22 مايو 1990.. انتصار الإرادة اليمنية على الانقسام والكهنوت
في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م تحقق الحلم الحضاري لليمنيين بعد عقودٍ من الشقاء والصراعات المتمثلة في انقسام البلاد بين إمامة شمالية واستعمار جنوبي؛ فقد جسدت هذه اللحظة التاريخية التي رُفع فيها علم الجمهورية اليمنية الموحدة في مدينة عدن انتصار إرادة شعبٍ قرر أن يستعيد دوره الحضاري والثقافي، ويعيد الاعتبار لتاريخه المجيد بعد عقودٍ من التمزق والشتات.
لقد مثّل إعلان الوحدة تتويجاً لنضالات الثوار في الشمال الذين قاوموا الظلم الإمامي، وإخوانهم في الجنوب الذين واجهوا غطرسة الاحتلال البريطاني، متجاوزين بذلك أي فوارق مناطقية أو أيديولوجية، ليكونوا جميعاً في خندقٍ واحد يدافع عن كرامة الوطن وأمنه.
ولم تقتصر الوحدة اليمنية على اندماج جغرافي وسياسي فحسب، بل كانت انتصاراً لوعيٍ جماعي سعى إلى بناء دولة حديثة تقوم على أسس التعددية السياسية وحريات التعبير، إذ بدأت منذ ذلك الحين مرحلة جديدة من البناء العمراني والتنموي شملت تشييد الجامعات والمستشفيات والطرقات والموانئ، وترسيخ مؤسساتٍ وطنية تحقّق العدالة والمواطنة.
وقد انعكست هذه الجهود في تأمين مساحةٍ من الاستقرار النسبي عاشها اليمنيون لقرابة عقدين من الزمن، حيث بُني الجيش الوطني، وانطلق الإعلام الحر، وأحكمت منظمات المجتمع المدني دورها في مراقبة السلطة ومطالب الشعب.
إن الوحدة اليمنية لم تكن حدثاً احتكارياً لليمنيين فحسب، بل جاءت لتعزز من روح التضامن العربي والإسلامي؛ فشملت أصداؤها كافة المحافل القومية، حيث رحبت بها الشعوب الشقيقة باعتبارها نموذجاً يحتذى به في توحيد الصف العربي وبناء كيانٍ قوي يواجه التحديات الإقليمية.
لقد شهدت الوحدة على مدى الأعوام التي تلتها بناء مشاريع تنموية ضخمة قاربت تكلفتها مليارات الريالات، إذ تناوب الرئيس عليّ عبد الله صالح في حضور احتفالات الانتصار في محافظات صنعاء وعدن والحديدة وتعز وحضرموت، وهو يُشرف بنفسه على تدشين الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس، مؤكدًا أن هذه الإنجازات ما هي إلا أدلةٌ على حكمة القيادة وإخلاصها للشعب اليمني.
كما حقق اليمن قفزاتٍ ملحوظة في شتى المجالات؛ فقد ارتفع معدل الالتحاق بالتعليم، وتطورت الزراعة، ونمت القطاعات الخدمية والصناعية، وتأسست شبكة اتصالات وطنية ربطت المحافظات كافة، مما أسهم في تماسك النسيج الاجتماعي وإذكاء روح المواطنة.
غير أن هذا المسار المشرّف لم يخلُ من المحن؛ فقد اندلعت في سنواتٍ لاحقة خلافاتٌ إقليمية ومحلية، وأفضت إلى ظهور حركةٍ مسلحة تعرف بالحوثيين قادمة من جذورٍ كهنوتية متوارثة، أعادت العراقيل والفتن إلى مقدمة المشهد، حيث حاولت هذه الجماعة تفتيت النسيج الاجتماعي وتنمية العصبيات المذهبية والإقليمية، مستندةً إلى مشروعٍ طائفي تقوده قوى إقليمية خارجية.
وما إن وطئت أقدامها المناطق التي سيطرت عليها حتى عمدت إلى هدم المنجزات والموارد الوطنية، وفرضت هيمنتها على القرار السيادي، ومدّت أيديها إلى الهوية الثقافية لليمنيين، محاولةً فرض أجندتها الخاصة على المجتمعات المحلية، فكان لذلك أثرٌ مدمرٌ على وحدة التعايش اليمني الذي كان مثالاً يُحتذى في التنوع والانسجام.
ومع ذلك، ظلّ الوازع الوحدوي راسخاً في قلوب اليمنيين الذين يعون أن الوحدة تمثل سياجاً حصيناً لكل المتربصين بالوطن، كما جسدت مواقف دولية متواصلة تؤكد على ضرورة الحفاظ على وحدة اليمن واستقراره كجزءٍ لا يتجزأ من أمن المنطقة والعالم.
فبرغم الانقسامات والحروب، لا يزال الشعب اليمني متمسّكاً بتراثه السامي الذي تبلور في الكيانات السبئية والحميرية والقتبانية وحضرموت وأوسان، التي وحدتها إرادةٌ تاريخية وجغرافية تمدّ جسور الأخوة بين أبناء هذا الوطن.
واليوم، مع الاحتفال بمرور خمسة وثلاثين عاماً على تحقيق الوحدة اليمنية، يستذكر اليمنيون تلك اللحظة الفارقة التي جسدت فيها معاني التضحية والشجاعة، وما تلاها من إنجازاتٍ تنموية وسياسية تُعدّ إرثاً للأجيال القادمة، مذكّرين الجميع بأن الوحدة ليست خياراً عابراً، بل هي فطرة ربانية ودين تفرضه مصلحة الفرد والمجتمع على حد سواء.