من أميركا إلى اليونان.. رسالة نصية غيرت حياة مئات الأفغانيات

استطاعت مئات النساء من نخبة المجتمع الأفغاني أن يجدن لهن ملاذا في بلد أوروبي يتسم بسياسات صارمة ضد قبول المهاجرين واللاجئين، وكل ذلك بفضل رسالة هاتف نصية تلقتها زوجة رئيس الوزراء اليوناني، وفقا لما ذكر موقع "بوليتيكو" الإخباري.

وبدأت القصة عندما أرسل فاعل خير أميركي معروف بنشاطه الإغاثي ويدعى أميد خان، رسالة نصية إلى زوجة رئيس الحكومة اليونانية، ماريفا غرابوفسكي باعتبار أنها صديقة قديمة له.

وأوضح خان في رسالته أن المئات من المحاميات والإعلاميات والمشرعات الأفغانيات وغيرهن من اللواتي ينتمين إلى نخب ثقافية وسياسية يجدن صعوبة بالغة في إيجاد ملاذ آمن يلجأن إليه، بعد أن سيطرة حركة طالبان الأصولية على البلاد منذ منتصف أغسطس الماضي.

ولفت ذلك الناشط الذي بذل جهودا مضنية على مدار الأسابيع الماضية لمساعدة العديد من اللاجئين الأفغان أن غرابوفسكي فور قراءة رسالته ردت عليه مباشرة أن بلادها سوف تستقبل النساء المقدر عددهن بـ 700 امرأة، رغم أنه لم يطلب منها ذلك.

ماريفا غرابوفسكي سارعت إلى مساعدة صديقها دون أن يطلب منها ذلك

وكانت اليونان قد شددت رقابتها على الحدود وأنشأت أسوارا من الأسلاك الشائكة المكهربة على حدودها مع تركيا وفرضت سياسات صارمة عقب دخول نحو مليون مهاجر إليها في العام 2015 للعبور إلى دول الاتحاد الأوروبي مما أدى إلى حدوث أزمات سياسية والاقتصادية في العديد من تلك الدول.

وكان خان قد سعى في شهر سبتمبر إلى إخراج 6 برلمانيات أفغانيات مع أفراد عائلتهن بإجمالي 53 شخصا، إلى الولايات المتحدة عبر طريق إيران، ولكنه واجه معضلة بهذا الشأن بسبب العلاقات المتوترة بين واشنطن وطهران.

وعندها بعث رسالة إلى صديقته القديمة، زوجة رئيس وزراء اليونان، يشكو لها سوء أوضاع تلك السيدات، قبل أن تفاجئه بردها الذي بعث السعادة والفرح في صدور تلك اللاجئات.

وتابع: "بعد ساعتين من رد ماريفا على رسالتي، اتصل بي وزير اليوناني نوتيس ميتاراشي، والذي أنشأ مجموعة على تطبيق واتساب لتنسيق عمليات اللجوء".

"شراكة رائعة"

وبعد نجاح تلك العملية، استطاع خان أن يمكن مئات النساء الأفغانيات من السفر إلى اليونان، عبر دول عبور مثل كازاخستان، قبل أن تتكفل الحكومة اليونانية بعد بتأمين المسكن لهن مع نفقات تكاليف الطعام والتأمين الصحي والتعليم.

ووصف خان تعاونه مع الحكومة اليونانية بـ "الشراكة التي لا تشوبها شائبة"، مشيرا إلى أنها تعكس انفتاحا لدى حكومات دول صغيرة مقارنة بالدور الذي من المفترض أن تغطيه الدول الغربية الكبرى ذات الإمكانيات الاقتصادية العظمى.

وفي حين أن معظم النساء الأفغانيات اللائي وصلن إلى اليونان يرغبن في الاستقرار في نهاية المطاف في الولايات المتحدة، قالت لاجئة تدعى ميتاراشي إلى أن أثينا "مستعدة لتوفير اللجوء لهن جميعًا، إذا كانت محاولاتهن لإيجاد مكان بديل آخر باءت بالفشل".

وفي هذا الصدد أكد مسؤول يوناني لموقع بوليتيكو: "نحن نعمل مع أطراف ثالثة محترمة لتحديد هوية الأفغان الذين قد يواجهون عمليات انتقام وقمع من حركة طالبان".

وتابع: "كانت حياة هؤلاء النسوة في خطر مباشر، وقتل العديد من أفراد عائلاتهن، لذلك تصرفنا بحزم مع شركائنا لإحضارهم إلى بر الأمان في اليونان".

وعلى نطاق أوسع، أشار المسؤول إلى أن اليونان تستضيف 160 ألف لاجئ وطالب لجوء و "تعمل بلا كلل" لمساعدتهم، موضحا أن بلاده "تريد توفير ملاذ آمن للاجئين من خلال القنوات المناسبة، لكنها تعارض عصابات التهريب التي تستغل الأشخاص المستضعفين وتخاطر بإزهاق أرواحهم".

وعلى مشارف أثينا، جلست حمورية أيوبي، في أحد المقاهي على شاطئ البحر تستعيد ذكرياتها عندما كانت نائبة في البرلمان الأفغاني بالإضافة إلى مهنتها كعالمة رياضيات في كابل قبل ان تخسر حياتها ومستقبلها بعد عودة طالبان إلى الحكم في بلادها.

وتابعت وعيناها مغرورقتان بالدموع: "عشرون عاما من النضال من أجل حقوق المرأة في بلادي قد ذهبت سدى".

وأضافت بأسى: "خسرت كل ممتلكاتي في بلدي من منزل وسيارة وغير ذلك، ولكن هذا لا يؤثر في، بقدر ما يؤثر ضياع مستقبل الفتيات الصغار بأفغانستان"، مشيرة إلى أن سيطرة طالبان على الحكم في البلاد كان أمرا صادما، "ولكن ما صدمني كذلك هو موقف القوى الغربية التي كانت تدعم الديمقراطية في بلدي والتي خلفت وعودها بمساعدتنا".

وكانت أيوبي ترأس لجنة تشريعات مكافحة الفساد في البرلمان قبل سقوط كابل، مردفة: " الفساد هو الذي تسبب في انهيار الحكومة وتصدعها، ونقلت تلك التحذيرات إلى الكونغرس الأميركي في العام 2014 عندما دعيت إلى هناك".

وزادت: "الأموال التي كان من المفترض أن تكون موجهة لتعليم النساء أو لبرامج أخرى لم تصل إلى مستحقيها".

ومع ذلك، تخطط أيوبي للانتقال إلى الولايات المتحدة واستخدامها كقاعدة لمحاولة تغيير الوضع السياسي في بلاها، مشددة على أملها في العودة إلى أرض وطنها بعد سقوط حكم حركة طالبان.

من جهتها، تقول يلدان نسيمي، 30 عاما، والتي كانت تعمل قاضية أنها اضطرت إلى ارتداء البرقع حتى تفر من كابل من زوجها وأطفالها.

وتوضح أنها الآن موجودة بأحد فنادق أثينا مؤقتا، على أمل أن تستطيع تحديد المكان الذي سوف تقيم فيها مع أسرتها بانتظار إنجاب طفلها الرابع.

وحث خان الحكومات على الذهاب أبعد من ذلك. وقال: لا تدعوا النساء الأفغانيات من النخب دون مأوى أو ملجأ أو تحت رحمة طالبان"، متابعا: "هن لسن نساء عاديات وقد خدمن بلادهن بإخلاص وتفان اللاتي دفعن للخارج أثناء الاستيلاء على السلطة".