تفجير مسجد دار الرئاسة.. الذكرى الثانية عشرة لمشروع اغتيال النظام الجمهوري في اليمن

تحل الذكرى الثانية عشرة لاغتيال الدولة، والنظام الجمهوري في اليمن، بمحاولة شركاء الإرهاب في البلاد اغتيال رئيس الجمهورية وكبار قيادات الدولة في بيت الله بدار الرئاسة في العاصمة صنعاء، فكانت هذه الجريمة هي أول طلقة صوبها الإرهابيون نحو الجمهورية، واستمرت تباعاً بتصويب رصاصاتها إلى أن آلت إلى وطن ممزق وشعب يتسول فتات المنظمات..

في الثالث من يونيو 2011، وفي أول جمعة من شهر رجب الحرام، سجّل حلفاء الإرهاب حضورهم بكل وحشية في أكبر جريمة إرهابية شهدها اليمن، والمنطقة العربية خلال العقود الأخيرة، باستهداف كبار قيادات الدولة، إثر تفجير مسجد دار الرئاسة، الذي راح ضحيته أكثر من 14 شهيدا من المصلين وعشرات الجرحى على رأسهم رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح، ورئيس مجلس الشورى، ورئيس مجلس النواب، ورئيس الحكومة وقيادات الدولة، وبالتزامن مع التفجير صدحت تكبيرات قواعد الإخوان المسلمين في ساحات الاعتصام التي استولت عليها جماعة التنظيم وشركاؤها، أمام جامعة صنعاء.

ويرى مراقبون في حديث لوكالة خبر، أن تفجير مسجد دار الرئاسة، في جمعة رجب، عكس حجم الوحشية والإجرام لدى الجماعات المنفذة لعدم مراعاتها حرمة الشهر أولاً، وثانياً، تبعات انزلاق البلاد في مستنقع الدم، حال نجاح هذا المخطط، الذي يعني إسقاط كامل النظام بتصفية كامل أركانه، ودخول البلاد في فراغ دستوري، يفتح الشهية أمام الفوضى الخلاقة، وهي المشروع الذي تبنته جماعة تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن.

في هذا الصدد يقول محللون سياسيون لوكالة خبر، إن جماعة الإخوان استغلت اعتصامات الشباب في فبراير من العام نفسه (قبل تفجير مسجد الرئاسة بأربعة أشهر)، والمطالبة بالإصلاحات المالية والإدارية والوظيفية، لتركب موجتها، وتطالب بشكل مباشر بـ"إسقاط النظام" الذي كانت شريكا فيه، ليس لسبب، إلا لأن مشروعها لا يستطع التعايش مع دولة النظام والقانون، ولذا عملت جاهدة على تجريف واذابة مشروع الشباب، وكرست جهودها الدموية في تنفيذ سلسلة جرائم باسناد حليفها الأبرز مليشيا الحوثي، وهو ما دأب عليه الطرفان بصورة مستمرة، كل في مراحل لاحقة حتى أوصلا البلاد إلى ما هي عليه اليوم دون أن يرف لهما جفن.

إطلاق سراح متورطين

في حين يؤكد عدد من الشبان الذين كانوا في ساحة الاعتصام أمام بوابة جامعة صنعاء، أن جماعة الإخوان في "حزب الإصلاح"، ركبت موجة مطالبهم الشبابية العفوية، وحرفت مسارها بعد أن حشدت ودفعت بالمئات من عناصرها إلى الساحات، واوكلت إليهم مهام التصعيد، بدءاً باغلاقهم أبواب كليات جامعة صنعاء في وجوه الدارسين، ونصب الخيام أمام المحال التجارية لشل حركتها، والاصطدام المتكرر مع رجال الأمن في الحواجز الأمنية أثناء تسيير المسيرات، ومحاولة مداهمة عدد من الوزارات والمرافق الحكومية، حد استهداف شبان في المسيرات الشبابية برصاص قناصتها ومجنديها لغرض التصعيد وخلق توتر بين المعتصمين والنظام، وعند فشلها في كل ذلك لجأت لأكثر الطرق وحشية، وهي استهداف قيادات الدولة بصورة مباشرة ووحشية في مسجد دار الرئاسة.

فداحة الجريمة، قوبلت بادانات واسعة، محلية ودولية، على رأسها مجلس الأمن الدولي، الذي اعتبرها جريمة دولية، وأصدر قراراً صفنها جريمة إرهابية، بالمقابل استوفت النيابة العامة التحقيقات في الجريمة وضبط المتهمين وتثبيت اعترافاتهم وجمع الأدلة والبراهين والقرائن، وأودع بعضهم السجن على ذمة القضية.

وبعد نحو عامين من الجريمة، كان تنظيم جماعة الإخوان قد استكمل السيطرة على بعض مفاصل الأجهزة القضائية، ليقوم في 13 يونيو 2013 بإطلاق سراح 17 من المتورطين في جريمة التفجير، وهو الإجراء الذي فضح نفسه فيه قبل اثارته موجة سخط لدى أهالي الضحايا وأبناء الشعب اليمني.

بالإضافة إلى ذلك تورطت قيادات إخوانية بتهريب بعض المتهمين الرئيسيين في تنفيذ الجريمة خارج اليمن في عملية مفضوحة، تعيق سير العدالة في القضية.

تحالف إخواني حوثي

جريمة تفجير مسجد دار الرئاسة، وبقدر ما كانت اللبنة الأولى للمشروع الدموي بين الحلفاء (الإخوان والحوثيين)، كانت هوة الطمع في الانفراد بالسلطة تتسع لدى كليهما، إلا أن أبعاد التحالف لكليهما حفظ لهما "شعرة معاوية".

‏وبرز هذا التحالف جليا في أكتوبر 2019م (أي بعد قرابة عامين على استشهاد الزعيم صالح في انتفاضة 2 ديسمبر التي دعا إليها وقادها ضد مليشيا الحوثي من قلب صنعاء)، عندما أفرجت المليشيا المدعومة إيرانياً عن 5 من المتهمين بالتفجير، والموقوفين على ذمة القضية المنظورة أمام القضاء اليمني، وسلمتهم إلى قيادات حزب الإصلاح في مأرب ضمن ما أسميت بعملية تبادل الأسرى بينها والقوات العسكرية في مدينة مأرب التابعة لحزب الإصلاح.

إبرام صفقة تبادل أسرى، مقابل متهمين بقضايا إرهاب تم اعتقالهم قبل سنوات من الحرب التي أبرمت الصفقة تحت ظلالها، كشف عن مشهد جديد في مسار التحالف والتخادم الخفي الذي يدار بين الطرفين.

وتتجلى أهداف هذا التعاون بحالة التشظي الحاصل في البلاد، وما الاحتراب العلني بين الطرفين إلا سباق في جني مكاسب أكثر، وهي المكاسب التي تسقط من قائمتهما مصالح الوطن والشعب الذي يدفع طيلة ثماني سنوات من التجويع الممنهج والسكينة المفقودة ضريبة الشعارات الرنانة التي وقع ضحيتها.

ويجمع المراقبون على أن مشروع إسقاط الدولة بدأ عسكريا منذ تفجير دار الرئاسة في يونيو 2011م، وبدون حالة الفوضى لا يمكن لمثل هكذا جماعات دموية النمو والتكاثر، وهو ما يجعلها تعمل جاهدة على عدم تغيير الواقع إلى الأفضل، حتى بعد أن أصبح أكثر من ثلثي السكان يتسولون فتات مساعدات المنظمات الدولية.