الأتراك يستذكرون "مأساة التسعينات" ومخاوف من "زلزال إسطنبول"

بعد 23 عاما من الزلزال الذي ضرب دوزجه التركية في الثاني عشر من نوفمبر 1999 شهد السكان في هذه المدينة "لحظات مرعبة" مع بزوغ فجر يوم الأربعاء. في الأول فقد 845 شخصا حياتهم بينما أصيب ما يقرب من 5 آلاف شخص، أما في الثاني ورغم اقتصار الخسائر على وفاة رجل وإصابة 93 آخرين والماديات، إلا أن ذلك لم يغيّب "مأساة التسعينيات" و"مخاوف المتوقع". 

ولم يكن الزلزال الذي ضرب دوزجه في تسعينيات القرن الماضي الوحيد الذي شهدته تركيا آنذاك، بل جاء بعد آخر مميت وقع في السابع عشر من أغسطس 1999 في مدينة إزميت شمال غرب تركيا، وأسفر عن مقتل 18373 شخصا وجرح 2381 آخرين، بينما بلغت قوته 7.6 درجة، وفقا لهيئة إدارة الكوارث والطوارئ "آفاد". 

وتقع تركيا في منطقة تشهد نشاطا زلزاليا هو من بين الأعلى في العالم، إذ تتموضع على خط صدع عميق، وكانت قد شهدت بالإضافة إلى ما سبق عددا كبيرا من الزلازل والهزات الأرضية، أبرزها حصل مؤخرا في يناير 2020 بمنطقة إلازيع، وأسفر عن مقتل أكثر من 40 شخصا.  

وفي نوفمبر من العام نفسه، ضرب زلزال قوي بقوة 7 درجات بحر إيجه، مما أسفر عن مقتل 114 شخصا وإصابة أكثر من الف آخرين بجروح، في مدينة إزمير. 

وتأخذ الحكومة التركية بحسبانها المخاطر المتعلقة بالزلازل، ما دفعها عقب زلزال 1999 إلى إحداث "هيئة الكوارث والطوارئ" (آفاد)، كما عملت على إصدار قوانين خاصة بالبناء. 

وإلى اليوم ترفض سلطات الإنشاءات وهيئات الحكم المحلي في تركيا، وفي جميع الولايات التركية، منح تراخيص البناء لأي منشأة دون استيفاء معايير خاصة متعلقة بمقاومة البناء للزلازل، والمسماة بـ "ورقة الداسك". 

وأوضح رئيس بلدية دوزجه، فاروق أوزلو، يوم الخميس، أن الزلزال الذي ضرب المدينة بدرجة 5.9 "تم التغلب عليه بأضرار طفيفة"، حيث كان 80 في المائة من مخزون المباني في المدينة "عبارة عن إنشاءات جديدة وأفقية". 

وقال إنه بعد زلزال 12 نوفمبر 1999، تمت إعادة هيكلة في جميع أنحاء المدينة، وقد حدث تغيير جذري في 23 عاما، وبالتالي كان الضرر ضئيلا، موضحا: "منذ تلك الفترة تم إدخال حد من 3 طوابق في جميع أنحاء المدينة"، فيما ذكر أنه تم اعتماد العمارة الأفقية، ولم يُسمح بالبناء متعدد الطوابق. 

وفي آخر بيان لها أعلنت رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ (AFAD) أنه بعد الزلزال الذي ضرب بالتحديد منطقة جولياكا في دوزجه، وقع ما مجموعه 219 هزة ارتدادية، أكبرها كانت بـ4.3 درجة. 

ووفق وزاراة الصحة التركية بلغ إجمالي الإصابات إجمالي 93 مصابا، إلى جانب عشرة أشخاص في منطقة زونغولداك، 26 شخصا في ساكاريا، 4 أشخاص في بورصة. وهؤلاء ما زالوا يتلقون العلاج في المستشفيات. 

"مخاوف من المتوقع" 

ومثل أي هزة أرضية أو زلزال وفي حين يضطر الأتراك لترك منازلهم والمكوث في الشوارع والحدائق، تحسبا من أي ضربات ارتدادية، يحاولون استذكار المأساة التي خلفتها الزلازال السابقة من جهة، واستحضار المخاوف التي لطالما كانت حاضرة بشأن ما قد تشهده مدينة إسطنبول. 

وبين الفترة والأخرى تخرج تحذيراتٌ ودراساتٌ وتوقعات إلى الواجهة، لتؤكد أن زلزال إسطنبول وفي حال وقوعه سيكون مدمرا، وقد ينتج عنه كارثة لم يسبق وأن شهدتها تركيا، منذ عقود. 

وذلك ما يتعلق بالبنية التحتية ومقاومة الأبنية الضعيفة أمام أي هزة أرضية، ولاسيما الموجودة في الأحياء الساحلية. 

ونقلت وسائل إعلام عن خبير الزلازل، الدكتور ساميت أرسلان تقييمه للزلزال الذي ضرب دوزجه بقوله: "لا فائدة من إغماض أعيننا، علينا مواجهة الحقيقة. زلزال إسطنبول أقرب مما كان عليه بالأمس". 

وأوضح أرسلان وهو مدير مركز أبحاث وتطبيقات هندسة الزلازل في "جامعة غازي" أنه من السابق لأوانه التعليق على ما إذا كان ما حصل في دوزجه سيؤدي إلى زلزال إسطنبول.  

لكنه يضيف: "زلزال إسطنبول سيحدث بطريقة أو بأخرى. إذا نظرنا إليه إحصائيا وعلميا، فقد حان الوقت لزلزال اسطنبول"، مشيرا: "خط صدع شمال الأناضول هو خط زلزالي يهاجر ويتحرك من الشرق إلى الغرب". 

وتابع: "يحدث كسر في إرزنجان، ينزلق من خلال الاستمرار باتجاه بولو، ثم باتجاه دوزجي، مرمرة، ويتحرك إلى بحر إيجة ثم إلى اليونان".  

"هذا التسلسل موجود عند متابعة الزلازل الكبرى. علميا لم يحدث بعد الزلزال الشديد الذي توقعناه على خط صدع شمال الأناضول"، في إشارة منه إلى "زلزال إسطنبول المتوقع الذي سيحدث بطريقة أو بأخرى"، حسب تعبيره. 

وبحسب هيئة "آفاد" فقد شعر بزلزال دوزجه السكان في كل من إسطنبول، بولو، أنقرة، اسكيشهير، كوتاهيا، بورصة، قوجهالي، أدرنة، كانكيري، زونغولداك، سكاريا. 

بدوره يقول خبير الزلازل، دوغان كلافات: "نحن نتابع زلزال إسطنبول"، وإن "هناك فجوتين زلزاليتين في مرمرة. لا نعرف أي فجوة زلزالية ستنكسر، لكن جميع المحافظات والمناطق السبع في منطقة مرمرة ستتأثر بهذه الزلازل". 

ويوضح: "يجب أن يكون مواطنونا الذين يعيشون في منطقة مرمرة قادرين على أن يصبحوا مجتمعا يتمتع بدرجة عالية من الوعي بالزلازل". 

"الزلزال الذي وقع في دوزجي لا يؤثر على إسطنبول. هذا الزلزال ليس في الجزء الرئيسي من صدع شمال الأناضول. إنه يقع في الأجزاء الرئيسية من صدع شمال الأناضول، الذي نتوقعه بالنسبة لإسطنبول"، حسب ذات المتحدث. 

من جهته أشار عالم الأرض البروفيسور أوكان تويسوز إلى أن "زلزال دوزجه كان يعادل انفجار 700 ألف طن من الديناميت". 

وقال: "لو كان هذا الزلزال في إسطنبول للحقت في بالمدينة أضرار جسيمة وخسائر في الأرواح. والسبب في عدم تسببه بأضرار جسيمة في دوزجه، بأنه تم تجديد 80 في المئة من المباني فيها". 

وبالعودة إلى الوراء كانت تركيا قد تعرضت لزلزال عنيف في ولاية "أرض روم" في عام 1983، وفي عام 1991 ضرب زلزال آخر ولاية أرزينجان. 

في حين شهدت "كوجالي" و"دوزجي" شرق إسطنبول زلزالا مدمرا في 1999، شهدت "أفيون قره حصار" و"سلطان داغي" في عام 2002 زلازلا أيضا، وتبعه آخر في بنغول في عام 2003 وولاية فان عام 2011. 

في حديثٍ سابق لـ"موقع الحرة" قال خبير البحث والإنقاذ في "هيئة الطوارئ والكوارث" التركية، الدكتور خالد الشوبكي إن "تركيا هي محطة للزلازل ومكان متوقع لها، بسبب الحركة الدائمة للصفائح، إذ تقع على صفيحة أناضولية، وتتعرض للضغط من 3 صفائح أخرى في ذات الوقت". 

ويضيف: "الصفيحة الأولى تدفع تركيا غرباً باتجاه أوروبا، وتسمى بالصفيحة الفارسية، بينما تدفعها الصفيحتان الأخريتان شمالا، وتسمى الأولى بالصفيحة العربية والثانية بالإفريقية". 

ويرى الخبير أن الضغط المذكور أدى إلى شق شمالي غربي للصفيحة الأناضولية، وكانت قد بدأت آثاره منذ عدة سنوات قديمة، بالزلزال المميت في عام 1939 والذي كان بقوة 8.1 في مدينة أرزيجان، وأسفر عن مقتل أكثر من 33 ألف شخصاً، ليكون الزلزال الأول في تاريخ تركيا الحديث". 

فيما بعد، وبعد الزلزال الأول "المميت" حدثت عدة هزات أرضية وزلازل مماثلة بقوة 7 درجات، حسب الخبير، واستمرت حتى عام 1999 في الزلزال الذي ضرب "أزميت". 

ويتوقع الخبير بأن تشهد تركيا نشاطاً متصاعدا للزلازل، مشيرا إلى أن "الشق الذي يحدثه ضغط الصفائح في توسّع، حيث بدأ من الغرب وذهب إلى الشمال الشرقي، ومن ثم إلى شمال شرق وسط، ومؤخرا إلى شمال غرب وسط"، وهي المنطقة التي تقع فيها مدينة إسطنبول وإزمير الساحلية. 

"زلازل مرمرة" 

في غضون ذلك يتحدث عالم الزلازال المهندس أوفقون أحمد إركان أنه "سيكون هناك توابع لا تتجاوز 5.2 درجة لمدة 1.5 شهر في دوزجه، لكن أعلى قدر ممكن في المستقبل هو 6.5". 

وقال إركان لصحيفة "سوزكو"، الخميس، إنه كتب عن الزلزال الذي حصل الأربعاء قبل 20 عاما في كتابه الصادر عام 2002 بعنوان "زلزال مرمرة"، مضيفا: "توقعت في الكتاب حدوث زلزال في حفرة سكاريا حتى عام 2025. هذا الذي كنت أنتظره". 

وكانت المباني في دوزجه قبل عام 1999 "متعبة للغاية"، ولذلك كانت قادرة على مقاومة ما شهدته فجر الأربعاء، بالزلزال الذي حصل وبلغت شدته قرابة ست درجات. 

ويضيف الباحث: "حقيقة حدوث زلزال بقوة 6 درجات في دوزجه لا تدفع بزلزال إسطنبول إلى الأمام أو تؤخره"، مؤكدا أنه "لن يقع زلزال كبير في إسطنبول حتى عام 2045". 

في المقابل أشار عالم الجيولوجيا البروفيسور، ناجي جورور إلى أن "الأماكن التي تحتاج إلى تدخل عاجل قبل الزلزال المتوقع هي بشكل خاص المناطق الساحلية على الجانب الأوروبي من إسطنبول". 

"من القرن الذهبي إلى شواطئ مرمرة إلى سيليفري، أفجيلار، زيتين بورنو، وشبه الجزيرة التاريخية". وأضاف عالم الجيولوجيا التركي: "إسطنبول فقط هي التي تحتاج إلى الاستعداد لزلزال سريعا، من خلال التعاون مع بلدية إسطنبول، ومن خلال إشراك الجمهور، وخلق الموارد المالية اللازمة، وعدم إنفاق الأموال على أي شيء. مشاريع جادة وإلا سنكون حزينين جدا".