الهجمات السيبرانية.. لوحة المفاتيح التي قد تشعل حربا

قد تعتقد وأنت تقرأ هذا التقرير من حاسوبك المحمول أو شاشة هاتفك النقال أن التهديد الأكبر الذي قد تتعرض له بلادك في السنوات العشرين المقبلة له علاقة بهجمات نووية أو حرب تقليدية أو حتى هجمات من مجاميع مسلحة متطرفة.

لكن في الحقيقة، وبحسب مختصين في تحديد التهديدات الإلكترونية، قد يكون الخطر "الخفي" الذي ينتقل في موجات واي فاي، بلوتوث، وكيبلات البيانات هو الخطر الذي يجب أن يحذر منه الجميع.

الأحد، قالت إيران وتسريبات إسرائيلية إن "هجوما إليكترونيا" تسبب بحريق و"انفجار صغير" في مجمع نطنز النووي الإيراني، وبالتحديد في قسم توزيع الكهرباء في المجمع، بحسب السلطات الإيرانية.

ونفذ الهجوم المفترض، بعد يوم واحد فقط من إعلان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، البدء بضخ غاز اليورانيوم "uf6" في أجهزة الطرد المركزي في المفاعل النووي.

الهجوم يأتي قبيل إجراء مباحثات نووية في فيينا بين الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين من جهة، وإيران من جهة أخرى.

 ويقول مهندس الأمن الإليكتروني محمد حميد لموقع "الحرة" إن "من الممكن التسبب بانفجار أو حريق بسهولة نسبية لأن منظومات التبريد والتوزيع الكهربائي في المؤسسات الكبيرة تعتمد على الكومبيوتر لإدارة عملها".

وتوقع حميد أن تكون هجمة نطنز تسبب "بزيادة الحمل على منظومات توزيع الكهرباء بشكل فاق قدرتها"، مشيرا إلى أن المخترقين هاجموا "سلاسل التحكم والأمن وعطلوها من خلال تخريب أجهزة الكومبيوتر التي تتحكم بها".

لكن حميد يقول إن هذا النوع من الحواسيب "صعب الاختراق" لأنه لا يربط عادة بشبكات خارجية.

وتقوم إسرائيل منذ سنوات بشن  هجمات إلكترونية ضد المنشآت النووية الإيرانية، بما فيها استهداف نطنز في 2010 عندما استخدمت فيروس إلكتروني عرف باسم Stuxnet طورته بالتعاون مع الولايات المتحدة، ودمرت حوالي ألف جهاز طرد مركزي وتسببت بنكسة كبيرة لبرنامج ايران النووي.

وصف موقع Wired التقني فيروس Stuxnet بأنه "أول سلاح رقمي في العالم"، مضيفا أن الهجوم الذي وقع في مفاعل نطنز سبب الحيرة لمفتشي وكالة الطاقة النووية مثلما سببها للعلماء الإيرانيين الذين عانوا لأشهر من استمرار تعطل حواسيب المفاعل.

وبحسب الموقع "صمم المهاجمون سلاحهم لينتقل عبر وصلات USB لأن حواسيب المجمع غير مرتبطة بالعالم الخارجي".

وفي حين لا يتوقع أن يؤدي "الهجوم" على نطنز إلى إشعال توتر عسكري في المنطقة، إلا أن هذا يمكن أن يحدث "في أي لحظة وفي أي مكان" بحسب المحلل العسكري سامي مختار الذي يقول لموقع "الحرة" إن "توقيت الحادث وخلفياته المتشعبة يشجع بشكل كبير على أعمال انتقامية، وبما إن إيران قد لا تستطيع الرد بهجوم إليكتروني، فإن ردا عسكريا مباشرا أو غير مباشر قد يكون متوقعا في أي لحظة".

"حروب إليكترونية"

في مارس 2021 قال رئيس القيادة الإلكترونية الأميركية الجنرال بول ناكسون إن القيادة قامت بأكثر من "20 عملية" لمواجهة التهديدات الخارجية الإليكترونية قبل الانتخابات الأميركية في عام 2020، منها "11 عملية نفذت في 9 دول".

وعقب الجهود الكبيرة هذه، قالت الولايات المتحدة إنه لم تجر عمليات تزوير أو تأثير على الأصوات في الانتخابات لكنها اتهمت روسيا صراحة بمحاولة التأثير على عملية الاقتراع، وما يزال التوتر بين البلدين مستمرا وكبيرا خاصة بعد تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن التي اتهم فيها نظيره الروسي بأنه "قاتل" وتوعد بالرد.

وبحسب معهد Rand للتحليلات السياسية والعسكرية الأميركي فإن تعريف "الحرب السيبرانية" هو أي "إجراءات تقوم بها دولة أو منظمة دولية لمهاجمة أجهزة الكمبيوتر أو شبكات المعلومات في دولة أخرى ومحاولة إلحاق الضرر بها من خلال فيروسات الكمبيوتر أو هجمات إيقاف الخدمة".

ويقول المحلل مختار إن "هذا التعريف يعني أن هناك فعلا حروبا تقوم الآن بين الدول، قد تتحول إلى حروب بالصواريخ والبنادق في أية لحظة".

ويهدد اتساع رقعة هذه "الحروب" بمخاطر حقيقية على الأمن العالمي خاصة وأن الدول تبدو منهمكة بشكل كبير في مهاجمة بعضها البعض.

وفي الفترة الزمنية منذ مارس 2020 إلى مارس 2021 أحصى مركز CSIS للدراسات الستراتيجية والعالمية الأميركي  150 محاولة اختراق دولية ومحلية.

ويركز إحصاء المركز على الهجمات السيبرانية على الوكالات الحكومية، ومؤسسات الدفاع وشركات التكنولوجيا، أو الجرائم الاقتصادية التي تبلغ خسائرها أكثر من مليون دولار.

وفي قائمة العام الماضي فقط، ظهر اسم الصين 33 مرة، وروسيا نحو 30 مرة، وقراصنة إيرانيين 13 مرة، وهجمات من الولايات المتحدة تجاه دول منها إيران لعدة مرات كما ذكر اسم إسرائيل والسعودية وكوريا الشمالية ودول ومنظمات أخرى.

وشملت الهجمات محاولات تخريب تكنولوجي، وسرقة أسرار صناعية، وأيضا "سرقة أسرار متعلقة بلقاح فيروس كورونا"، كما اتهمت الولايات المتحدة الصين، كما أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي ملاحقته "قراصنة روس" بتهم محاولة تخريب أنظمة وسرقة بيانات والتلاعب بها.

"كل هذه الدول ليست بالتحديد دولا مسالمة، كما إن أغلبها يمتلك أسلحة نووية أو يسعى لتطويرها، وتختلف فيما بعضها بشكل كبير وخطر"، يقول مختار مضيفا أن "خطر أن تؤدي هجمة إليكترونية إلى خسائر كبيرة لا يمكن السكوت عنها، أو إذلال لا يمكن تحمله قائم وكبير جدا، وتطوره إلى معارك عسكرية وارد بشكل كبير".

وبحسب الخبير في أنظمة الحماية الإليكترونية محمد حميد فإنه من الممكن أن "تؤدي هجمة إليكترونية على مؤسسة نووية أو عسكرية إلى سقوط ضحايا، خاصة وأن من الصعب التنبؤ بمدى اتساع الهجمة أو ضررها".

ويحد هذا من إمكانية القيام بهجمات "جراحية" بحسب حميد الذي يقول إن "الدول تستخدم أنظمة مختلفة، وقد يؤدي هجوم فيروسي إلى إصابة أكثر من نظام في وقت واحد، مما قد يحول هجمة تستهدف التعطيل أو التأخير إلى هجمة مدمرة يقتل فيها أشخاص".

خسائر كبيرة

ومنذ اختراع أول "دودة إنترنت" في العام 1988 من قبل روبرت تابان موريس، الطالب الجامعي الأميركي آنذاك، فإن فيروسات الكومبيوتر سببت خسائر بترليونات الدولارات.

وقال موريس، الذي سببت دودته خسائر "محدودة" بحسب موقع ARNNET  التكنولوجي، إنه كان فقط يريد أن يعرف "مدى اتساع الإنترنت" وقت إطلاقه لدودته، ولم يكن يتوقع أن تؤدي إلى خسائر.

وفي عام 2000، قام مراهق كندي يدعى مايكل كالسي المعروف بـMafia Boy بإطلاق فيروس سبب خسائر بأكثر من مليار دولار لشركات تقنية عملاقة مثل أمازون وياهو وإي بي وسي ان ان.

لكن لا أحد يعلم متى ستتحول الحرب الإليكترونية إلى حرب فعلية، ويقول كاتب مقال"من يحتاج سلاحا في حين يمتلك لوحة مفاتيح؟ المهندس ماناف فيرما إن "الصين وروسيا تشنان هجمات إليكترونية على الولايات المتحدة تهدف لشل اقتصادها".

ويضيف المهندس في مقال على موقع Medium المتخصص بنشر التدوينات التكنولوجية إن "الصين والولايات المتحدة مثلا لا يستطيعان حاليا الدخول بحرب مفتوحة، لذا قررا كما يبدو شن حرب إليكترونية بينهما".

ووفقا لقائمة وضعها مركز CSO  الأميركي فإن خروقات الإنترنت في القرن الحادي والعشرين أثرت على "مليارات من الأشخاص" وسببت خسائر مادية هائلة جدا.

وتحتوي قائمة المركز لأكبر 15 خرقا إليكترونيا تعرض لها القطاع الخاص في التاريخ على أسماء شركات عملاقة مثل أدوبي عملاق البرامجيات، وموقع أدولت فريند فايندر للمواعدة، وشركة Ebay التجارية العملاقة، وموقع لينكد إن، وفنادق ماريوت، وموقع ماي سبيس، وموقع ياهو الذي حل أولا في القائمة بخرق أثر على 3 مليارات مستخدم.

"كلها خسائر محتملة" يقول المحلل المختار "لكن في حال قررت دولة ما إنها تريد التصرف عسكريا رد على خرق إليكتروني مؤلم، فهذا قد يكون سبب الحرب العالمية المقبل".