ضرورة تجريم "فبراير" ورد الاعتبار للوطن

يبدو أن الحديث عن ذكرى نكبة فبراير والاحتفال بها عاطفة لا تحتملها أوضاعنا الراهنة، أربعة عشر عاماً مرت علينا ومازلنا في صراع مع تباعتها الخبيثة والنتنة، سنين مريرة تنقضي وواقعنا اليوم يبدو شديد القسوة، مشهد الحرب بات طاغياً علينا، وخريطة الاقتتال بالغة التعقيد، حرب الكل ضد اليمن، وعلى حد وصف صديق مغربي يعمل صحفي في إحدى القنوات الفضائية، أرسل لي شارحاً عجزه عن فهم هذه الخريطة وتقلباتها، الحق أن ردة فعله تمثل رأياً عاماً غالباً ليس لدى مراقبين غربيين وعرب فقط، وإنما حتى بين يمنيين أنهكهم التشرد وضيق الحال، مابين وسائل إعلام عربية ودولية مهيمنة، وأدبيات المنظمات الدولية، يجد هؤلاء جميعاً أنفسهم محاصرين بسرديات عن " صراع دموي" نعرف كيف وصلنا إليه، حينما نصب دعاة فبراير خيمهم في الشوارع، وعن " نزاع مسلح" يتم تجهيل المسؤوليات الأساسية فيه، وعن حتميات قدرية تنتظرنا في هذه البلاد، تجعل تحررنا من قبضة الفاشيات المليشاوية مجرد فخ لوقوعنا في شرك الجماعات الدينية المتطرفة، في كل هذه السرديات تشغل ذكرى نكبة فبراير الصدارة في الحديث عن " الأزمة " اليمنية التي لا جذور لها ولا سياق سوى هذه الفوضى القذرة.

ولذلك يجب تجريم " فبراير " وكل من يلمح همزاً أو لمزاً لها، أتباع هذه الفوضى ليسوا في اليمن فقط، بل حتى خارج الحدود، متربصون بالوطن، ينتظرون كل عام هذه الذكرى للاحتفاء بسقوط صنعاء بيد ميليشيا الحوثي الإرهابية، يحتفون بإنجاب خيمهم قرود كانت تعيش في الكهوف وأوصلتهم للسيطرة على البلد وإسقاط كل مؤسسات الدولة، يجب إعلان بدء مسار محاسبة كل من خرج للساحات في فبراير ومن يحتفي بها لرد الاعتبار للوطن، وبالتوازي مع هذه الخطوة يجب تجريم كل الأحزاب التي ساهمت في هذه الفوضى وباركت خروج المخربين، على رأس هؤلاء جماعة الإخوان المسلمين" حزب الإصلاح" سياسة توحيد الصف وفتح صفحة جديدة مع هؤلاء يجب ألا تُعمم، لأنها ستجر ما هو أكبر، لا تتركوا من يناصر فبراير ولو بكلمة إلا واتخذتم اجراء قانوني ضده.

في مطلع صيف ٢٠١١م، وفي خروج خائب من أحد جوامع حي الروضه في مدينة تعز، حيث كان في هذه الأثناء يتواجد رجال الأمن على الشارع العام على مقربة من الجامع، يؤدون واجبهم لتأمين المدينة، وفي لحظة صرخ إمام المسجد الإخواني من بين الناس قائلاً: إن رحيل علي عبدالله صالح فيه خيراً كثيراً لليمن، وبأن وجود أفراد الأمن هنا هو لمحاصرتكم، ويشير بيديه إلى الحضور، وبدأت الأصوات تعلو منادية بضرورة مغادرة رجال الأمن، وتحركوا فوراً بإتجاههم وكنت أشاهدهم كيف يحاولون استفزازهم إلى أن أتوا مجموعة مسلحة أطلقوا النار بإتجاه أفراد الأمن مما أدى إلى استشهاد أحد رجال الأمن وانسحب الأفراد دون أن يطلقوا طلقة واحدة على المتجمهرين عدى طلقات في الهواء لتفريقهم، حينها كان والدي بجانبي وقال لي كلمة لم انساها للحظة، قال: ستدفع هذه المدينة ثمن حماقة حزب الإصلاح وهؤلاء الشباب المخربين، سنبكي على الرئيس صالح سنين طويلة إن استمروا على هذه الفوضى وهذا الخراب، حينها لم أكن أعتقد بأن الأمور ستجري على هذا النحو الذي تصورهُ والدي، كنت أعتقد بأن المسألة ستأخذ وقت قصير لا أكثر، إلى أن أتت جريمة جامع النهدين الإرهابية، حينها فقط أدركت بأننا مقبلين على سنين عصيبة، وبأن ما قاله والدي لي سيتحقق وقد بدت ملامحه تتشكل أمامي الآن وبسرعة كبيرة.

لا يمثل استذكار مثل هذه القصص وهي غيض من فيض، رغبة في إحياء المشاحنات أو التراشقات الإعلامية، بقدر ما هي سرديات تذكرنا بأن فبراير هو كل ما نعيشهُ اليوم من حرب وخراب ودمار واقتتال، وبأن من قادوا فبراير كانوا أداة قتل وخراب لا ينجحون على الدوام، بل يفشلون عموماً حتى اللحظة في إنجاز مشروع جامع لكل اليمنيين، لكنهم يتغيرون بين الحين والآخر، حملوا السلاح في وجه الدولة، واليوم إما هاربين في عدة دول، أو خانعين في منازلهم تحت عمامة الحوثي، ومنهم من انخرط مع مشروع الحوثي وربما بات عنصراً مهماً في هذه التوليفة التي أسقطت الدولة وذهبت بها إلى الضياع، فهل يمكن إنكار ذلك؟ علماً أن السرديات التي تختصر استحضار فبراير بالسلم فقط هي من طعنت خاصرة الدولة وسلمتها للقرود.

وبما أننا نعيش اليوم صراع وجودي مع ميليشيا الحوثي الإرهابية، هناك مواجهة أُخرى مفتوحة مفروضة على اليمنيين المؤمنين بضرورة نبذ فبراير، إنها سردية معركة الوعي في مواجهة سرديات فبراير وما خلفهُ من خراب وشلالات دماء مازالت نازفة، وفي مواجهة أيضاً سرديات تعتمد فبراير المشوة فقط توصيفاً وحيداً لاختزال حكاياتنا كلها، إنها معركة توثيق وكتابة وتدوين لحماية ذاكرتنا من السرقة والمغالطات، للتذكير بعدالة قضيتنا اليمنية ووحدة أراضينا، من المبكر جداً إعلان الهزيمة في مواجهة الفكر الظلالي لدعاة فبراير، إن فعلنا ذلك ستكون هذه خيانة كبيرة لمن رحلوا وهم يهتفون لليمن وللدولة والقانون والجمهورية في وجه المخربين دعاة يرحل النظام.

ولذا إن مجاسبة دعاة فبراير بشكل علني وتجريم فعلهم الشنيع بالوطن خطوة أولى لعقد اجتماع يمني يمني وتصحيح مسار العملية السياسية على هذا الأساس، وهذه الخطوة عدالة لا انتقام، ولذلك نطالب الشرعية وإن كانت أغلب خلفيتها من مخرجات فبراير، إصدار قوانين تجرم على وجه السرعة فبراير وكل من يتعاطف معها أو يدعوا للاحتفال بها على غرار التشريعات المعتمدة في المانيا التي تُجرم كل من يُمجد هتلر أو ينكر جرائمه.