كيف ستستثمر إيران صعود طالبان بعد الفشل المدوي للولايات المتحدة؟

قدم انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان فرصة لإيران للاستفادة من سيطرة طالبان من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية وتعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا من خلال تقديم نفسها على أنها القوة التي لا غنى عنها في الشرق الأوسط.
 
يتعلق إخفاق واشنطن في أفغانستان بالنسبة إلى إيران بأكثر من مجرد انتصار لطالبان. حيث انطلق الترويج له على أنه تأكيد أن سياسة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي محكوم عليها بالفشل.
 
وحاولت طهران في رسالتها تعزيز فكرة لشركائها وحلفائها بأنها الفاعل الوحيد الموثوق به في الشرق الأوسط، في مواجهة واشنطن التي يُفترض أنها غير موثوقة وتفتقر إلى التصميم الاستراتيجي. ومع ذلك، يمكن أن تطغى التحديات على هذه المكاسب الجيوسياسية والأيديولوجية الفورية المحتملة، والتي قد تفرضها أفغانستان التي تحكمها طالبان على أمن إيران ومصالحها الإقليمية على المدى الطويل.
 
ويرى المسؤولون الإيرانيون في الانسحاب الأميركي استسلاما لطالبان التي تشهد انتصارا تشعرهم أنه يثبت استثمارهم في “محور المقاومة” وشبكته الإقليمية من مجموعات الميليشيات.
 
ويرجح الباحثان في معهد الشرق الأوسط بواشنطن علي فتح الله نجاد وحميد رضا عزيزي أن يشجع ذلك استراتيجية إيران الإقليمية “الواقعية الهجومية”، مما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات.
 
مكاسب أيديولوجية ومادية
 
قدمت كارثة الولايات المتحدة في أفغانستان نوعين من الفوائد لطهران: أحدهما نهائي والآخر محتمل.
 
ووفقا لرواية إيران، فإن ما حدث في أفغانستان سيؤدي إلى المزيد من الانتكاسات للولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
 
وزعمت إذاعة جمهورية إيران الإسلامية من مكاتبها في لبنان وسوريا، وهما دولتان تعتبرهما طهران من بين “محور المقاومة” الإقليمي، أن المدنيين والمحللين والسياسيين هناك يعتقدون بشكل موحد أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان قد أظهر أن واشنطن تجلب انعدام الأمن إلى المنطقة وأن المقاومة هي الرد الفعال الوحيد.
 
وبالمثل، استخدمت وكالة أنباء فارس التابعة للحرس الثوري الإيراني الحدث لمهاجمة الخصوم السياسيين المحليين، أي الإصلاحيين، الذين تشير إليهم على أنهم “جماعات موالية للغرب”، مشيرة إلى أنه يجب عليهم الاعتراف بأن الولايات المتحدة ليست “لا تُقهر” بالنظر إلى “هروب مذل” من أفغانستان.
 
ودفعت حقيقة أن الولايات المتحدة لم تنجح في النهاية ضد طالبان المسؤولين الإيرانيين إلى الاعتقاد بأنهم يستطيعون هزيمة الولايات المتحدة في أماكن أخرى من المنطقة باستخدام الميليشيات التي ترعاها.
 
ويُرجح المحللان أن يكون انتصار طالبان على الولايات المتحدة بمثابة رصيد في يد طهران لتقويض ضغط واشنطن.
 
ففي إيران نشرت صحيفة “الشرق” اليومية الإصلاحية مقابلة ركزت على الفرص المتاحة أمام الصين وروسيا وإيران في أفغانستان التي تحكمها طالبان.
 
ورحبت الصين بعودة ظهور حركة طالبان، وترى إيران في ذلك فرصة غير متوقعة لتعزيز علاقتها مع بكين، وبث الحياة في “الاتفاق الاستراتيجي” الذي استمر 25 سنة والذي وقع عليه الجانبان مؤخرا.
 
وشددت جافان، وهي صحيفة يومية قريبة من الحرس الثوري الإيراني، على أن “العلاقة الحالية مع الصين وروسيا ستكون أكثر أهمية من المفاوضات النووية… لقد صُدم الغرب والولايات المتحدة بشكل خاص بالفشل في أفغانستان وهو أفضل فرصة للأطراف الثلاثة (إيران وروسيا والصين) للاستفادة منه”.
 
وقد تخلق سيطرة طالبان فرصا اقتصادية لإيران بالإضافة إلى المكاسب الجيوسياسية المحتملة.
 
وبدأت صحيفة كيهان اليومية المحافظة بالإشارة إلى أفغانستان التي تحكمها طالبان كعضو في “محور المقاومة”، مع التأكيد على أهمية صادرات الوقود الإيراني إلى البلاد، وأشارت إلى أنها ستعزز “اقتصاد المقاومة” في طهران.
 
وعانت إيران بشكل كبير من العقوبات الأميركية أحادية الجانب على مدى السنوات الثلاث الماضية، وتبحث الآن عن أي فرصة للتحايل على الضغط الأميركي. وقد توفّر أفغانستان إمكانات لطهران لتصدير سلعها.
 
وفي ظل هذه الظروف، بدأت إيران في إعادة تسمية طالبان ككيان مُصلح سيختلف حكمه عما شهده العالم في التسعينات.
 
وتتابع المنافذ التابعة للحرس الثوري الإيراني هذه الحملة في المقام الأول. ويبدو أن الهدف هو تبرير وإضفاء الشرعية على التعاون مع كيان يُعتبر معاديا لإيران منذ ما يقرب من عقدين، خاصة بين الجمهور الإيراني.
 
وتستغل نفس المنافذ (إلى جانب كبار المسؤولين الإيرانيين) كارثة أفغانستان لأغراض دعائية، تؤكد على مكانة طهران كقوة يمكن الاعتماد عليها في الشرق الأوسط لدولتها والدول غير الحلفاء.
 
وفي نفس الوقت، يرى المحللان أن إيران، التي تضم بالفعل نحو 2.5 مليون أفغاني، والتي يعني وضعها الاقتصادي المحلي المزري أنها لا تستطيع تحمل موجة جديدة من اللاجئين الأفغان، قد تستخدم الهجرة الأفغانية لابتزاز أوروبا، حيث يطمح معظم هؤلاء اللاجئين في الوصول إليها، وكفرصة أيضا لمحاولة تليين موقف أوروبا في المحادثات النووية.
 
المخاطر المحتملة
 
يقول فتح الله نجاد ورضا عزيزي إنه على الرغم من الفرص الحقيقية والمحتملة التي تراها إيران في أفغانستان، فإن توطيد حكم طالبان قد ينطوي على تحديات خطيرة لطهران أيضا. حيث سيكون لنهج طالبان تجاه الشيعة المحليين تأثير كبير على العلاقات بين طهران وكابول.
 
ولا تزال إيران تحتفظ إلى حد كبير بأسطورة طالبان التي تم إصلاحها والتي ستحترم حقوق الأقليات العرقية والدينية. وقد حاولت في الأسابيع الأخيرة طمأنة طهران بشأن هذه القضية، بما في ذلك السماح للشيعة بإقامة طقوس عاشوراء في أفغانستان.
 
ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كانت طالبان ستواصل ذلك بعد ترسيخ حكمها. وحتى لو كان قادة طالبان على استعداد لاتباع سياسة أكثر براغماتية في هذا الصدد، فليس هناك ما يضمن طاعة العناصر الأكثر راديكالية في الجماعة، أو حتى الأفراد العاديين. وقد يؤدي هذا إلى توترات ثنائية أو حتى صراع في حالة مقتل الشيعة الأفغان. ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يضع إيران بين المطرقة والسندان: إذا قررت التدخل عسكريا في أفغانستان، فقد تكون عالقة في نفس المستنقع الذي اجتاح الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي قبلها. ومع ذلك، ستتقوض مصداقية إيران كحامية للطائفة الشيعية إذا لم تتحرّك بينما تقمع طالبان الشيعة الأفغان.
 
وبصرف النظر عن العامل الطائفي، فإن نهج طالبان المتمركز حول العرق واحتكار السلطة هو تحد آخر لإيران. وقد انعكس ذلك في قائمة وزراء حكومة طالبان التي تم الإعلان عنها يوم السابع من سبتمبر. وطبقا للقائمة، فإن الحكومة القادمة في أفغانستان سيهيمن عليها البشتون العرقيون بالكامل. بالإضافة إلى ذلك، تبقى للشخصيات المقربة من باكستان أغلبية في مجلس الوزراء. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع رغبة إيران في حكومة أكثر شمولا، بها على الأقل تمثيل لفصائل طالبان الأقرب إلى طهران، إن لم يكن الفصائل العرقية أو المذهبية الأخرى.
 
وأصبحت قطر أيضا جهة فاعلة أخرى في الملف الأفغاني ويعتبر دورها لا غنى عنه. وعلى الرغم من أن الدوحة كانت تتمتع بعلاقات إيجابية بشكل عام مع طهران في السنوات الأخيرة، إلا أن البلدين لا يجتمعان في مجموعة من القضايا الإقليمية المهمة، بما في ذلك الأزمة السورية.وقد تشعر إيران أنها خسرت بالفعل معركة النفوذ في أفغانستان لصالح باكستان. كما قد يهدد النفوذ الباكستاني المفرط مصالح إيران في بعض المجالات المهمة، بما في ذلك ميناء تشابهار، الذي كان من المفترض أن يربط الهند بآسيا الوسطى عبر أفغانستان وكان يُنظر إليه على أنه منافس لميناء جوادر الباكستاني.
 
وعلى هذا النحو، يمكن لنفوذ قطر المتنامي في أفغانستان أن يمنحها قدرة على التمتع بتنازلات من إيران في شؤون العالم العربي.
 
ويمكن لتركيا، حليفة قطر الوثيقة، أن تستغل الوضع لصالحها. وقد يضع استعداد تركيا للعب دور أكثر نشاطا في أفغانستان والتعاون الاقتصادي مع النظام الجديد، إيران في موقف صعب.
 
وستواجه إيران مرة أخرى تهديدا خطيرا على حدودها الشرقية إذا فشلت طالبان في إرساء الاستقرار والأمن في أفغانستان وردع الجماعات المتطرفة والإرهابية مثل داعش والقاعدة. وفي الواقع، يمكن للفرع الأفغاني لتنظيم الدولة الإسلامية، داعش – خراسان، الاستفادة من حالة عدم الاستقرار المستمرة، ومن المحتمل أن يصبح تهديدا خطيرا للمنطقة.