة غيظ، "مع أول مولود بدأت أحس بالورطة التي أنا فيها، لاسيما وأني أعيش في حي لا يوجد به أي حضانة ولا حتى إحدى قريباتي لتساعدني بالعناية بابني، لكنني استمريت في مكابرتي بالذات بعد نزول الدرجة الوظيفية، وما إن أنجبت مولودي الثاني حتى ندمت أشد الندم، لأن الإنهاك وصل بي حد تعاطي العقاقير بشكل دائم...

تشبهها إلى حد ما منى عبد القادر، موظفة في شركة نفطية، تقول: كنت في البداية مجرد مواصلة لعملي ولم يكن هناك من مبرر لتركه، لكن بعد أن أنجبت ابنتي بدأت أحس بالإنهاك وبدأت أفكر في ترك العمل حتى وجدت نفسي في ورطة.. فزوجي منذ تزوجني قبل أربعة أعوام ونصف لم يعتد على إعطائي مصاريفي الشخصية بالذات أن راتبي كان جيداً، كما أنني اعتدت على مستلزمات كثيرة ومستوى شرائي معين، ولو لم أوفره لنفسي فلن يوفره لي وإن حاول فلن يكون بنفس المستوى الذي اعتدت عليه، لأنه لم يعتد على ذلك أبداً، تذكرت نصائح أمي الدائمة لي بأن أجعل زوجي يوفر كل شيء وكانت تردد (زوجك على ما عودتيه وابنك على ما ربيته) وكنت دائماً أقول لها أنني لا أحتاج إلى ذلك، لكنني لم أستوعب ذلك إلا بعد فوات الأوان.

وتستفتح أ. فتحية أحمد- مدرسة تربية اجتماعية، حديثها بتنهيدة تقول فيها (يلعن أم الحب وسنينه!) ثم تواصل: حين استمرت خطوبتي لزوجي لأكثر من عامين بسبب أنه ليس لديه الدخل الكافي لفتح بيت وإعالة أسرة، ضجرت من طول فترة خطوبتنا وتمنيت الاستقرار، واتفقنا بأن أعمل أنا بالتدريس في أي مدرسة خاصة لنتساعد على الحياة حتى يجد له وظيفة أفضل، وبدل من أن ينتظر كل منا للآخر في بيت أهله ويضيع عمرنا في الانتظار سنتعاون على الدنيا، وبالفعل التحقت بالتدريس وتزوجنا، ولم ينتهِ شهر العسل إلا وأنا أباشر عملي في المدرسة، وشيئاً فشيئاً، حتى اعتمد زوجي عليَّ كلياً، وبعد أن كان يعمل بالأجر اليومي، صار عاطلاً تماماً وأنا التي أذهب للعمل وهو في البيت!

تواصل حديثها بألم: أصعب لحظة بالنسبة لي حين أجد إخوته يرجعون لزوجاتهم بكل احتياجاتهن بينما أنا من أرجع إليه باحتياجاته! وحين أعود من عملي أقوم بدوري بكل عملي في البيت كبقية "سلايفي" اللواتي ينمن إلى قبل الظهر ويرتحن بقية النهار، وأنا انتهت صحتي بين حريق الدم والعمل في المدرسة و"الدول" في البيت، ويلعن أم الحب وسنينه!!!


لا أنصح...

تجربة المرأة العاملة بإنهاكها ومتعتها تنعكس بالتأكيد على حياتها الشخصية والأسرية، وتنعكس، أيضاً، على تربيتها لأبنائها.. التقينا الدكتورة أمة اللطيف وسألناها هل تشجع ابنتها على أن تصير دكتورة مثلها لتخرج إلى العمل ففاجأنا بردها: "لراحة ابنتي أنا أنصحها بأن لا تواصل تعليمها العالي، لأن هذا هو سبب تعاستي في حياتي!

موضحة: "سكنت قبل فترة في سكن الدكاترة، وكنت حين ألتقي بزوجاتهم أجد النعيم بادياً على وجوههن، فأزواجهن يمتنون لوقوفهن إلى جانبهم أثناء دراستهم وتعبهن أثناء ذلك من خلال دعمهن النفسي لهم وتربية أبنائهم وما إلى ذلك، أنا درست وتعبت بنفسي، وأنجبت أبنائي الثلاثة أثناء دراستي، إضافة إلى العناية بزوجي؛ فضلاً عن كونه يرفض أن تدخل مطبخي شغالة ولا يأكل إلا من يدي، وفي الأخير أنا الذي من المفترض أن أمتن له لأنه سمح لي بالوظيفة والدراسة وهو بهذا يعد وقفاً إلى جانبي!

فمن الأفضل لابنتي أن تتزوج بدكتور من أن تكون دكتورة!


أخف عبئاً.. أكثر تفاؤلاً

تحولّت ببحثي إلى النساء العاملات العازبات، فلابد أنهن أكثر تفاؤلاً وأقل عُقداً ولم تثقل المسؤولية كاهلهن، ابتدأت بالدكتورة فاتن عبده محمد، علم نفس بجامعة صنعاء: أنا لا أجيد عمل المنزل ولم أعتد عليه، ولا أجد ذاتي إلا في العمل خارج البيت، فأنا نقابية أحقق ذاتي يومياً من خلال ما أقوم به من خدمة لزملائي الأساتذة في الجامعة، وأجد راحتي في سماع كلمة شكراً، لكن هذا لم يلغِ ذاتي واحترامي من أهل بيتي، لذا لن أتخلَّ عن الوظيفة إلا إذا استغنت عني هي، فالوظيفة هي من تجعلني أشعر أنني أعيش وأستحق أن أعيش.

فيما توافقها وتختلف عنها قليلاً زينب المطحني أستاذة فيزياء: العمل في البيت أو خارج البيت كله عمل، لكن جلسة البيت أحياناً تكون "خنقة"، بالنسبة لي حتى لو كانت ظروفي المادية ممتازة لن أتنازل عن حقي في العمل لكنه سيكون بدوام أخف"..

أما إلهام- ناشطة حقوقية حكومية ـ فلا تجد بُداً من العمل الآن، لكن الأمر يختلف بالنسبة لها فيما لو تزوجت، فلن تعمل إلا وفق شروطها هي، تقول "لو من سابع المستحيلات اشتغل بعد الزواج إلا بشروطي!). سألتها ما هي شروطك؟ أجابت: "أن أقوم أنا بسائر أعمال البيت في يوم، ويقوم زوجي بها في اليوم الثاني، أن أحمل وألد وأرضع مرة، هو يحمل ويلد ويرضع في المرة الثانية !!).

واستطردت: حينما يعمل الرجل خارج المنزل فهو يعود إلى بيته وهو "نافخ ريشه"؛ لأنه يتعب ويشقى، ويريد العودة إلى البيت ليرتاح، لكن المرأة حين تتعب في وظيفتها تعود إلى البيت فتجد تعب البيت أكثر، إضافة إلى أن الزوج لا يمتن لها أبداً، ولا يحس بها أبداً ولا يغفر لها التقصير في أبسط حقوقه خصوصاً إن كانت عاملة، ويتعامل مع الوظيفة كأنها ضرته! كما أنه  يمن عليها بأنه منَّ عليها بحرية كاملة للتعب والشقاء.

وتختم حديثها بحس حقوقي وفق تخصصها: "كما أن الرجال لا يتنازلون عن حاجتهم من المرأة أبداً ولا يتنازلون عن أي حق لهم منها، لماذا أنا أتنازل عن حقي في الراحة بالبيت وأخرج للعمل لأوفر الأشياء التي يفترض أن يوفرها لي هو؟
وتوافقها الأخت سهام، موظفة في محل لبيع الملابس النسائية بالقول: بالنسبة لي أول شيء سأشترطه في زواجي أن أترك العمل! أنا أشتي زوج يشقى هو عليَّ، وأنا "اتستت في البيت وعمل البيت نكد وافي"..

وتضيف: أريد رجلاً يتحمل مسؤوليتي هو، ويعود من عمله منهكاً كي أجيد التعامل معه بدل من أن يتعبني وأظل أنا جالسة رايقة ومرتاحة في البيت "اتستت واتدلع واعرف حاجتي لا عندي"، وتؤكد: من الأفضل أن كل واحد يعمل دوره لوحده وكفاية، وكثر الله خيره، بدل من أعمل لنفسي "فوق الحدبة حدبة"!

في الأخير كلنا نجتهد ونتعب لننجح كل في مكانه ومجاله، ويجب أن لا ننسَ أن لكل منا موقعه ودوره في هذه الحياة.

خرجنا من هذا الاستطلاع، وقد تطايرت إلينا أحاسيس الإنهاك من معاناة النساء العاملات، فهناك من يستمتعن بعملهن بدون أن يؤثر على دورهن الأهم في التربية، وهناك من اضطرت للعمل برغم إحساسها بأن بيتها أولى بها، ومن ترى العمل ذاتها وروحها مبثوثة فيه، وهناك من تؤكد على ضرورة العودة إلى المنزل!
ليست دعوة منا أن تترك النساء أعمالهن ليربضن في البيوت بشكل سلبي، لكنها لفتة لأن تعرف كل واحدة أولوياتها، وترتب حياتها على أساسها، فالأم كما ردد منذ القدم هي مدرسة الأجيال، وما أشرفها من وظيفة.

*المصدر: أسبوعية المنتصف.