مجلس الأمن القومي الأميركي... لجنة تدير شؤون العالم

هل من لجنة علنية غير سرية تدير شؤون الولايات المتحدة الأميركية والعالم، من قلب البلاد، وتعد صاحبة القوة الضاربة، التي لا تصد ولا تحد، وبخاصة كونها ملازمة للرئيس في البيت الأبيض؟

يبدو أن ذلك كذلك، إذ لا توجد لجنة سياسية في الولايات المتحدة، تضارع قوة وهيبة تلك اللجنة، حيث تشكل الأوساط الداخلية لمجتمع الأمن القومي للولايات المتحدة- أعضاء مجلس الأمن القومي، وعدد منتقى من نوابهم وعدد قليل من المستشارين المقربين من الرئيس- اللجنة الأكثر نفوذاً في تاريخ العالم، التي تملك الموارد وتتمتع بالقوة والقدرة على التحرك وممارسة السلطة على نطاق أوسع وأسرع من أي لجنة شكلها ملك أو إمبراطور أو رئيس على مدار التاريخ.

ولعل الفارق بين أحاديث الجمعيات السرية التي تلعب دوراً متفقاً عليه في التاريخ بشقيه، القديم والحديث، وتناول شأن مجلس الأمن القومي الأميركي، هو أن الأخيرة معروفة ظاهرياً للعيان، لكن هذا لا يعني أن كثيراً من خيوطها، والعديد من خطوطها متداخلة مع ما هو ليس ظاهراً على السطح، وذلك في إطار رؤيتها للحفاظ على الأمن القومي الأميركي بنوع خاص.

ما قصة تلك اللجنة، مم تتكون، وهل من شروط خاصة لا بد أن تتوافر لأعضائها، وكأنها ناد خاص للصفوة أو النخبة من السياسيين الأميركيين؟ هذا ما سنحاول تناوله في هذه القراءة.

ماهية مجلس الأمن القومي الأميركي

يمكن القطع بأننا نتناول شأن أعلى لجنة من حيث الأهمية تابعة للسلطة التنفيذية في البلاد، أي الرئاسة الأميركية، ويختص بتناول شأن كافة القضايا التي تتقاطع مع شؤون وشجون الأمن القومي للولايات المتحدة.

ويمكن القول، إن المجلس هو منظمة إدارية تابعة مباشرة لرئيس البلاد، وفي غالبية دوائر المعارف يوصف دوره بأنه يقوم على تقديم النصح والتنسيق، وفي مرات أخرى التحريض، فيما يتعلق بموضوعات السياسة الخارجية الأميركية، ويقع مقر المجلس داخل البيت الأبيض.

تأسس مجلس الأمن القومي عام 1947 كآلية تنسيق تحرص على إطلاع الرئيس على آراء الأعضاء السياسيين في فريق الأمن القومي، وذلك كرد فعل على أسلوب الرئيس فرانكلين روزفلت الذي وصفه البعض بالمتسلط والعشوائي في الإدارة.

في بدايات عمل المجلس كان عدد أعضائه قليلاً وغير نافذين. وقد تعاظم نفوذ مجلس الأمن القومي بعض الشيء خلال عقديه الأولين، ثم برز كمركز فريد للسلطة خلال السبعينيات بقيادة مستشاري الأمن القومي الذين حولوه إلى مؤسسة عصرية ومن عينة هؤلاء: هنري كيسنجر، وبرنت سكوكروفت، وزبيغينو بريجنسكي.

دور المجلس في السياسات الأميركية

يكتب المحلل السياسي الأميركي، توم موريسون، عبر موقع "شارك أميركا"، مشيراً إلى هيكلية المجلس الذي يعتبره أهم مجموعة من المستشارين لرئيس الولايات المتحدة الأميركية حول قضايا الأمن القومي والداخلي.

يتألف مجلس الأمن القومي من نحو اثني عشر من قادة المجتمع العسكري والاستخباري الذين يشكلون قلب جهود وسياسات الأمن الداخلي في الولايات المتحدة.

هل هناك ما يخيف القارئ من هذا المجلس؟

باختصار غير مخل، يقدم المجلس تقاريره إلى الرئيس وليس إلى الكونغرس، وهو من القوة والنفوذ إلى درجة أنه يستطيع أن يأمر باغتيال أعداء الولايات المتحدة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون على الأراضي الأميركية.

حدد القانون الذي أنشأ مجلس الأمن القومي وظيفته في تقديم المشورة للرئيس فيما يتعلق بدمج السياسات المحلية والأجنبية والعسكرية بالأمن القومي لتمكين "الخدمات العسكرية وغيرها من الإدارات والوكالات الحكومية من التعاون بشكل أكثر فعالية في المسائل المتعلقة بالأمن القومي".

وفي مقدمة وظيفة المجلس، تقييم أهداف والتزامات ومخاطر الولايات المتحدة فيما يتعلق بقواتها العسكرية الفعلية والمحتملة لمصلحة الأمن القومي.

هل للرئيس الأميركي صلاحية دعوة أعضاء آخرين من موظفيه أو من إدارته للانضمام إلى مجلس الأمن القومي؟

هذا صحيح وممكن، فمنذ إنشاء المجلس في 26 سبتمبر (أيلول) 1947، وهناك استثناءات كثيرة، فقد تم في مرات دعوة رؤساء الأركان، ومرات أخرى وزراء الخزانة أو المدعين العموميين.

وقد كانت المرة الأخيرة التي استضاف فيها المجلس شخصاً من خارجه عام 2017، حين استخدم الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب أمراً تنفيذياً بتفويض كبير إخصائيي الاستراتيجية السياسة، ستيف بانون، رجل اليمين الأميركي الشهير، للعمل في لجنة مديري مجلس الأمن القومي، وقد كانت تلك خطوة صادمة للعديد من المطلعين على ما يجري في واشنطن، إذ قال وزير الدفاع الأميركي وقتها، ليون بانيتا، في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز"، "إن آخر مكان تود أن تضع فيه شخصاً يقلقك حول السياسة، هو غرفة يتحدثون فيها عن الأمن القومي"، ويبدو أن هناك ضغوطات تعرض لها ترمب لاحقاً جعلته يقيل بانون من كافة مناصبه ويطرده شر طردة من البيت الأبيض برمته.

روثكوف... قصة تعاظم مجلس الأمن القومي

من أفضل الأقلام التي تناولت شأن تلك اللجنة المثيرة، الكاتب الأميركي الشهير دافيد ج. روثكوف، والذي أفردت له مجلة "فورين بوليسي" الأميركية مساحة واسعة في عدد مارس (آذار) من عام 2010 لتناول شأن هذه اللجنة، وقد جاء لاحقاً عليها وعلى ما يدور من حولها في مؤلفه المعنون: "الطبقة الخارقة... نخبة التسلط العالمي وأي عالم تبنى" والذي صدر عام 2008.

يخبر روثكوف أنه منذ بداية السبعينيات شهد مجلس الأمن القومي مداً وجزراً، لكن من الواضح أن المد سيضحى أكثر ارتفاعاً، لا سيما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن.

وعنده أن غالبية المنافسة مع أجهزة الدولة الأخرى كانت لصالحه، فقد حجب عدد من مستشاري الأمن القومي في العقد الأول من القرن الحالي الضوء والنفوذ عن نظرائهم في وزارتي الخارجية والدفاع، ونظراً لكونه جزءاً من الهيئة التنفيذية للرئيس، يعمل المجلس بحرية استثنائية مقارنة بمعظم الوكالات الحكومية، ولا يخضع مستشار الأمن القومي أو أي عضو آخر في هذا المجلس لمصادقة مجلس الشيوخ، وبالتالي فإن مجلس الأمن القومي ككيان، غير خاضع لإشراف الكونغرس، مع أنه يضطلع حالياً بكثير من مهام وضع السياسات التي كانت تقتصر في السابق على وزارة الخارجية.

ولعل المزيد من الضوء على أعمال تلك اللجنة، يكشف لنا كيف أصبحت نطاقاً للنشاطات التي تود الإدارة إجراؤها خارج إطار التدقيق من قبل الكونغرس، كما أدركت أميركا ذلك عن طريق عمل الأميرال جون بوينديكستر، والكولونيل أوليفر نورث في مجلس الأمن القومي خلال عهد الرئيس ريغان، حيث ظهرت فضيحة "إيران غيت"، أو "إيران كونترا"، والتي عقدت بموجبها الحكومة الأميركية اتفاقاً مع طهران لتزويدها بالأسلحة بسبب حاجة إيران لأنواع متطورة منها أثناء حربها مع العراق، وذلك لقاء إطلاق سراح بعض الأميركيين الذين كانوا محتجزين في لبنان، الأمر الذي أثار استياء عارماً في الداخل الأميركي وقتها، وترك تاريخاً لا يزال موصوماً بالعار حتى الساعة.

والثابت أن سلطة مجلس الأمن القومي قد توسعت منذ نهاية الحرب الباردة، مع نزع أو تخفيف القيود على عملياته. فكل القرارات المهمة التي اتخذت خلال السنوات الـ45 الأولى من وجود مجلس الأمن القومي كانت تأخذ في الحسبان ردود فعل الاتحاد السوفياتي، واليوم تعمل الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة، لا تثقل كاهلها هذه العوامل، ولم يعد يتوجب على صانعي السياسات القلق بشأن عواقب أعمالهم، إلا فيما يتعلق برد فعل الشعب الأميركي، وحتى هذا القيد يكاد يكون تلاشى مع تطور عقلية وطنية المنحى في أعقاب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية.

هل القتل من أعمال مجلس الأمن القومي؟

حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي، كانت عمليات الاغتيال السرية تجري من قبل المخابرات المركزية الأميركية خارج البلاد، وقيل إنه منذ وقت رئاسة الديمقراطي جيمي كارتر قد أُوقف التصريح بتلك العمليات.

غير أن البحث على عمق في أوراق مجلس الأمن القومي يظهر لنا بعداً أكثر إثارة وغرابة، وربما خوفاً وهلعاً، ذلك أن المجلس يحتوي على مجموعة سرية كانت في يوم من الأيام، والعهدة على توم موريسون المشار إليه سلفاً، سرية تحدد أعداء الدولة والمقاتلين النشطين الذين يعيشون على الأراضي الأميركية لاحتمال قيام الحكومة الأميركية باغتيالهم، وما زالت تسمى "لجنة القتل" منذ الهجمات الإرهابية على الأقل في 11 سبتمبر 2001، على الرغم من عدم وجود توثيق للمجموعة الفرعية بخلاف التقارير الإعلامية المستندة إلى مسؤولين حكوميين لم يكشف عن أسمائهم.

يعن للقارئ التساؤل: كيف يمكن أن يصمت الأميركيون، واتحاد الحريات المدنية على مثل تلك الأعمال؟

يبدو الجواب خافتاً، إذ لا يوجد إلا القليل من المعلومات المتاحة للجمهور عن استهداف الولايات المتحدة للناس البعيدين عن أي ساحة معركة، لذلك لا أحد يعرف متى، وأين، ومن يسمح بالقتل المستهدف.

وبينما تحتفظ وكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون بقائمة من الإرهابيين الذين تمت الموافقة على احتجازهم أو اغتيالهم، فإن مجلس الأمن القومي مسؤول عن الموافقة على ظهورهم في قائمة القتل، والمعروف أنه تحت حكم الرئيس باراك أوباما، كان تحديد من تم وضعه في قائمة القتل يسمى "مصفوفة التصرف".

ووفقاً لتقارير إخبارية، تتم إضافة الأسماء إلى قائمة القتل في بعض الأحيان لعدة أشهر، وقد ألغى البيت الأبيض نظاماً كان فيه للبنتاغون ومجلس الأمن القومي أدوار متداخلة في التدقيق، ويتم الآن إضافة الأسماء إلى قوائم الأهداف، وتشارك نحو ست وكالات استخبارية أميركية في مراجعة الأسماء حتى يتم وضع التنقيحات عليها من قبل مستشار الأمن القومي وبمعاونة نظيره الخاص بمكافحة الإرهاب في الإدارة الأميركية.

صلاحيات ومهمات مستشار الأمن القومي

إذا جاز لنا استعارة الأدبيات السياسية الكلاسيكية من القرون الأوربية الوسطى، فإن أفضل وصف يمكن أن يوصف به صاحب منصب مستشار الأمن القومي، هو أنه من: "يوسوس في أذن الملك"، والملك هنا هو سيد البيت الأبيض، إذ يرافق هذا المستشار الرئيس الأميركي لأطول وقت ممكن مقارنة ببقية المناصب المهمة والحساسة.

ليس شرطاً أن تكون لمستشار الأمن القومي خلفية عسكرية أو أمنية، وإن كان هناك أكثر من مستشار قد جاءوا من تلك الخلفية، وعادة ما تفرض الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، الخلفية التي يختار منها الرئيس مستشاره للأمن القومي.

يرأس هذا المستشار عادة اجتماعات اللجنة مع مديري المجلس ووزير الدفاع عندما لا يكون الرئيس حاضراً، وتبقى مهمته الأساسية متمثلة في تقديم طائفة من الخيارات للرئيس حول قضايا الأمن القومي، ومن بين واجباته الأخرى، مساعدة الرئيس في تخطيط جولاته الخارجية، وتحضير المذكرات التي تتضمن المعلومات التوضيحية الأساسية والموظفين اللازمين لعقد اجتماعات الرئيس وإجراء مكالماته الهاتفية مع قادة العالم.

هل تطفو على السطح من وقت إلى آخر إشكالية التداخل بين صلاحيات مستشار الأمن القومي، ومهام عدد آخر من وزراء أي إدارة أميركية؟

قدم لنا، ستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش الابن في ولايته الثانية (2005-2009)، جواباً عن علامة الاستفهام المتقدمة بقوله: "إنه على الرغم من أن مستشار الأمن القومي يعمل بشكل وثيق مع وزراء الحكومة، فإنه يجب أن يكون حريصاً على ألا يسلب دور مسؤولي الحكومة، وبخاصة وزيرا الدفاع والخارجية، اللذان يديران وزارتيهما، ويمتلك كل منهما سلطة التحكم في ميزانية وزارته، وفي كل الأحوال يعد مستشار الأمن القومي صاحب وظيفة ضمن طاقم العاملين أو مجموع الموظفين، ومن هنا فإنه كما أسلفنا معفى من ضرورة مصادقة مجلس الشيوخ على تعيينه، أو الإدلاء بشهادة علنية أمام الكونغرس".

مجلس الأمن القومي ناد حصري لإدارة العالم

هل مجتمع الأمن القومي الأميركي من أكثر النوادي حصرية في العالم؟ هذا ما يقره، روثكوف، في كتابه المشار إليه سلفاً، فهو حكر على حفنة صغيرة من خريجي المدارس والأكاديميات العسكرية، وداخل هذا العالم الصغير، أصبح عدد من الأفراد نافذين جداً، ومن خلال أصدقائهم هيأوا أعضاء من فريقهم ليصبحوا قادة مستقبليين واستغلوا نفوذهم لتوظيفهم في أعلى المناصب.

يبدو مجلس الأمن القومي الأميركي، بصورة أو بأخرى، فرعاً من جماعة السياسة العالمية في واشنطن، تلك المجموعة الصغيرة جداً وذات الأواصر الوثيقة للغاية مع أصحاب النفوذ، كان كثير منهم يعرفون بعضهم البعض وعملوا معاً طوال معظم حياتهم المهنية.

لا يتجاوز عدد الجماعة التي خدمت، أو يحتمل أن تخدم، في مناصب بارزة في السياسة الخارجية والأمن القومي وأولئك الذين يعتبرون الأكثر نفوذاً بينهم، بضع مئات، أغلبهم درس أو قام بالتدريس في عدد من الجامعات النخبوية...

هل من أسماء بعينها تماست مع مجلس الأمن القومي الأميركي، أو مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك؟

خذ إليك على سبيل المثال، وزيرا الدفاع الأسبقان دونالد رامسفيلد وفرانك كارلوتشي، وقد كانا رفيقي سكن في مرحلة ما قبل التخرج في جامعة برنستون، وهنري كيسنجر، وبريجنسكي، وقد كان الأول مستشار الأمن القومي في زمن ريتشارد نيكسون، والثاني مستشار المجلس نفسه في زمن جيمي كارتر، وقد نافسا بعضهما البعض في جامعة هارفارد، أما والد مادلين أولبرايت، المدعو جوزيف كوربل، فقد قام بتدريس مادة الشؤون الدولية لكونداليزا رايس، والتي ستضحى لاحقاً مستشارة الأمن القومي في زمن بوش الابن، في فترة من أخطر الفترات في تاريخ أميركا المعاصرة.

وفي العادة ينتمي أعضاء هذه المجموعة إلى مجلس الأمن القومي، ومجلس العلاقات الخارجية، وغيره من الهيئات التي تقربهم من بعضهم البعض، وغالباً ما يعملون سوياً في إدارة تلو الأخرى.

ونتيجة لسيطرتهم على أكبر الوظائف السياسية في الولايات المتحدة، فإنهم يعتبرون الثلة التي تمتلك أكبر قدر من الروابط مع النخب السياسية الأجنبية في الحكومات حول العالم، وهذا بدوره يرفع قيمتهم كثيراً في واشنطن.

كونداليزا رايس... صعود نجم مستشار المجلس

تبدو أقدار أميركا مرتبطة بشكل وثيق بشخص مستشار الأمن القومي، وبخاصة إذا كان الرئيس الأميركي يوليه قدراً كبيراً من الثقة الشخصية، وهذا ما حدث مع هنري كيسنجر، الذي أقنع ريتشادر نيكسون بإنهاء حرب فيتنام من جهة، ونجح بدرجة كبيرة في احتواء الصين، وفصلها عن الشراكة مع الاتحاد السوفياتي من جهة ثانية.

كان القدر عينه على موعد مع كونداليزا رايس، لتقنع بوش الابن بخطوة اختلف الأميركيون على تبعاتها حتى الساعة، تلك المتعلقة بقرار غزو العراق.

في كتابه "خطة الهجوم"، يحدثنا صحافي التحقيقات الأشهر والأمهر "بوب وودوورد"، عن اللقاء الذي جرى في الثاني من يناير (كانون الثاني) 2003 في مزرعة بوش بولاية تكساس مع مستشارته للأمن القومي رايس.

في ذلك اللقاء أخبر الرئيس الأميركي رايس، أنه يشعر بأن كل محاولاته لجعل عمليات التفتيش التي يقوم بها مفتشو الأمم المتحدة على أسلحة الدمار الشامل لدى العراق أكثر صرامة لم تفلح في دفع صدام حسين إلى تحديها أو رفضها.

كان بوش وعلى حد تعبير وودوورد، يشعر بأن صدام حسين سوف يتمكن من خداع العالم مرة أخرى، وكان يرى أن أعمال التفتيش ليست بالصرامة الكافية وأنها قد تستمر لشهور وربما أكثر وأنها ستنتهي بالفشل.

أدركت كونداليزا من خلال حديثها مع بوش طوال ذلك النهار وحتى الليل، أنه قرر شن الحرب على العراق.

والحقيقة أن رايس تمتعت بمكانة خاصة جداً لدى الرئيس بوش، فقد كانت المسؤول الأميركي الوحيد الذي طلب منه بوش النصيحة بشأن الحرب.

فقد سألها قبل أن يتخذ قراره بشأن الحرب بعد عدة أسابيع "هل يجب علينا شن الحرب؟".

كانت رايس هنا تمثل الرأي المرجح، ما يظهر لنا الدور الكبير والخطير لشخص مستشار الأمن القومي، لا سيما إذا كان صاحب كاريزما، في حين يواجه رئيساً رقيق الحال فكرياً وأيديولوجياً، كما كان الحال مع بوش الابن، عللا الرغم من دراسته في جامعة ييل العريقة.

في تلك الليلة أجابت رايس بوش بـ"نعم"، وأضافت: "ليست مصداقية أميركا فقط هي التي على المحك، ولكنها مصداقية أي شخص يمكن أن تجعل هذا المجرم ينتهك النظام الدولي مرة أخرى".

يعن للمرء أن يتساءل: ماذا لو كان هناك شخص آخر في منصب المستشارية هذا، واستفاض في شرح وجهة النظر الأخرى الرافضة للحرب، وأهميتها، بل وبين للرئيس خطورة الحرب على العراق، وبخاصة أنها تفتح الباب واسعاً لسعي إيران للهيمنة على المنطقة؟

ربما ساعتها كانت أميركا تجنبت المستنقع العراقي، وهذه ليست قصتنا، إنما فقط نشير إلى الدور الخطير لمستشار الأمن القومي ولمجلسه، الذي يمكنه أن يرفع القياصرة الأميركيين إلى عنان السماء إن تحلى بالحكمة، أو ينزل منزلتهم إلى درجة الرئيس الذي يلعنه شعبه في مرحلة لاحقة كما حدث مع بوش الابن.

هل من علامة استفهام هنا؟

بلى، ما محددات صنع قرارات الأمن القومي الأميركي، وماذا عن تأثير تلك القرارات على المجتمع الأميركي أول الأمر وآخره؟

وذلك يحتاج إلى قراءة أخرى.

(اندبندنت عربية)