الرؤساء الأمريكيون السابقون ومعلومات الأسرار.. تقليد هشّ أم قانون ملزم؟
أعاد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حرمان سلفه جو بايدن من الاطلاع على المعلومات السرية، الجمعة، الجدل حول طبيعة صلاحيات الرؤساء السابقين في الوصول إلى المعلومات المصنفة: هل هي حق قانوني أم مجرد تقليد رئاسي قابل للتعديل أو الإلغاء؟
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الجمعة، إلغاء التصريح الممنوح لسلفه جو بايدن والذي يخول الرؤساء السابقين الاطلاع على معلومات حساسة حتى بعد مغادرتهم المنصب. وقال ترامب على شبكته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال": "جو، أنت مطرود".
فما هو نوع المعلومات السرية التي يسمح للرؤساء السابقين الاطلاع عليها؟ ولماذا؟
في الولايات المتحدة، يشير تصريح الأمن إلى العملية التي يتم من خلالها منح الأفراد إذنا للوصول إلى المعلومات المصنفة استنادا إلى مصداقيتهم وولائهم وقدرتهم على حماية الأمن الوطني.
تُستخدم هذه العملية بشكل رئيسي للأفراد الذين يشغلون مناصب تتطلب الوصول إلى معلومات حساسة في الحكومة.
ومع ذلك، فإن الرؤساء في الولايات المتحدة لا يمرون عادة بعملية تصريح الأمن مثل باقي المسؤولين أو الموظفين الحكوميين.
باعتبارهم القائد الأعلى وأعلى سلطة في الفرع التنفيذي للحكومة، فإن الرئيس يمتلك تلقائيا الوصول إلى جميع المعلومات المصنفة اللازمة للقيام بواجباته.
باختصار، فإن الرؤساء يمتلكون بشكل طبيعي أعلى مستوى من الوصول إلى المعلومات المصنفة، لكن تصريحهم يستند إلى منصبهم وليس عملية تصريح رسمية.
هذا بالنسبة للرئيس في المنصب، لكن العملية مختلفة بالنسبة للرؤساء السابقين.
يجري عادةً منح الرؤساء الأميركيين السابقين إمكانية الوصول إلى بعض المعلومات المصنفة بعد مغادرتهم المنصب، رغم أن هذا ليس أمرا تلقائيا أو غير محدود.
بعد أن يغادر الرئيس منصبه، لم يعد يمتلك السلطة التنفيذية التي تمنحه الوصول التلقائي إلى المعلومات المصنفة، ومع ذلك، يتم عادة منح الرؤساء السابقين تصريحا أمنيا على أساس كل حالة على حدة للاستمرار في تلقي التحديثات أو الوصول إلى بعض المواد المصنفة إذا لزم الأمر من أجل الأمن القومي أو لمساعدة الإدارة الحالية.
وهناك عدة أسباب لهذه الخطوة، ومنها لضمان قدرتهم على تقديم المشورة للرئيس الحالي أو المشاركة في بعض القضايا الدبلوماسية.
يكون الوصول عادة محدودا بما هو ضروري لأغراض محددة، مثل المشاركة في مناقشات الأمن القومي أو العلاقات الدولية.
على سبيل يمكن للرؤساء السابقين الوصول إلى المعلومات التي كانت مصنفة خلال فترة حكمهم، وقد يشمل ذلك تقارير استخباراتية وعمليات عسكرية واتصالات دبلوماسية حساسة حدثت خلال فترة ولايتهم.
يمكن أيضا مشاركة المعلومات حول المفاوضات الدولية الجارية أو المعاهدات أو قضايا الدبلوماسية وكذلك استشارتهم لتقديم المشورة استنادا إلى تجربتهم مع القادة الأجانب أو الاتفاقيات الدولية السابقة.
وبعد مغادرتهم المنصب، قد يحصل الرؤساء السابقون أيضا على مستندات ومواد تتعلق بعملية انتقال الرئاسة، ويشمل ذلك التواصل مع الإدارة القادمة لضمان استمرارية العمليات الحكومية.
وقد يكون لدى الرؤساء السابقين أيضا تصريح أمني شخصي للوصول إلى المواد أو الوثائق المتعلقة بفترة حكمهم.
ومع ذلك، لا يمتلك الرؤساء السابقون وصولا غير مقيد إلى جميع المعلومات المصنفة، وللإدارة الحالية السلطة في تحديد ما هي المعلومات التي يتم مشاركتها معهم أو منعها تماما.
تقليد وليس قانونا
حتى عام 1961، لم يكن رئيس الولايات المتحدة يتلقى إحاطة يومية أو إحاطة استخباراتية، وبدلا من ذلك كان يجري اجتماعات دورية مع مجتمع الاستخبارات لتلقي المعلومات.
بعد عملية "غزو خليج الخنازير" الفاشلة التي نفذتها الولايات المتحدة في عام 1961 لقلب نظام الحكم في كوبا، طلب الرئيس آنذاك جون كينيدي الحصول على إحاطة استخباراتية يومية في جميع مجالات الاستخبارات.
وبعد اغتيال كينيدي، كان نائبه جونسون في حيرة شديدة لأنه لم يكن يعرف شيئا قبل أداء اليمين، لذلك قام بتغيير التقليد وشارك الإحاطة الاستخباراتية اليومية مع اثنين من زملائه في مجلس الوزراء من اختياره.
استمر هذا التقليد في عهد الرئيسين نيكسون وفورد لاحقا، حيث كان فورد أول رئيس يشارك المعلومات الاستخبارية مع سلفه نيكسون.
ويرجع ذلك أساسا إلى أن فورد لك يكن ملما كثيرا بالشؤون الخارجية واعتمد على خبرة نيكسون ونصائحه.
ومع ذلك لم يصبح الأمر تقليدا حتى وصول رونالد ريغان للسلة في عام 1980 عندما أصبح أول رئيس يأمر رسميا بمشاركة الإحاطة الاستخباراتية اليومية للرئيس مع الرئيس السابق جيمي كارتر.
ويعود السبب في ذلك إلى أن رونالد ريغان كان يرى أن جيمي كارتر عمل بجد من أجل إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في إيران وشعر بأنه مضطر لمشاركة المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بإيران مع كارتر، ليتوسع الأمر ببطء ويشمل أشياء أخرى.
بدأ ريغان أيضا تقليد مشاركة الإحاطة الاستخباراتية اليومية مع الرئيس المنتخب والذي كان نائبه في حينه جورج بوش الأب.
قرر بوش الأب عدم تغيير التقليد وتبادل معلوماته الاستخبارية مع سلفه ريغان خاصة فيما يتعلق بالحرب الباردة والاتحاد السوفييتي، وواصل تقليد تبادل المعلومات الاستخبارية مع خليفته والرئيس المنتخب كلينتون.
واستمر هذا التوجه، حيث تبادل كل رئيس المعلومات الاستخبارية مع سلفه ومع الرئيس الجديد المنتخب حتى فترة دونالد ترامب الأولى.
في عام 2020، منع ترامب جميع المعلومات الاستخباراتية عن الرئيس المنتخب في حينه جو بايدن لإنه لم يكن يرغب بالاعتراف بهزيمته في الانتخابات.
في فبراير 2021، اتخذ بايدن خطوة مشابهة بمنع الإحاطات الأمنية عن ترامب، فيما احتفظ الرؤساء السابقون الأخرون الأحياء وهم كل من بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما بحق الوصول للمعلومات.
والجدير بالذكر أن نواب الرؤساء السابقين لا يسمح لهم بالحصول على إحاطات أمنية.
رغم أن الرؤساء السابقين قد يُعتبرون "مستودعًا للخبرة"، إلا أن وصولهم إلى الأسرار يبقى امتيازًا وليس حقًّا، خاضعًا لإرادة الرئيس الحالي ورؤيته للعلاقة مع أسلافه. ومع تصاعد الاستقطاب، يبدو أن هذا التقليد الذي دام 40 عامًا قد يدخل قائمة "الممارسات المنقرضة" في السياسة الأمريكية.