التعاون الروسي - الصيني لا يكفي للانتصار على الولايات المتحدة في الفضاء

بعد عقود من المنافسة العسكرية والاقتصادية أصبح الفضاء عنصرا مهما في المنافسة المحتدة بين القوى الكبرى، وهو مساحة شاسعة ولا تخضع لقوانين وتقسيمات كتلك التي فرضت على المجالات البرية والبحرية والجوية التقليدية.

وبينما تقود الولايات المتحدة جهودها لاستكشاف الفضاء في الأغلب بشكل فردي، تعمل الصين وروسيا، منافستاها القويتان على الأرض، على توحيد بحوثهما وتعاونهما في هذا المجال مما يعزز فرضية أنهما ستكونان قادرتين على الانتصار على الولايات المتحدة خارج المجال الجوي.

ووصفت روسيا والصين تعاونهما في الفضاء بأنه شيء يقترب من التحالف، وهو تصور تغذيه اتفاقيات ثنائية جديدة، بما في ذلك خطط لإقامة قاعدة قمرية مشتركة. ومع ذلك تقول الباحثة ناتاليا أزاروفا الخبيرة بالشأن الصيني في تقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إن الشيء الرئيسي الذي يوحد روسيا والصين في هذا المجال هو تنافسهما مع الولايات المتحدة.

وترى أزاروفا أنه مع اشتداد المنافسة بين القوى العظمى في السنوات القليلة الماضية، فإنها لم تقتصر على حدود كوكبنا. وترك القانون الدولي مسائل الفضاء العديدة دون معالجة، وهي مسائل سعت القوى الفضائية لتصحيحها لمصلحتها.

وفي عام 1979 أعلنت معاهدة القمر أن القمر وموارده الطبيعية هي “التراث المشترك للبشرية”. ولكن في السنوات التي تلت ذلك لم تصبح سوى 18 دولة ليس من بينها أي من دول مجموعة السبع أو الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي طرفا في المعاهدة.

وكانت الولايات المتحدة أول دولة تحاول وضع إطار قانوني خاص بها لاستكشاف القمر، وأجبرها على ذلك التطور السريع لرحلات الفضاء التجارية والزيادة العالمية في الاهتمام باستكشاف الفضاء. وفي عام 2019 أعلنت الولايات المتحدة عن برنامجها أرتميس الذي يهدف إلى إعادة البشر إلى القمر للمرة الأولى منذ عام 1972.

وفي العام التالي وقعت وكالة ناسا اتفاقات أرتميس مع نظيراتها في أستراليا وكندا وإيطاليا واليابان ولوكسمبورغ والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة، لتشكل مجموعة تضخمت منذ ذلك الحين بمشاركة وكالات الفضاء في البرازيل والمكسيك ونيوزيلندا وبولندا وكوريا الجنوبية وأوكرانيا.

وتأمل الولايات المتحدة في أن تنضم المزيد من الدول كأطراف موقعة، حتى في الوقت الذي تحذر فيه من أن برنامج أرتميس محظور على الدول التي لا تمتثل لمعاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967. لكن روسيا ابتعدت عن الاتفاقيات بالرغم من تعاونها المكثف مع الولايات المتحدة في الفضاء بما في ذلك جزء من برنامج محطة الفضاء الدولية.

وفي عام 2020 رفضت موسكو بالمثل المشاركة في بناء البوابة القمرية التي تقودها الولايات المتحدة، وهي محطة فضائية ستدور حول القمر. وفي معرض تبريره لهذا القرار صرح المدير العام لوكالة الفضاء الاتحادية الروسية (روسكوسموس) ديمتري روجوزين بأن وكالة الفضاء الروسية لن تشارك في المشروع إلا إذا وُضعت على قدم المساواة مع وكالة ناسا، وهو ما يعكس الاختلافات المتزايدة بين روسيا والولايات المتحدة.

وعلى عكس روسيا فإن الصين ممنوعة من المشاركة في مشاريع مشتركة مع الولايات المتحدة في الفضاء بموجب تعديل وولف، وهو إجراء يعود إلى عام 2011 يحظر على ناسا التعاون مع الصين دون موافقة خاصة من الكونغرس. ولا يبدو أن بكين مهتمة بالعمل مع واشنطن في هذا المجال.

والأهم من ذلك أن الصين لديها خططها الخاصة للقمر، والتي وقعت عليها روسيا. وفى ربيع العام الماضي وقعت روسكوسموس ونظيرتها الصينية إدارة الفضاء الوطنية الصينية مذكرة تفاهم وتعاون تتعلق بإقامة المحطة الدولية للأبحاث القمرية، وهي قاعدة قمرية مخطط لها ومشروع مشترك بين وكالتي الفضاء.

ووفقا لخارطة الطريق الخاصة بمشروع المحطة الدولية لأبحاث القمر، سيتم إنشاء قاعدة القمر على ثلاث مراحل. الأولى تمتد من 2021 إلى 2025 تشهد إطلاق ثلاث بعثات روسية وثلاث صينية إلى القمر. ومن المقرر أن يتم البناء الفعلي للمحطة الدولية لأبحاث القمر في الفترة من 2026 إلى 2035، وخلالها سيتم إطلاق مهمتين أخريين، واحدة لكل بلد. ثم تصبح قاعدة القمر جاهزة للعمل، وإن كان ذلك دون أي مشاركة بشرية.

وقد تعطي الخطابة المحيطة بمشروع المحطة الدولية للبحوث القمرية انطباعا بأن الصين أصبحت الشريك الرئيسي لروسيا في استكشاف الفضاء. ولكن الأمر ليس كذلك، وفقا لأزاروفا.

ويعود ذلك إلى أن روسيا والصين لم تتخذا سوى الخطوات الأولى نحو إنشاء قاعدة القمر. وأن دمج برامج قمرية بين البلدين أمر صعب إلى حد ما. والصين ليست سوى ثالث دولة بعد الاتحاد السوفييتي (سابقا) والولايات المتحدة تكمل مثل هذه المهمة وأول دولة تفعل ذلك في السنوات الخمس وأربعين الماضية.

كما أن برامج الفضاء في البلدين غير متناسبة. فالبيانات الدقيقة عن الإنفاق الفضائي المدني في الصين غير متاحة علنا، ولكن التقديرات الأكثر تحفظا تشير إلى أنها تبلغ نحو 8.9 مليار دولار اعتبارا من عام 2020، وهو ما من شأنه أن يجعل برنامج الفضاء الصيني في المرتبة الثانية بعد برنامج الولايات المتحدة من حيث الميزانية. وعلى النقيض من ذلك، خصصت روسيا في عام 2020 نحو 2.7 مليار دولار أو 198.5 مليار روبل لبرنامجها الفضائي.

وتفوقت بكين على موسكو من حيث عمليات الإطلاق الناجحة. وفي عام 2020 أجرت الصين 35 عملية إطلاق في حين أجرت روسيا 17، كما أجرت موسكو في العام الماضي 23 عملية وبكين 49 حتى الحادي والعشرين من ديسمبر.

ودأبت روسيا والصين على الموافقة على برامج التعاون الفضائي منذ عام 2001، مما أدى إلى إبرام مجموعة كبيرة من الاتفاقات في هذا المجال. ومع ذلك ظل تعاون البلدين في الفضاء مجزأ، كما يتضح من استمرار ندرة المشاريع المشتركة.

وتقول أزاروفا إن الحقيقة هي أنه على الرغم من أن روسيا والصين لم تجنيا بعد ثمار مشاريع كبيرة ومعقدة تقنيا بسبب الخلافات بين تقسيم العمل، فإن كلا البلدين سوف يستفيدان من مثل هذه المشروعات. فلا يقدم أي شريك لروسيا آفاقا أفضل من الصين، في حين لا يقدم أي شريك للصين خبرة أكبر عندما يتعلق الأمر بالرحلات المأهولة ومحطات الطاقة النووية الفضائية من روسيا. ولكن في الوقت الذي يعمل فيه البلدان معا سوف تحتاج موسكو إلى ضمان شيء واحد قبل كل شيء آخر، ألا وهو أن لا يتوقف المشروع بمجرد أن تأخذ الصين كل ما تحتاج إليه من روسيا.