خبراء يحذرون: بلجيكا "غير قادرة" على مواجهة أي عدوان ولا حماية قواعد الناتو على أراضيها
فيليب ملك بلجيكا يتحدث إلى الجنود خلال زيارة لمعسكر الملك ألبرت في ماركي أون فامين. بلجيكا في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. © أ ف ب/ أرشيف
يحذر خبراء في الشؤون الدولية والعسكرية ومراكز دراسات من أن بروكسل "غير قادرة" ولا مستعدة لمواجهة أي عدوان قد يستهدفها بما في ذلك من روسيا أو عناصر وتنظيمات إرهابية، تهدد بالمس ببنيتها التحتية والاستراتيجية بحيث توجد على أراضيها قواعد عسكرية لحلف شمال الأطلسي وأبرز المؤسسات الأوروبية، حيث إن البلاد تعد بمثابة عاصمة للتكتل.
شكّك العقيد البلجيكي المتقاعد روجر هوسن في قدرة بلاده على التصدي لأي اعتداء خارجي بما في ذلك "هجوم محتمل" من روسيا مع تصاعد التهديدات المرتبطة بالحرب في أوكرانيا، ولكن أيضا الهجمات من التنظيمات الجهادية واعتداءات أخرى مفترضة.
"محرومون من الحماية في مواجهة أي تهديد"
وقال هوسن في تصريحات لموقع 7sur7 البلجيكي : "ليس لدينا شيء. نحن محرومون بشكل كلي من الحماية في مواجهة أي تهديد".
وذكر الخبير العسكري بعض المواقع الاستراتيجية التي يمكن له أن تشكل هدفا سائغا لمثل تلك الهجمات، على غرار: ميناء أنتويرب المطل على بحر الشمال والذي يعد ثاني أكبر الموانئ الأوروبية. ومحطة الغاز الطبيعي في زيبروغ (في 2022، مر ما يقرب من ثلاثة أرباع أي 72 بالمئة من الغاز الطبيعي المسال الروسي إلى أوروبا عبره)، قائلا إن أي هجوم عليها سيحول "نصف الساحل إلى رماد". ومكملا أضاف أن المؤسسات الأوروبية أو حتى مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل ليست بمنأى من أي اعتداء.
تعقيبا، قال الخبير في العلاقات الدولية محمد رجائي بركات، من بروكسل، لفرانس24، إن الجيش البلجيكي يبدو فعلا غير قادر على حماية المؤسسات التابعة لحلف شمال الأطلسي أو الهيئات الأوروبية وحتى الدولية العديدة المتواجدة على أراضيه (مقرات البرلمان الأوروبي، مجلس الاتحاد الأوروبي، المفوضية الأوروبية، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية..)، "وذلك لأسباب عديدة منها قرار سابق للحكومة بخفض عديد أفراد الجيش البلجيكي لدواع مالية. فقد كان قبل نحو خمسة عشر عاما يزيد عن 76 ألف جندي، لكن الآن نجد أن عدده سواء من العسكريين أو العاملين المدنيين لا يزيد عن 27 ألف، يعملون داخل الأراضي البلجيكية، بالإضافة إلى نحو 2700 جندي متواجدون ضمن إطار الوفود أو البعثات العسكرية الخارجية سواء كان ذلك مع الأمم المتحدة أو غيرها".
لكن، من قد يفكر في مهاجمة بلجيكا ولماذا وكيف يمكن استهدافها؟
بالنسبة إلى إمكانية تعرض بلجيكا إلى هجوم روسي، قال روجر هوسن إن "التهديد لا يأتي فقط من روسيا" أو "أشخاص يعملون لصالحها" بل أيضا من "الذئاب المنفردة" أو من عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية". مشيرا إلى أن التطورات الحالية أتاحت اقتناء الطائرات بدون طيار بطريقة بسيطة وحتى عبر الإنترنت، بهدف "تجهيزها بشحنة متفجرة والتسبب من ثمة في كارثة كبرى في ميناء أنتويرب" على سبيل المثال.
من جانبه، يرجح محمد رجائي بركات أن بلجيكا قد تكون الدولة الأولى المستهدفة في حال اندلاع حرب نووية. نذكر هنا أن عددا من المسؤولين الروس بمن فيهم الرئيس بوتين قد ألمحوا إلى احتمال اللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل، ما يهدد بنشوب حرب عالمية ثالثة أو حتى حرب نووية في حال مضى الغرب في تسليح أوكرانيا والسماح لها بمهاجمة الأراضي الروسية.
يقول بركات في هذا الشأن إن بلجيكا تشكل فعلا هدفا من الأهداف الرئيسية "بسبب وجود مقر حلف شمال الأطلسي قرب بروكسل، وأيضا وجود قيادات القوات المسلحة للناتو وقواعده العسكرية في مدن بلجيكية أخرى". يضيف خبير العلاقات الدولية بأن "ما يزيد أيضا من إمكانية استهداف بلجيكا في حال وقوع حرب نووية، هو أيضا وجود صواريخ وأسلحة نووية تابعة لحلف شمال الأطلسي في قواعد عسكرية داخل الأراضي البلجيكية". ويرى أن "كل هذه العوامل يجب أن تدفع الحكومة إلى تخصيص أموال أكبر والمطالبة حتى عبر حلف الناتو أن يتم تأمين حماية كافية لأجوائها وأراضيها".
أين بلجيكا من خطط الناتو وترتيباته الدفاعية؟
في ظل هذا السياق، وبحثا عن الحلول الكفيلة بالتصدي لأي اعتداءات، دعا روجر هوسن إلى عدم الاعتماد فقط على نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي باتريوت مثلما يريد النائب وعمدة أنتويرب بارت دي ويفر الذي دُعي إلى تشكيل الحكومة الجديدة، "لأن هذه المنظومة تحمي فقط من التهديدات متوسطة المدى" وقد تكون عاجزة خصوصا في ظل الهجمات المستحدثة بالطائرات المسيّرة، بل وجب حسب رأيه "اعتماد نظام دفاعي جوي حقيقي لحماية البنى التحتية الحساسة" من كافة أشكال الهجمات من ذلك: "القبة الحديدية التي تعتمد عليها إسرائيل لمواجهة الصواريخ والطائرات والمسيّرات"، مشيرا إلى أن التكلفة المالية الباهظة تناهز عشرات المليارات من اليورو، ما يتطلب اتخاذ "قرار سياسي".
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي محمد رجائي بركات أن تصريحات بارت دي ويفر حول قضايا الدفاع تتناسب وتتلاءم مع ما قاله العديد من الخبراء العسكريين. وقال محاورنا إنه وفي "حال نشوب حرب، لن يتمكن الجيش البلجيكي من تأمين الحماية الكافية نظرا لعدم توفر الإمكانيات سواء الصواريخ المضادة للطائرات مثل باتريوت وغيرها، حتى إن سلاح الجو البلجيكي لا يملك عددا كافيا من الطائرات المقاتلة".
وتحسبا لتداعيات الحرب في أوكرانيا وسط كل هذه التهديدات المستعرة، سعت بروكسل إلى مراجعة موقفها الدفاعي وخطط التسلح والإستثمار العسكري. في هذا الشأن، أوضح المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI وهو مركز استشاري بحثي مستقل مقره ألمانيا ويصدر مجلة فصلية بالعربية والإنكليزية، في دراسة نشرها في يوليو/تموز، بأن بلجيكا "تعهدت في 11 مارس/آذار 2022 برفع الإنفاق العسكري ما بين 2 إلى 2.5 بالمئة عوض 1.3 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وخصصت مليار يورو لزيادة قدراتها الدفاعية لتحسين مستوى الاستعداد والاستجابة الدفاعية خلال الفترة من 2022 وحتى 2024".
فقبل بدء الغزو في 24 فبراير/شباط، كانت بروكسل لا تزال تعيش في أجواء ما بعد "انتهاء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي سابقا. حيث لم تجد الحكومة البلجيكية من مانع لتقليص الميزانية العسكرية إلى حد ما، والقدرات الحربية، لكن الأوضاع الحالية تغيرت خصوصا بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا" وفق محمد رجائي بركات.
لكن هل التزمت بلجيكا بهذا التعهد وسعت إلى استباق أي طارئ تفرضه الحرب التي باتت على أبواب أوروبا؟ ينفي بركات ذلك قائلا إن "بلجيكا لا تطبق ولا تحترم حتى الآن المعاير التي وضعها حلف شمال الأطلسي وهي تنفق نحو 2 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي لأغراض دفاعية وهذا ما لم يحصل حتى الآن. إذ لا يتم إنفاق سوى نسبة أقل من 2 بالمئة فقط" لتطوير القطاع الدفاعي.
للإشارة، دعا قائد الجيش البلجيكي الأدميرال ميشيل هوفمان في 30 سبتمبر/أيلول 2022، لمناقشة إعادة الخدمة العسكرية "خوفا من تمدد النفوذ الروسي ولمواجهة أي تهديدات محتملة للأراضي الأوروبية"، حسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.
وأفاد هوفمان، وفق نفس المصدر، بأن بلجيكا احتلت "الترتيب ما قبل الأخير في تصنيف الإنفاق العسكري الذي وضعه الناتو لعام 2023".
وعلى الصعيد العالمي، تحتل بلجيكا المرتبة 70 من بين 145 في ترتيب الجيوش، وفق تصنيف الموقع الأمريكي غلوبال فاير باور Global Firepower لعام 2024.