عقوبات أمريكية جديدة تكشف: حزب الله يستخدم النساء وشركات وهمية لتمويل عملياته

في خطوة جديدة لتضييق الخناق على مصادر تمويل حزب الله، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، أمس الجمعة، عقوبات على خمسة أفراد وثلاث شركات متورطين في شبكة مالية تعمل لصالح الحزب.

الأفراد والشركات الذين شملتهم العقوبات، هم بحسب بيان وزارة الخزانة الأميركية "من عائلات مقربة من مسؤولين بارزين في حزب الله، يشكلون جزء من شبكة من المشاريع التجارية المدرة للإيرادات، والمملوكة أو الخاضعة لسيطرة حزب الله، والتي تسهّل وتخفي مبيعات النفط لصالح فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وتسهم في تمويل أنشطة الحزب ووصوله إلى النظام المالي الرسمي".

ويأتي هذا الإجراء ضمن جهود واشنطن لتفكيك الشبكات المالية التي يستغلها حزب الله لتعزيز نفوذه، وسط تصاعد الضغوط الدولية على إيران ووكلائها في المنطقة.

كما يؤكد هذا الإجراء "عزم وزارة الخزانة على كشف وتعطيل المخططات التي تمول عنف حزب الله الإرهابي ضد الشعب اللبناني وجيرانه"، كما قال القائم بأعمال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برادلي تي. سميث.

وكانت واشنطن قد صنّفت حزب الله منظمة إرهابية أجنبية عام 1997، كما أدرجته على لائحة الإرهابيين العالميين عام 2001.
شبكة بأدوار متشابكة

الشبكة المستهدفة بالعقوبات، وفقاً لبيان وزارة الخزانة الأميركية، كانت تخضع لإشراف مسؤولين بارزين في فريق تمويل حزب الله، من بينهم محمد قصير، الذي ظل في منصبه حتى وفاته أواخر عام 2024، وصهره محمد قاسم البزال. وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) قد فرض عقوبات على قصير والبزال في 15 مايو و20 نوفمبر 2018، على التوالي.

ورغم إدراجه على قائمة العقوبات منذ عام 2018، واصل البزال إدارة شبكته عبر نقل ملكية شركاته إلى شركاء آخرين في فريق تمويل حزب الله بهدف إخفاء صلته بالتنظيم. ومن بين هذه الشركات: "تلاقي"، "توافق"، "نغم الحياة"، و"ألوميكس"، التي أُدرجت جميعها على قائمة العقوبات في 4 سبتمبر 2019.
والمستهدفون في العقوبات هم:

رشيد قاسم البزال: شقيق محمد البزال، تولّى إدارة شركات "تلاقي"، "توافق"، و"نغم الحياة"، وذلك بناءً على توجيهات شقيقه، حيث تولى إدارة عملياتها اليومية، بينما استمر محمد في التنسيق مع حزب الله.

محاسن محمود مرتضى: زوجة محمد قصير، كانت تتمتع بنفوذ كبير على زوجها في قضايا تتعلق بعمليات حزب الله بما في ذلك التمويل وتهريب الأسلحة، كما أنها المالكة المسجلة لعدة شركات مرتبطة بحزب الله، من بينها "ألوميكس"، التي تتشارك ملكيتها مع فاطمة عبد الله أيوب، حوراء عبد الله أيوب، وجميل محمد خفاجة.

فاطمة عبد الله أيوب: زوجة محمد البزال، تعمل معه بشكل وثيق في عدة مشاريع تجارية لحزب الله، بما في ذلك مجموعة "تلاقي".

جميل محمد خفاجة: مدرج كمالك لشركة " سيكورول للستائر الزجاجية"، التي تتشارك نفس العنوان مع "ألوميكس".

كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدد من الشركات المرتبطة بهذه الشبكة، من بينها:

"رافي ش.ذ.م.م."، وهي شركة لبنانية تسهم في تحقيق أرباح لحزب الله من خلال تجارة المنتجات البيطرية.

"المجموعة المتحدة اللبنانية": شملتها العقوبات لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة أو إدارة، بشكل مباشر أو غير مباشر، لفاطمة عبد الله أيوب، محاسن محمود مرتضى، وحوراء عبد الله أيوب.

"سيكورول للستائر الزجاجية": أُدرجت على القائمة السوداء لكونها مملوكة أو خاضعة لسيطرة أو إدارة، جميل محمد خفاجة، بشكل مباشر أو غير مباشر.

الأفراد والكيانات المشمولون بالعقوبات أُدرجوا، بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، بصيغته المعدّلة، بسبب تقديمهم دعماً مادياً ومالياً ولوجستياً لحزب الله، بما يشمل المساعدة في توفير التمويل أو السلع أو الخدمات التي تعزز أنشطته، كما أكدت وزارة الخزانة الأميركية.
تشديد الخناق المالي

وصول الإدارة الأميركية الجديدة حمل معه سياسة واضحة تجاه إيران وحلفائها، لا سيما حزب الله، كما يشدد المحلل السياسي المحامي أمين بشير، وذلك "بهدف الحد من نفوذهم الإقليمي وتقويض مصادر تمويلهم. وفي هذا السياق، أكد المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف في تصريحاته الأخيرة أن هذه القوى، رغم أنها لم تعد تشكل خطراً وجودياً، لا تزال تمثل تهديداً لاستقرار المناطق التي تنشط فيها".

وضمن هذه الاستراتيجية، يوضح بشير في حديث لموقع "الحرة" أن "تجفيف منابع تمويل حزب الله كان جزءاً أساسياً من الخطة الأميركية، وليس فقط عبر وقف تدفق السلاح. حيث حرصت واشنطن على فرض قيود مالية صارمة، مما أدى إلى تضييق الخناق على الحزب في القطاع المصرفي العالمي ومنعه من الوصول إلى الدولار. وقد سهلت الرقابة الأميركية تتبع حركة الأموال، ما زاد من صعوبة تمويل الحزب عبر القنوات التقليدية".

في مواجهة هذا الحصار المالي، لجأ حزب الله كما يقول بشير "إلى وسائل بديلة، من بينها التجارة غير المشروعة، والاعتماد على العملات الرقمية، وتهريب البضائع، واستغلال الحدود اللبنانية-السورية لتأمين تدفق الأموال. إلا أن سقوط نظام الأسد أدى إلى إغلاق أحد أبرز منافذه المالية، حيث نفذت السلطات السورية عمليات ضد مراكز الحزب على الحدود وداخل الأراضي السورية".

ومع تضييق الخناق عليه، تزايدت التحديات التي تواجه الحزب في تأمين التمويل، خصوصاً بعد اتفاق وقف إطلاق النار، الذي نص على تطبيق القرار 1701 الذي شدد المراقبة على المرافق الحيوية مثل المطار والمرفأ. وأمام هذه التطورات، لم يعد بإمكان الحزب كما يقول بشير "اختراق النظام المالي العالمي كما كان في السابق، مما أجبره على اعتماد أساليب جديدة، من بينها استخدام النساء لإدارة عملياته المالية بشكل خفي. وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ثلاث نساء متورطات في هذه الأنشطة، ما يعزز فرضية لجوء الحزب إلى هذا التكتيك".

كذلك يؤكد المحلل السياسي، الياس الزغبي، في حديث لموقع "الحرة" أنه "بعد التضييق المالي، الأميركي تحديداً، على حزب الله بتوسيع نطاق العقوبات، كان لا بد له من استخدام وسائل جديدة عبر توظيف العنصر النسائي الذي يكون عادة أقل استهدافاً بالمراقبة، خصوصاً أن تكليفه رجالاً بنقل الأموال عبر مطار وبيروت والحدود البرية أدى إلى انكشاف بعضهم وتوقيفه".
قيود مشددة.. ومناورات

تفرض العقوبات الجديدة، بحسب الخزانة الأميركية، تجميد جميع الممتلكات والمصالح المرتبطة بالمدرجين على القائمة السوداء، إضافة إلى أي كيانات يمتلكونها بشكل مباشر أو غير مباشر بنسبة 50% أو أكثر، سواء بمفردهم أو بالاشتراك مع أشخاص آخرين خاضعين للعقوبات. وتشمل هذه القيود جميع الأصول الموجودة في الولايات المتحدة أو الخاضعة لحيازة أو سيطرة أشخاص أميركيين.

وتحظر لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، أي تعاملات يقوم بها أشخاص أميركيون أو تمر عبر الولايات المتحدة، إذا كانت تتعلق بممتلكات أو مصالح تعود للأفراد أو الكيانات الخاضعة للعقوبات، إلا في حال الحصول على ترخيص عام أو خاص صادر عن المكتب، أو إذا كان التعامل معفياً بموجب القانون.

وحذرت الوزارة من أن أي انتهاك للعقوبات الأميركية قد يؤدي إلى فرض عقوبات مدنية أو جنائية على الأفراد أو الشركات، سواء كانوا أميركيين أو أجانب. كما يمكن لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية فرض غرامات على أساس المسؤولية المطلقة.

في سياق متصل، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار، ضمن برنامج "مكافآت من أجل العدالة"، مقابل معلومات تؤدي إلى تعطيل الشبكات المالية لحزب الله.

العقوبات الأميركية المتصاعدة على حركة تمويل حزب الله أعطت حتى الآن نتائج واضحة، كما يؤكد الزغبي "ظهرت في تقليص المنح التي كان قد بدأها لمساعدة النازحين على الإسكان المؤقت أو الترميمات البسيطة، كما انعكست على خفض سقف وعوده لبيئته بإعادة الإعمار وتحميله الدولة هذه المسؤولية. وهذا الشح في التمويل أضعف تأثيره داخل بيئته بحيث بدأت أصوات ناقمة تخرج بالاحتجاجات والتهم بالمحسوبية وتمييزه المقربين لقياداته".

كذلك يؤكد بشير أن "تراجع الموارد المالية للحزب انعكس مباشرة على قاعدته الشعبية، حيث بدأت تظهر احتجاجات في الجنوب بسبب عدم تعويض الأهالي عن ممتلكاتهم المتضررة من الحرب. كما شهدت المحاكم دعاوى قضائية ضد الحزب، في مؤشر على تغيّر المزاج العام وارتفاع منسوب الجرأة في مواجهة نفوذه".

وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بإيران، المصدر الأساسي لتمويل حزب الله، يؤكد بشير أنه "أصبح من غير المرجح أن تضع طهران مصلحة الحزب فوق أولوياتها الداخلية، مما يزيد من حدة أزمته المالية".
هل تتحرك الدولة؟

أكثر المتضررين من العقوبات ومراقبة مصادر تمويل حزب الله هي كما يرى الزغبي "شركات الأموال وأصحابها والأفراد الناشطون فيها، ما سيؤدي إلى إفلاسها على المدى المتوسّط، ويشمل هذا الوضع بعض المصارف التي لا تزال متورطة في تغطية تمويل نشاطاته العسكرية والامنيّة والاجتماعية".

ويؤكد الزغبي أن على الدولة اللبنانية "الانخراط بشكل أوسع في مساعي تجفيف المسارب المالية للحزب في إطار المطلوب منها لنزع سلاحه كشرط لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية من جهة، والبدء بإعادة الإعمار من جهة أخرى، وكذلك لتسهيل الإصلاحات الضرورية، لأن الأولوية اللبنانية والعربية والدولية هي لمعالجة ملف السلاح غير الشرعي كمدخل إلزامي لمعالجة سائر الملفات ومنها ترتيب الحدود في الجنوب وتثبيت الاستقرار".

ويشير الزغبي إلى أن حزب الله "يجد نفسه ملزماً بتغيير خططه لتمويل نفسه بعدما انحسرت فوائض تهريب الكبتاغون والأموال النقدية من إيران. ولعله بدأ يعتمد على تمويل المغتربين والمتمولين في الطائفة الشيعية، ولكنه يدرك أن هذا المصدر قصير المدى بفعل تآكل هذه المساعدات والتضييق الأميركي على حركتها".

وفي ظل هذه الضغوط، يرى بشير أن الحزب قد يضطر إلى إعادة النظر في سياساته المالية، لكنه يستبعد أن يعيد تجربة "القرض الحسن" بالشكل السابق، "خاصة بعد الضربات التي تلقاها، حيث استهدفت إسرائيل مراكز مالية تابعة له، في إشارة إلى قدرتها على تتبع الأصول الثمينة للحزب".

ويضيف بشير أن الحزب يحاول التكيف مع القيود المتزايدة "عبر استغلال مؤسسات الدولة اللبنانية كمصدر بديل للتمويل، حيث بات نفوذه واضحاً داخل الإدارات الرسمية، مستفيداً من توظيف أنصاره وفرض اقتطاعات مالية عليهم. وقد أصبح التمويل الداخلي للحزب أكثر وضوحاً من خلال ظاهرة شركة مالية برزت مؤخراً فرضت نفسها كبديل للطوابع الرسمية في المعاملات الحكومية، ما يثير تساؤلات حول الجهات المستفيدة من هذه المنظومة ودورها في دعم الحزب مالياً".

وأمام هذه التحديات، يتساءل بشير: "هل ستتمكن الحكومة اللبنانية من تطهير مؤسساتها ومنع استغلالها كأداة لتمويل حزب الله؟ أم أن اللبنانيين سيجدون أنفسهم، بطريقة غير مباشرة، يساهمون في تمويل نفوذه المتنامي؟".