فايننشال تايمز: إيلون ماسك يُفجّر أزمة في واشنطن.. هل يستطيع أحد إيقافه؟

كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في تقرير استقصائي تفاصيل مثيرة عن حملة التغيير الجذرية التي يقودها الملياردير إيلون ماسك عبر ما يُسمى "وزارة كفاءة الحكومة" (DOGE)، والتي تسببت في صدمة للمؤسسات الفيدرالية الأمريكية منذ دعمه عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

قبل أن يعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الشهر الماضي، بدا أن خطة أكبر داعم مالي له، إيلون ماسك، لتقليص تريليونات الدولارات من الإنفاق الحكومي الأمريكي لا تتعدى مجرد شعارات وسلسلة من المنشورات الاستفزازية على وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن خلف الكواليس، كان أغنى رجل في العالم يجند بهدوء مديرين تنفيذيين في مجال التكنولوجيا وعدداً كبيراً من المبرمجين الشباب، الذين سرعان ما قدموا صدمة لأحد أكبر الأجهزة البيروقراطية في العالم، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز".

قام مبعوثون من ما يسمى بـ"وزارة كفاءة الحكومة" التابعة لماسك باختراق وكالات حكومية رئيسية، وأقالوا أو أوقفوا عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين، وحصلوا على كميات هائلة من البيانات الحساسة في مجالات الأمن والصحة والمالية.

هجوم صادم

وعلى الرغم من أن هذه الوزارة تعتبر فرعاً مُعاد تشكيله من البيت الأبيض، إلا أن مسؤوليها نصبوا أنفسهم داخل الحكومة الفيدرالية، في وزارة الخزانة الأمريكية، ووزارتي الخارجية والصحة، وإدارة الطيران الفيدرالية، والعديد من الهيئات الأخرى الأصغر – لدرجة أن بعضهم بات ينام في المباني الفيدرالية.

وقد تم إغلاق وكالة المعونة الأمريكية (USAID) البالغة ميزانيتها 40 مليار دولار فعلياً، حيث تم إلغاء عقودها، وتقليص عدد موظفيها من 10,000 إلى حوالي 600 فقط.

وفي هجوم صادم للمشرعين البارزين، بدأ موظفو "دوج" في مراجعة تريليونات الدولارات من التحويلات المالية، وحصلوا على أرقام الضمان الاجتماعي، وتفاصيل الحسابات المصرفية، وحتى السجلات الصحية للمواطنين الأمريكيين.

وقالت مجموعة من ثمانية أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزب الديمقراطي في رسالة احتجاج إلى البيت الأبيض هذا الأسبوع: "لم يتم تقديم أي معلومات إلى الكونغرس أو الجمهور حول من تم تعيينه رسمياً في 'دوج'، أو بموجب أي سلطة أو لوائح تعمل هذه الوزارة".

انقلاب؟

وفي واشنطن العاصمة، انضم أعضاء ديمقراطيون في الكونغرس إلى الاحتجاجات ضد ماسك أمام وزارة الخزانة، حاملين لافتات كُتب عليها "أوقفوا الانقلاب" و"لم ينتخب أحد ماسك".

حتى داعمو "دوج" الأوائل اندهشوا من سرعة تنفيذها للقرارات. يقول جيمس فيشباك، المستثمر الذي قدم المشورة للوزارة عند تشكيلها في نوفمبر (تشرين الثاني): "ما تفعله دوج فاق كل توقعاتنا... إنهم يتحركون بسرعة وبإلحاح".

لكن العواقب الوخيمة لهذا الهجوم على الوكالات الحكومية بدأت تتجلى بسرعة، حيث لم تُسلّم أدوية علاج فيروس نقص المناعة البشرية في جنوب إفريقيا وأماكن أخرى، وتم تعليق تجارب سريرية لإنقاذ الحياة، وتوقفت بعض المواقع الإلكترونية الحكومية عن العمل بشكل متكرر.

يقول النائب الديمقراطي جيمي راسكين: "ليس لدينا فرع رابع للحكومة يُدعى إيلون ماسك. الهجمات على الخدمة المدنية – من مراقبي الحركة الجوية إلى مفتشي الأغذية والأدوية – تهدف إلى تقويض سلطة الكونغرس، وهي سلطة الشعب".

ماسك ضد البيروقراطية

تحوّل ماسك إلى أبرز الشخصيات التكنولوجية الليبرالية في وادي السيليكون، الذين يرون أن اللوائح الحكومية تعرقل الابتكار والأرباح.

وعلى الرغم من أن شركاته تستفيد من عقود حكومية تزيد عن 20 مليار دولار، إلا أنه طالما اشتكى من العقبات التنظيمية التي تعيق عمل "تسلا" و"سبيس إكس" وغيرهما.

وبعد أن بدأ ماسك في التبرع بـ 250 مليون دولار لحملة إعادة انتخاب ترامب، سعى للحصول على دور في تقليص حجم الدولة، محدداً هدفاً مستحيلاً بتوفير 2 تريليون دولار، أي ما يقرب من ثلث ميزانية الحكومة السنوية البالغة 6.8 تريليون دولار.

حتى بعض قادة الجمهوريين، الذين لطالما كانوا يؤيدون تقليص الحكومة، شككوا في طموحات ماسك. وعندما سئل السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل في ديسمبر (كانون الأول) عما إذا كانت "دوج" ستنجح، أجاب: "من يعلم؟".

وفي يناير (كانون الثاني)، خفض ماسك التوقعات، مشيراً إلى أن "دوج" قد تتمكن فقط من تحديد تخفيضات بقيمة تريليون دولار. ولم يمضِ وقت طويل حتى غادر فيفيك راماسوامي، الشريك في قيادة الوزارة، ومعه المستشار القانوني الرئيسي لها.

لكن أي شكوك حول مدى فاعلية "دوج" تبددت بعد الخطوات الأولى لحملة خفض التكاليف، حيث أصبح فريق ماسك بمثابة إدارة الموارد البشرية للحكومة، وعرض تعويضات مالية مقابل الاستقالة لملايين الموظفين، وألغى برامج التنوع والمساعدات والتنمية.

قوبل هذا الهجوم على الخدمة المدنية بسخط من النقابات العمالية ومنظمات الحقوق المدنية، لكنه لقي ترحيباً من أصدقاء ماسك في وادي السيليكون. يقول كيث رابوا، المستثمر التكنولوجي والداعم لترامب، والذي يعرف ماسك منذ أكثر من عقدين: "الحكومة الأمريكية أصبحت قوة مدمرة في المجتمع الأمريكي".

استراتيجية ماسك

يبدو أن "دوج" استلهمت أساليبها من قطاع الشركات الناشئة، حيث تعكس تحركاتها عن كثب تلك التي نفذها ماسك عندما استحوذ على "تويتر" عام 2022، عندما سرّح 80% من الموظفين وخفض التكاليف بشكل حاد.

حتى الرسائل الإلكترونية التي أُرسلت لموظفي الحكومة الفيدرالية لحثهم على قبول عروض الاستقالة تضمنت عبارات مماثلة لما استخدمه ماسك عند إعادة هيكلة "تويتر".

كما استعان ماسك بفريقه الداخلي الذي ساعده في السيطرة على "تويتر"، بالإضافة إلى مجموعة من المهندسين الشباب، الذين لبّوا نداءه لـ"ثوريين صغار في الحكومة ذوي معدل ذكاء مرتفع للغاية"، على استعداد للعمل لأكثر من 80 ساعة في الأسبوع.

التحديات القانونية والسياسية

على الرغم من التحركات السريعة لـ"دوج"، إلا أن خططها واجهت بعض العوائق. ففي الأسبوع الماضي، منع قاضٍ فيدرالي تسليم بيانات وزارة الخزانة إلى ماسك، كما تم تمديد الموعد النهائي لقبول تعويضات الاستقالة لبعض الموظفين بقرار من محكمة في ماساتشوستس.

كما أن المقاومة السياسية بدأت تظهر، حيث أشار ترامب نفسه إلى أن هناك حدوداً لسلطة ماسك، قائلاً: "لا يمكن لإيلون أن يفعل شيئاً دون موافقتنا"، لكنه في نفس الوقت أثنى على جهوده، قائلاً إنه "يكتشف فساداً وإهداراً هائلاً".

وفي حين أن وزارة العدل في إدارة ترامب من غير المرجح أن تتخذ إجراءات ضد "دوج"، فإن الكونغرس قد يكون العقبة الأهم أمام توسعها، خاصة إذا قررت استهداف برامج الضمان الاجتماعي أو ميزانية البنتاغون، التي يحظى تمويلها بدعم واسع في الحزب الجمهوري