تكملة تحليل الحبيشي

بوسعي القول، إنني لم أخرج فقط بمعلومات مهمة حول ما جرى ويجري بل ـ وهذا هو الأهم ـ خرجت، أيضاً، بوثائق تساعد على اكتشاف الخطوط والظلال المتداخلة بين الألوان وعرضها للناس.

كنت قد كتبت مقالات عدة وتحدثت في مقابلات كثيرة عبر العديد من القنوات الفضائية اليمنية والعربية والأجنبية حول تعقيدات القضية الجنوبية، لكني أستطيع القول بأني لم أقل حتى الآن كل ما ينبغي قوله، بعد أن تمكنت من الحصول على ما بحوزتي اليوم من وثائق ومعلومات حول الصراع الدائر بين أنصار الوحدة وأنصار الانفصال، وهو صراع قديم جديد يحتاج الى كتاب أعكف الآن على كتابته.

لكن ذلك لا يعفيني من أن أدلي للاستاذين حسن عبدالوارث وعبدالله الحضرمي، ما تيسر عن شهادتي حول هذا المشهد، وهي أن القادة العسكريين والسياسيين المتنفذين في الشمال لا يتحملون لوحدهم المسؤولية عن الجرائم والسياسات التي شوهت الوحدة وأساءت إليها وحولتها الى غنائم حرب ونفوذ، بل إن شركاءهم من المتنفذين الجنوبيين ـ ومعظمهم لا يزالون في الدولة والسلطة والجيش والأمن وبضمنهم مستثمرون جنوبيون طفيليون وناهبون لثروات الجنوب ـــ يتحملون القسط الأكبر من هذه المسؤولية بحسب الوثائق المتوافرة لدي!!

مما له دلالة أن وزارة الخارجية البريطانية أصدرت، قبل أيام قليلة، بياناً نصحت فيه الشعب اليمني بأن أفضل مستقبل له هو أن يسير خلف قيادة الرئيس هادي في ظل يمن اتحادي.. بمعنى أن البيان يوحي بأن الرئيس هادي هو الرئيس الذي تفضله بريطانيا بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، وبالتالي يجب على اليمنيين تنفيذ أوامر الحكومة البريطانية عند التوجه إلى صناديق الاقتراع في المرة القادمة، وانتخاب عبدربه منصور رئيساً جديداً لليمن بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.

من نافل القول، إن مهمة الرئيس هادي كرئيس توافقي مؤقت عام 2012، تلخصت في تنفيذ الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، خلال مدة أقصاها عامان فقط، تنتهي في 21 فبراير 2014م.

لكن جمال بنعمر، فاجأ الجميع بترتيب زيارة للدوحة قام بها الرئيس هادي والجنرال الهارب علي محسن الأحمر في ربيع عام 2012م، على الرغم من أن دولة قطر انسحبت من المبادرة الخليجية في تاريخ 13 مايو 2011م، ولم تحضر مراسيم التوقيع على المبادرة الخليجية في الرياض، فيما ظهر رئيس الوزراء ووزير خارجية دويلة قطر السابق حمد بن ثاني على قناة (العربية) أثناء مراسيم التوقيع قائلاً: (دولة قطر لا علاقة لها بهذه المبادرة وتتبرأ منها)!!؟؟
كان الغرض من تلك الزيارة التي أشرف عليها جمال بنعمر برعاية بريطانية وأميركية هو استبدال المبادرة الخليجية بالمبادرة القطرية التي رفضتها اليمن وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تعهد عبدربه منصور أثناء وبعد زيارته للدوحة، بتنفيذ استراتيجية تمكين الاخوان المسلمين من الوصول الى السلطة، وإنشاء تحالف استراتيجي بين المؤتمر الشعبي العام والاخوان المسلمين عبر خطوات تدريجية تبدأ باحتواء الهيئة الوزارية للمؤتمر الشعبي في حكومة الوفاق وتهميشها، وتنتهي بتقسيم قيادة المؤتمر الشعبي ممثلة باللجنة العامة، والاطاحة برئيسه علي عبدالله صالح وتعيين عبدربه منصور رئيسا للمؤتمر الشعبي العام بدلا عنه، وصولا الى تحويل الرئيس التوافقي المؤقت رئيسا دائما مقابل تعهد الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وقطر بدعم وتأييد كافة القرارات والاجراءات التي يتخذها بطريقة فردية، وتمديد فترة بقائه في السلطة ومعاقبة كل من يسعى الى عرقلة تطبيق هذا المخطط باعتباره المضمون الرئيسي للتسوية السياسية في اليمن بحسب المنظور البريطاني الأميركي.

لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن البريطانية والأميركية بسبب موجة سقوط الاخوان المسلمين في مصر وتونس وليبيا، وظهور تحالف عربي محوري ضد الاخوان المسلمين، بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي الراعية للمبادرة الخليجية بشأن التسوية السياسية في اليمن وعلى رأسها المملكة العربية السعودية!!

وكان من الضروري انقاذ شبكة المصالح السلطوية التي تأسست خلال الفترة الانتقالية الماضية، من خلال عملية احتيال قيصرية قام بها المبعوث الدولي جمال بنعمر برعاية بريطانية واميركية، تستهدف احتواء تداعيات الموقف السعودي والخليجي الجديد، وتأمين الطريق لاستكمال مخطط أخونة الدولة والجيش والأمن والقضاء، وتصفية وإقصاء القوى التي لا تتفق مع المشروع البريطاني الأميركي، وتمديد بقاء الرئيس المنتهية ولايته في السلطة.

ومرة أخرى أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، ولم يتمكن جمال بنعمر وعبدربه منصور من إزاحة الرئيس السابق علي عبدالله صالح من موقعه في رئاسة المؤتمر الشعبي العام، رغم الضغوط التي مارستها بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية على مجلس الامن الدولي لفرض عقوبات على الرئيس السابق علي عبدالله صالح وقيادات المؤتمر الشعبي العام المؤيدة له، بالإضافة الى السيد عبدالملك الحوثي وأبرز معاونيه في حركة أنصار الله عقب سقوط محافظة عمران كلها، بما فيها اللواء 310 في عمران الذي كان يشكل الذراع الضاربة للاخوان المسلمين في اليمن.

وبعد ذلك شهدت البلاد متغيرات جذرية في موازين وتحالفات القوى السياسية والعسكرية والقبلية في محافظات شمال الشمال، تتوجت باندلاع انتفاضة شعبية ثورية أطاحت بمراكز القوى العسكرية والقبلية والدينية التي كان يرتكز عليها نظام (هادي ـــ إخوان) المدعوم من قبل بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية.

وفي الأسبوعين الماضيين سقط رهان بريطانيا والولايات المتحدة وجمال بنعمر وعبدربه منصور، على مجلس الأمن الدولي الذي يقضي بفرض عقوبات على الرئيس السابق علي عبدالله صالح وبعض معاونيه والسيد عبد الملك الحوثي وبعض معاونيه أيضاً، حيث رفضت روسيا مشروع قرار بريطاني كان بمثابة طوق النجاة للنخبة السياسية والعسكرية التي جرى تأسيس سلطتها السياسية والعسكرية والأمنية والاعلامية خلال الاعوام الثلاثة الماضية، وتهديد روسيا باستخدام الفيتو إذا أصرت بريطانيا على عرض مشروع القرار للتصويت في مجلس الأمن الدولي.

يبقى القول ان جمال بنعمر وصل الجمعة الى صنعاء، بهدف انقاذ ما حققه المحور البريطاني الاميركي من مكاسب سياسية وأمنية خلال حقبة الرئيس التوافقي المؤقت والمنتهية ولايته.. لكن وجهة بنعمر هذه المرة لن تكون الى الدوحة كما حدث في بداية عام 2012 م، ولن تكون أيضاً الى الرياض كما حدث في نهاية عام 2013م، بل ستكون هذه المرة الى طهران وتحت المظلة المباشرة للأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون الذي ظل غائباً ومغيّباً طوال الاعوام الثلاثة الماضية من خلال مبعوثه الشخصي جمال بنعمر.. والله أعلم.