نص رسالة الإعتراض التي قدمها الرئيس صالح إلى الأمم المتحدة بشأن العقوبات

نشرت مؤسسة البيت القانوني "سياق" وباللغتين العربية والإنجليزية، الاعتراض والرد القانوني للرئيس السابق للجمهورية اليمنية/ علي عبد الله صالح، على العقوبات الأممية.

وقالت المؤسسة: إن الرد الذي تم إعداده من قبل المستشار الخاص للقانون الدولي، بالتعاون والمتابعة من قبل مؤسسة البيت القانوني، أتى ليؤكد للجميع بطلان وانعدام قرار لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن، بل ولانعدام قرار تشكيل لجنة العقوبات وإنشائها والذي لا يعد من اختصاص مجلس الأمن الدولي.

وأشارت المؤسسة في بيانها الصادر السبت الموافق 6 ديسبمر2014 أنها تأمل أن يصل هذا الاعتراض إلى جميع الدول والمنظمات المعنية للقيام بدورها في أهمية الإقناع بضرورة التزام هيئة الأمم المتحدة ومكوناتها وأجهزتها، بالتقيد بالاختصاصات المحددة في ميثاق الأمم المتحدة، وعدم تجاوزها أياً كانت الأسباب.

وفيما يلي تعيد "المنتصف" نص الاعتراض والرد القانوني للرئيس السابق للجمهورية اليمنية علي عبدالله صالح، باللغتين العربية والانجليزية:

صنعاء في 20 نوفمبر 2014.

السيد المحترم/ رئيس مجلس الأمن
السادة المحترمون/ أعضاء مجلس الأمن
السيد المحترم / أمين عام الأمم المتحدة
نيـــويورك


-تحية لكم وللهيئة العالمية للأمم المتحدة التي قامت من أجل تحقيق السلم والأمن الدوليين ودعم أوجه التنسيق والتعاون بين الدول، في ظل الاحترام الكامل لأحكام القانون والالتزام التام بإحقاق العدل ورفض الظلم.

- لقد فوجئت وفوجئ شعب اليمن بقرار لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن، الصادر في 7 نوفمبر 2014، بفرض جزاءات علىَ وعلى اثنين آخرين، بزعم قيامنا بأعمال، "تهدد سلام واستقرار اليمن وتعرقل العملية السياسية في هذا البلد الشرق أوسطى الفقير الذي يعانى أزمة اقتصادية وسياسية خانقة"!!

- لقد وافقت لجنة العقوبات على إدراج أسمائنا في القائمة السوداء، وخضوعنا لحظر عالمي على السفر وتجميد أصولنا وأموالنا، الأمر الذي يعنى حرماننا من حق الحصول على تأشيرات دخول لأي من بلدان العالم، وأن يمتد التجميد للممتلكات أينما وجدت، بما يتنافى مع كل ما هو ثابت ومستقر في مواثيق وإعلانات الحريات وحقوق الإنسان.

- ومما يؤسف له، أن يصدر مثل هذا القرار بعد ساعات من الخروج التلقائي لآلاف المواطنين من اليمنيين – في صنعاء العاصمة ومختلف المدن اليمنية – معلنين، في ضيق وسخط وبحماس منقطع النظير، رفضهم التام لأية عقوبات يمكن أن تصدر من اللجنة ضديّ، بعد أن كانت الأنباء قد ترددت عن اجتماع اللجنة ودراستها لطلب أمريكي مقدم إليها، واحتمال فرض عقوبات ضد رئيسهم السابق، رئيس حزب "المؤتمر الشعبي العام" حالياً، صاحب الأغلبية في البرلمان والمعبر عن الطموحات الشرعية لشعب اليمن، والذي آثر أن يتنازل طواعية عن السلطة ويبتعد عنها تماماً، ليجنب بلده ويلات صراعات وانقسامات لا تؤدى إلا إلى التدمير والفوضى، ومعلياً مصلحة وطنه وشعبه وأمن بلده وحياة مواطنيه على أي اعتبار آخر، مقدِّماً بذلك أنموذجاً للحاكم المتفاني في خدمة وطنه، الزاهد في أبّهة الحكم ومزاياه، والذي لا يرى سعادته إلا في رضا شعبه وتوجهه نحو العمل الجاد، من أجل التطوير والإصلاح.

- لقد استندت لجنة العقوبات، فيما فرضته من جزاءات، إلى قرار سابق لمجلس الأمن، هو القرار 2140 لعام 2014، وما نصت عليه الفقرة 19 فيه من إنشاء لجنة عقوبات تابعة للمجلس، تتولى رصد تنفيذ التدابير المفروضة في الفقرة 11(تجميد الأموال والأصول المالية) والفقرة 15 (حظر السفر)، بهدف تعزيز تنفيذ هذه التدابير من جانب الدول الأعضاء وتيسير ذلك التنفيذ وتحسينه، كما تقوم بالبحث عن المعلومات المتعلقة بالأشخاص والكيانات الذين قد يكونون شاركوا في أعمال تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن، أو يقدمون الدعم لتلك الأعمال، والتي قد تشمل على نحو ما جاء في الفقرة 18 من القرار عمليات عرقلة أو تقويض نجاح عملية الانتقال السياسي، على النحو المبين في مبادرة مجلس التعاون الخليجي والاتفاق المتعلق بآلية التنفيذ، وكذلك عمليات إعاقة تنفيذ النتائج التي توصل إليها التقرير النهائي لمؤتمر الحوار الوطني الشامل عن طريق القيام بأعمال عنف أو شن هجمات على البنية التحتية، فضلاً عن عمليات التخطيط لأعمال تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي، أو أعمال تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان أو توجيه تلك الأعمال أو ارتكابها في اليمن.

- وإذا انتقلنا إلى الحيثيات التي استندت عليها العقوبات، تجدون أنها لا تتضمن ما يوحي بجديتها وسنبين لكم ذلك لاحقاً, وهذه الحيثيات تقول:

1ـ أنني قد انخرطت في عمليات تهدد السلم والأمن أو استقرار اليمن، ومن بينها ما يعوق تطبيق اتفاق 23 نوفمبر لعام 2011 الموقع بين حكومة اليمن ومعارضيها، الذي يهيئ لعملية انتقال سلمية للسلطة في اليمن، وأنني قد تصرفت بما يعوق العملية السياسية في اليمن.

2ـ أنني أصبحت خلال عام 2012 واحداً من أوائل الداعمين لعنف الحوثيين في شمال اليمن.

3ـ أنني في سبتمبر 2014 عملت على زعزعة استقرار اليمن من خلال استخدام آخرين لتجاهل الحكومة المركزية وخلق مناخ التهديد وعدم الاستقرار.

4ـ أنني – وفقاً لقرار صادر من مجموعة خبراء الأمم المتحدة لليمن في سبتمبر 2014 – أساند عمليات العنف التي يقوم بها بعض اليمنيين من خلال مدهم بالأموال والدعم السياسي.

5ـ أنني – وفقاً لقرار الخبراء السابق الإشارة إليه – قمت باستخدام "القاعدة" في الجزيرة العربية للقيام بعمليات اغتيالات واعتداءات على منشآت عسكرية، بهدف إضعاف الرئيس هادى وخلق مناخ عدم رضا داخل الجيش والسكان المجاورين لهذه المنشآت.

6ـ أن الاشتباكات التي حدثت في جنوب اليمن في فبراير 2013 كانت نتيجة جهود مشتركة لي مع تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية ومع على سالم البيض (أحد دعاة انفصال الجنوب)، بهدف إحداث اضطرابات قبل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني في اليمن يوم 18 مارس 2013.

السيد المحترم/ رئيس مجلس الأمن
السادة المحترمون / أعضاء مجلس الأمن
السيد المحترم / أمين عام الأمم المتحدة


- إنه من المؤسف حقاً أن تأتى الاتهامات بهذه الصورة المرسلة، من خلال كلام عام، لا يتضمن أي ذكر أو إشارة إلى أفعال محددة أو وقائع ثابتة أو تصرفات يقينية. وإن قرار المجلس وما صاحبه من حيثيات لا يحتويان على آية أدلة بل ولا أي دليل واحد يمكن الاستناد عليه أو الاطمئنان إليه، يصلح أن يكون ركيزة للجزاءات التي جرى توقيعها أو على الأقل يمكن اعتباره مبرراً للحديث عن عقوبات.

على أن الأكثر غرابة وإيلاماً في نفس الوقت أن يرتب المجلس جزاءات لا يجوز أن تفرض إلا إذا كانت عقاباً على عمليات محددة ارتكبت وتم الاعتراف بها، أو ظهرت واضحة للعيان، أو جاءت الآثار المترتبة عليها معبرة عمن قاموا بها، خاصة عندما يكون الجزاء قاسياً، شديد الوطأة، يمس صميم الحريات أو يغتصب الحقوق، فينال من الحدود الدنيا للحريات وحقوق الإنسان...أي إنسان... وفى كل مكان... الحق في التنقل والحق في التملك وحرمة الأموال والممتلكات الخاصة وحرية التصرف فيها وعدم جواز المساس بها بأية صورة من الصور!!

-إنني أدعوكم أن تتأملوا معي نصوص حيثيات المخالفات المنسوبة إليّ، لتتأكدوا من عدم صلاحية أيَ منها لترتيب أثار عليه، وعدم استنادها جميعاً – بلا استثناء - لأي دليل:

1ـ فما معنى أنني شاركت في عمليات تهدد السلم والأمن واستقرار اليمن؟ أي عمليات هذه، وفى أي زمان تمت؟ وفى أي مكان وقعت؟ ومن الذي خطط لها أو اشترك فيها؟ وماذا ترتب على أيّ منها؟ لو أفادنا أحد بواحدة منها، فإننا على أتم استعداد لكشف زيف ما قد ينسب إلينا. وما معنى أنني ساهمت في إعاقة تطبيق اتفاق 23 نوفمبر 2011 وكذا العملية السياسية في اليمن؟ ألا يعلم مجلس الأمن أنني أنا من وقعت على هذا الاتفاق وهو اتفاق المبادرة الخليجية التي أقرها مجلس الأمن وكنت أول من التزم بها وبآليتها التنفيذية.
فأرجو أن تمدونا بالدليل، بأي دليل؟ أذكروا لنا تصرفاً واحداً يمكن أن ينطبق عليه الوصف السابق، أو آتوا لنا بشهادات موثقة من أيً من الشرفاء بمواقف اتخذناها، ألم تقم اللجنة التي أناط بها مجلسكم تحري الأوضاع في اليمن بمتابعة مختلف التطورات والتصرفات، كما التقت بعدد ممن لهم علاقة مباشرة بالأحداث التي تجرى في اليمن؟ فهل أفادت بإجابات محددة على ما سبق الإشارة إليه؟ ثم ألم يكن من المقرر – واللجنة لم تنه أعمالها بعد – أن تعاود الاتصال واللقاء في فبراير 2015؟ فلماذا هذه السرعة في إصدار القرارات وتوقيع الجزاءات، قبل أن تفرغ اللجنة المختصة من إتمام أعمالها، وعرض نتائج اتصالاتها وتحقيقاتها؟

2ـ ثم كيف ينسب لمن تنحى طواعية عن الحكم تجنباً لأحداث عنف قد تنشب بين أبناء الوطن الواحد، أنه كان في عام 2012 من أوائل الداعمين للعنف في شمال اليمن؟ أفيدونا: ماذا فعل؟ أو ماذا قال؟ أو بماذا تصرف؟ حتى يكون لهذا الزعم مصداقية أو حتى مجرد شبهة!

3ـ وعلى نفس المنوال تنسبون إليّ أنني عملت مع آخرين على تجاهل الحكومة المركزية وخلق مناخ عدم استقرار. وأتساءل في عجب واندهاش: كيف يمكن أن يمثل هذا القول حيثيات اتهام؟ فأنا لم أتعامل – منذ ترك الحكم – مع الحكومة المركزية، ولم يكن لي معها أية معاملات حتى يمكن الحديث عن تعاون أو تجاهل!

4ـ ثم يأتي الزعم بأن مجموعة خبراء الأمم المتحدة التي قررت في سبتمبر 2014 أنني أساند العنف من خلال مد البعض بالأموال والدعم السياسي. وأنتم تعلمون قبل غيركم ومثل غيركم، في داخل اليمن وخارجه، أنني عملت مدى حياتي في هدوء وسلام، ولم أؤيد في أية لحظة استخدام العنف، مهما كان موقفي من تصرف ما. ولم يعرف عني ولم تذكر واقعة واحدة عني تتعلق بتمويل عمليات عنف. لقد كنت وسأظل دائماً مع استقرار اليمن ودعم مؤسساته الشرعية، ولعل موقفي وزملائي أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام، داخل البرلمان وخارجه، خير دليل على صحة ما أقول.

5ـ ثم تصل قمة الافتراءات بزعم باطل، مفضوح، بأنني استخدمت "القاعدة" لتنفيذ عمليات اغتيالات واعتداءات لإضعاف الرئيس هادي وإثارة السخط داخل الجيش... كيف طاوعتكم نفوسكم أن تقبلوا أن تكتب هذه الأكاذيب في وثائق تصدر عن مجلس مهمته الأولى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، على ركيزة من الإجراءات والتدابير التي لا تقوم إلا على الحقائق الثابتة والوقائع اليقينية!!

6ـ وعلى نفس المنوال يأتي الزعم بأن اشتباكات جنوب اليمن في فبراير 2013 ترجع لجهود مشتركة لي مع تنظيم "القاعدة" في الجزيرة العربية ومع "على سالم البيض".. وهنا نصل إلى قمة الافتراءات واختلاق الأحداث، ويصل الخيال إلى أقصى مداه، مما يكشف عن زيف لا أساس له، وزعم لا سند له، ولا يستحق أن نعيد ذكره أو نناقشه، وبمعنى آخر إنه قول غير جدير بأي تعليق!!

السيد المحترم/ رئيس مجلس الأمن
السادة المحترمون / أعضاء مجلس الأمن
السيد المحترم / أمين عام الأمم المتحدة


- وبغض النظر عن الاعتبارات الموضوعية السابق بيانها، والتي لا تؤدى إلا إلى نتيجة واحدة هي بطلان القرار وما تضمنه من توقيع جزاءات، لعدم صحة الأسباب التي قام على أساسها – على النحو السابق توضيحه تفصيلاً – فإننا إذا اقتصرنا على الاعتبارات القانونية وحدها التي قام عليها القرار، سنجد أن توقيع هذه الجزاءات ليس باطلاً فحسب، بل ومنعدم أيضاً.

ذلك أن لجنة العقوبات لا تملك أن توقع جزاءات على أشخاص طبيعيين (أفراد)، وإنما هي تستطيع أن تقررها في مواجهة الدول، لأن الدول هي وحدها المخاطبة بكل ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة، وبكل ما تقرره أجهزة الأمم المتحدة ولجانها، ولا توجد صلة مباشرة بين اللجنة المذكورة، بل ولا مجلس الأمن نفسه الذي أنشأها، وبين أفراد – أياً كانت مواقعهم – في دولة من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة!

- لقد قامت هيئة الأمم المتحدة لتضم دولاً – أي أشخاص اعتبارية عامة دولية -، وهى تعمل من خلال أجهزة رئيسية وفرعية ولجان نوعية، واختصاصها قاصر على النظر فيما يتعلق بالدول، وما يصدر عنها لا يكون موجهاً إلا إلى الدول، وإن فرضت جزاءات فلا تكون إلا في مواجهة الدول. إنها لا تعرف الأفراد ولا الهيئات الداخلية في مختلف الدول، ولا يمكنها أن تتوجه بالحديث المباشر معهم ولا إلى توقيع الجزاء على أيً منهم، وأقصى ما يمكنها أن تفعله هذه اللجان أو مجلس الأمن نفسه هو إصدار قرارات أو توصيات للدول، قد تتضمن أموراً متعلقة بأفراد فتصبح هذه الدول هي وحدها المناط بها التنفيذ، والمسئولة وحدها عن مخاطبة الأفراد المنتمين لها، ومتابعة اتخاذ التدابير في مواجهتهم.

ولا يمكن التعلل هنا بادعاء أن لجنة العقوبات قد استمدت شرعية قيامها وتحديد مهامها واختصاصاتها من مجلس الأمن نفسه مباشرة، وأن هذه الاختصاصات قد تضمنت صراحة صلاحية توقيع الجزاءات كما وردت في قرار المجلس تفصيلاً. ذلك أن مجلس الأمن نفسه – كجهاز رئيسي من أجهزة الأمم المتحدة – لا يملك مخاطبة الأفراد ولا توجيه توصيات لهم ولا توقيع جزاءات عليهم، وكافة نصوص ميثاق الأمم المتحدة - وعلى وجه الخصوص أحكام الفصل السادس الخاص بسلطة المجلس في حل المنازعات بين الدول سلمياً والفصل السابع الخاص بما يمكن أن يتخذه من أعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به - واضحة الدلالة في أن المجلس لا يخاطب إلا الدول، وأنه لا تعامل له – بأي حال – مع أفراد أو هيئات تابعة لهذه الدول.

ولسنا في حاجة أن نؤكد أنه إذا كان مجلس الأمن نفسه لا يملك مخاطبة الأفراد، فمن باب أولى لا يملك أن يكون لجنة تملك هذه المخاطبة، أو تستطيع أن توقع جزاءات على هؤلاء الأفراد. ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه. ولا يمكن للمجلس - مهما كان تسليمنا بأهمية دوره وخطورته – أن ينشىء آية لجنة تملك اختصاصاً لا يملكه هو نفسه.

إن هذا المبدأ القانوني الأساسي من مبادئ القانون الدولي لا يمكن التشكيك فيه، وتؤيده العديد من قرارات الأمم المتحدة، وأحكام القضاء الدولي، وآراء كبار الفقهاء.

- إننا لا نشكك في سلطات مجلس الأمن فيما يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، كما لا يمكن أن نناقش حقه في تشكيل لجان تعينه على أداء وظائفه ويحدد لها مهامها والتدابير التي يتعين أن تتبعها والتوصيات أو القرارات التي يمكن أن تنتهي إليها، ذلك أن مجلس الأمن هو الجهاز الرئيسي المسئول عن الحفاظ على الأمن ويملك من وسائل التدخل الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية ما يمكًنه من أداء دوره. ولكن هذا كله منوط بأن يتم في الإطار القانوني السليم، ودون مخالفة للقواعد القانونية الثابتة من أنه مجلس مكون من الدول في إطار هيئة عالمية لا تضم إلا الدول، وكل ما يصدر عنه من قرارات أو توصيات أو تدابير، لابد أن يكون في مواجهة "دول" فقط. وليس له بأي حال أن يتجاوز دولة ما ليتوجه مباشرة بالحديث أو التوصية أو القرار أو توقيع الجزاء على أيً من المواطنين المنتمين لها.

وكم من قرارات صدرت عن مجلس الأمن، وعن باقي أجهزة الأمم المتحدة الرئيسية والفرعية: جمعية عامة – مجلس اقتصادي واجتماعي – محكمة العدل الدولية... إلخ، وكانت تمس بطريق مباشر بعض الأفراد ولكنها صدرت في مواجهة الدول التي ينتمون إليها وليس في مواجهة أي فرد.

ثم إنه من المسلم به أن "مبدأ سيادة كل دولة على إقليمها ومواطنيها" يعتبر أول المبادئ الأساسية التي تقوم عليها كافة قواعد القانون الدولي. الأمر الذي يجعل سلطات الدولة وحدها – وعلى الأخص السلطة القضائية – هي صاحبة الحق في التحقيق وتوجيه الاتهام والإحالة للمحاكمة وتوقيع الجزاء على مواطني الدولة. ويعتبر إخلالاً جسيماً بسيادة الدولة واعتداءً خطيراً على استقلالها أن تتم أي صورة من صور المساءلة السابق الإشارة إليها في مواجهة أحد المواطنين من قبل أية منظمة دولية، حتى لو كانت الأمم المتحدة أو جهازها الرئيسي مجلس الأمن أو لجنة عقوبات متفرعة من المجلس!

ومن ناحية أخرى، فإن ميثاق الأمم المتحدة يقوم على مبدأ رئيسي يعتبر من أهم مقومات الهيئة وأجهزتها المختلفة، وهو عماد تحركها في كل ما تباشره من مهام وما تصدره من قرارات وتوصيات، ونعني بذلك مبدأ "عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول".

ودعونا نتساءل: ألا يعتبر صدور قرار لجنة العقوبات التابعة لمجلسكم بفرض جزاءات على مواطن يمنى صالح، خدم وطنه وما زال، وضحى من أجله وما زال، مع تجاهل سلطات النيابة العامة والقضاء في اليمن، مساساً خطيراً بسيادة الدولة، وتدخلاً صارخاً في شئونها الداخلية!!

السيد المحترم/ رئيس مجلس الأمن
السادة المحترمون / أعضاء مجلس الأمن
السيد المحترم / أمين عام الأمم المتحدة


إن المجتمع الدولي عندما أراد أن يواجه الجرائم الأشد خطورة، مثل جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم العدوان، والتي قد يكون ارتكابها قد تم من مسئولين في دولة ما، وثقة منه أن هذه المواجهة ضد هؤلاء الأشخاص تخرج من نطاق مهام واختصاصات مجلس الأمن، دعا الدول إلى إبرام اتفاقية دولية خاصة، أنشأ بمقتضاها المحكمة الجنائية الدولية، وأناط بها وحدها حق مساءلة ومحاكمة الأفراد في ظل شروط وضوابط معينة. وقد أتاحت هذه الاتفاقية لمجلس الأمن أن يحيل إلى المدعي العام للمحكمة أية جريمة من الجرائم المشار إليها ومرتكبيها. أليس في ذلك دليلٌ قاطعٌ على أنه لا يجوز أن تتم مساءلة الأفراد إلا أمام هذه المحكمة، وبشرط أن تكون الدولة التي ينتمي إليها المتهم المراد محاسبته قد انضمت إلى الاتفاقية المشار إليها وأصبحت طرفاً فيها، وهنا ينعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية وحدها، دون أية منظمة أجنبية دولية أخرى مهما كان قدرها؟

وإذ أصل إلى نهاية رسالتي، فإنني أثق أنها قد أوضحت – في جلاء – أن العقوبات التي تم فرضها عليَّ لا تقوم على أي أساس من الواقع أو القانون:

(1) لقد استندت إلى كلام عام لا يصلح – بأي حال – بأن يكون دليل اتهام، أما ما تمت الإشارة إليه من حيثيات وقت صدور القرار، فقد تم تفنيدها رغم ضعفها الشديد، على نحو تفصيلي، ضربها في مقتل، على النحو السابق بيانه، ليصبح باطلاً كل ما بني على باطل.

(2) وإذا اقتصرنا على الاعتبارات القانونية وحدها، فإن بطلان القرار يظهر جلياً في الشطط الخطير من قبل لجنة العقوبات، التي تجاوزت دورها ومسئولياتها وتخطت المخاطبين بأحكامها – وهم الدول – لتتعامل مع الأفراد مباشرة، الأمر الذي يفقد قراراتها أي شرعية، ويبطلها بطلاناً مطلقاً، بل ويجعلها في حكم المنعدمة. كذلك فإن عدم الشرعية تمتد إلى قرار مجلس الأمن نفسه بإنشاء اللجنة المشار إليها، بما تضمنه من تحديد لمهامها واختصاصاتها بالمخالفة لمبادئ وأحكام القانون الدولي، ليصير بدوره باطلاً بل ومنعدماً، خاصة عندما يتناقض تناقضاَ كلياً مع مبادئ القانون الدولي المستقرة التي تمثل حجر الزاوية في العلاقات الدولية، مثل مبدأ احترام استقلال وسيادة كل دولة، ومبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول.

إن الرجوع إلى الحق، خير من التمادي في الباطل. وعليه فإنكم مطالبون بتصحيح الخطأ والنزول على حكم القانون، وذلك بمراجعة القرار، إعلاءً للشرعية، واحتراماً للحقوق، ورفعاً للظلم.

مــــــع التحيـــــــة

على عبد الله صالح

رئيس حزب "المؤتمر الشعبي العام"

الرئيس السابق للجمهورية اليمنية
===================================/

*قراءة النسخة الانجليزية