العدالة الغائبة في مناطق سيطرة الحوثيين تدفع القبائل إلى الانتقام (تقرير)

شهدت محافظتا الجوف وعمران، الخاضعتان لسيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية، تصاعدًا في التوترات بين القبائل من جهة والميليشيا المدعومة من إيران من جهة أخرى، وذلك عقب حوادث قتل استهدفت مشرفين حوثيين.

تعكس هذه الحوادث نفاد صبر ذوي الضحايا نتيجة عدم إنصافهم ورفض سلطة الحوثيين التجاوب وتحقيق العدالة، في ظل غياب الدولة وتفاقم حالة الإفلات من العقاب وحماية الميليشيا للقتلة والمجرمين.

في أحدث تلك الحوادث، قُتل المشرف الحوثي علي مكيك العيدي، المعروف بـ"أبو أسد"، على يد مسلحين قبليين من الثماثمة، عصر أول من أمس، في منطقة خيوان بمديرية سفيان محافظة عمران.

وتعود جذور الحادثة إلى قيادة العيدي حملة عسكرية ضد قبيلة الثماثمة قبل نحو عام، ما أدى إلى مقتل الشيخ محسن الثمثمي في منزله.

ردود فعل الحوثيين

عقب مقتل العيدي، أرسلت ميليشيا الحوثي حملة عسكرية ضخمة بقيادة المدعو أبو علي سمير محمد مهدي، المعيَّن مديرًا لأمن سفيان من قبل الحوثيين. استهدفت الحملة قرية الثماثمة، حيث فرضت حصارًا خانقًا على المنطقة، واستولت على مزارع القبائل، ودمرت محصول القات، وسرقت الألواح الشمسية من آبار المياه، وأطلقت النار بشكل عشوائي على منازل المواطنين. كما طالبت الميليشيا بتسليم عشرة أفراد من القبيلة كرهائن، وهو ما قوبل بالرفض من أهالي القرية.

وسبق ذلك حادث آخر أثار اهتمامًا واسعًا، حيث لقي المشرف الحوثي نشوان حميد منيف مصرعه في كمين مسلح نفذته عناصر من قبيلة آل حمد، إحدى قبائل دهم، وذلك ثأرًا لمقتل اثنين من أبناء القبيلة على يد منيف في وقت سابق بمحافظة الجوف.

وقع الحادث في مديرية حرف سفيان، حيث استُهدف منيف أثناء مروره بسيارته بالقرب من نقطة تفتيش "مطي" التابعة للحوثيين.

حوادث سابقة مماثلة

لم تكن هذه الحوادث الأولى من نوعها، ففي يوليو 2017، قُتل المشرف الحوثي أحمد ناجي قملان على يد أفراد من جماعته في مديرية برط بمحافظة الجوف، نتيجة خلافات ثأرية.

عقب الحادثة، فرضت الميليشيا طوقًا على قرية بني حنيش، ونشرت مسلحين على أطرافها، كما اختطفت مواطنين أبرياء من أبناء القبيلة.

تفاقم ظاهرة الإفلات من العقاب

تشير هذه الحوادث إلى تنامي ظاهرة الإفلات من العقاب في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. فعلى سبيل المثال، بعد مقتل الشيخ محسن الثمثمي، تجاهلت ميليشيا الحوثي ضبط الجناة من مشرفيها، بل احتجزت جثته في أحد المستشفيات.

هذا التجاهل الحوثي دفع أبناء القبائل إلى أخذ العدالة بأيديهم، ما أدى إلى تصاعد العنف والثأر.

وفي الحديدة، خرج المئات من أبناء مدينة اللحية شمال محافظة الحديدة، خلال الساعات الماضية، في احتجاجات غاضبة رفضا لمحاولات مليشيا الحوثي تمييع قضية مقتل الطفل محمود عمر علي هادي وطمس الحقيقة، وتطالبهم بالرحيل، بعد أن أرداه أحد عناصر قواتها البحرية قتيلا برصاصة مباشرة في رأسه.

وفي حادثة أخرى، أصيب المواطن محمد عبد العزيز دعاس برصاص عنصر حوثي يعمل مرافقًا لمدير أمن مديرية فرع العدين، وذلك بالقرب من نقطة تفتيش في المديرية الواقعة ضمن محافظة إب، الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

وقعت الحادثة عند نقطة الحجف، حيث نُقل المجني عليه إلى مستشفى الثورة في مدينة إب لتلقي العلاج، غير أن الجهات الأمنية الحوثية تعاملت معه كـ"جريح حرب"، في محاولة للتغطية على الجريمة وتسهيل فرار الجاني، ما أثار استياء واسعًا بين الأهالي.

ولم تكن هذه الحادثة استثناءً، بل تأتي ضمن نمط متكرر لنهج الميليشيا في التعامل بمنطق العصابات، حيث تُفلت عناصرها من العقاب بعد ارتكابهم الجرائم بحق المدنيين، بينما يدفع الأخيرون الثمن.

وكانت وكالة خبر قد نشرت في وقت سابق تقريرًا يكشف انتهاكات الحوثيين للقانون، من خلال الإفراج عن عناصرها المدانين بجرائم قتل، والتلاعب بملفات القضايا، واحتجاز مواطنين أبرياء في جرائم ارتكبها عناصرهم دون مساءلة، بل وحمايتهم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

يرى مراقبون أن تزايد حوادث الثأر القبلي التي تستهدف مشرفي الميليشيا يعكس حالة السخط المجتمعي، ويمثل خيارًا أخيرًا للقبائل بعد فشلها في الحصول على العدالة عبر الوسائل القانونية، في ظل تعنت الحوثيين وحمايتهم للقتلة وغياب سلطة القانون.

وأشاروا إلى أن توفير الميليشيا الحماية لعناصرها المتورطين في جرائم قتل ضد المدنيين والقبائل يزيد من حدة التوتر ويدفع القبائل إلى الانتقام.