إيران تستفز روسيا بوضع يدها على الدفاعات الجوية السورية

وقع النظام السوري وإيران الأربعاء اتفاقا عسكريا جديدا يستهدف تعزيز قدرات الدفاعات الجوية للقوات السورية، فيما بدا ردا من طهران على الضغوط السياسية والعسكرية التي تتعرض لها لسحب قواتها والميليشيات الموالية لها من سوريا.

وإثر توقيع الاتفاق، عقد وزير الدفاع السوري علي عبدالله أيوب ورئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية واللواء محمد باقري مؤتمرا في دمشق أعلنا خلاله الاتفاقية.

ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن باقري قوله “سنعزز نظام الدفاع الجوي السوري بهدف تحسين التعاون العسكري بين البلدين”، مشددا على أن الاتفاق “سيعزز إرادتنا (…) لمواجهة الضغوط الأميركية”.

وتخضع سوريا وإيران لعقوبات اقتصادية مشددة، ازدادت حدتها على دمشق مع دخول قانون قيصر الأميركي حيز التنفيذ الشهر الماضي.

ويستهدف قانون قيصر إجبار النظام السوري على تعديل سياساته، والقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات بناء على القرارات الأممية السابقة لاسيما القرار رقم 2254، كما يستهدف القانون دفع دمشق إلى التخلي عن الدعم العسكري الذي تقدمه طهران.

ويثير وجود قوات إيرانية وميليشيات موالية لها قلق الولايات المتحدة وإسرائيل التي كثفت في الأشهر الأخيرة غاراتها الجوية على مواقع لإيران لاسيما في جنوب سوريا وشرقها بالقرب من الحدود العراقية.

وهناك ما يشبه عملية توزيع أدوار بين الولايات المتحدة وإسرائيل لإجبار إيران على الرحيل من سوريا، وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي في مؤتمر مشترك مع المبعوث الأميركي لإيران، براين هوك الرئيس بشار الأسد من “المخاطرة بمستقبل” بلاده ونظامه، في حال “سمح لإيران بتثبيت وجودها في الأراضي السورية وعلى الحدود مع إسرائيل”.

ولا تبدو روسيا بعيدة عن عملية توزيع الأدوار هذه حيث أنها ما فتئت، على مدار عمر الصراع، تغض الطرف عن العمليات الإسرائيلية في الداخل السوري ونادرا مع تعلق على مثل تلك العمليات، كما أن موسكو ترفض تفعيل منظومات الدفاع الجوي الحديثة التي استقدمتها إلى سوريا لاسيما إس 300، فيما بدا أن هناك اتفاقا ضمنيا مع واشنطن وتل أبيب حول ذلك.

وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن طهران ودمشق وقعتا على “اتفاقية عسكرية شاملة لتعزيز التعاون العسكري والأمني في شتى مجالات عمل القوات المسلحة في البلدين الصديقين”.

وتم توقيع الاتفاق إثر عدة جلسات عقدها الطرفان، وفق سانا التي نقلت عن أيوب قوله إن “التعاون الثنائي العسكري والأمني نوعي ومستمر وهو يشمل جميع الجوانب رغم اشتداد الضغوط وازدياد حدة التهديدات”.

ويقول المعارض السوري أيمن عبدالنور لـ”العرب” إن الاتفاقية الأخيرة بين إيران وسوريا تحمل بين طياتها ثلاث رسائل: الأولى لا تخلو من تحد للولايات المتحدة وقانون قيصر، والرسالة الثانية لروسيا التي أظهرت في الآونة الأخيرة تململا تجاه سياسات النظام وعناده وهو ما ترجم في مقالات نشرتها وسائل إعلام مقربة من الكرملين تنتقد الأسد والدائرة الضيقة المحيطة به.

ويلفت عبدالنور إلى فتح موسكو قنوات تواصل مع قوى في المعارضة وشخصيات علوية في المهجر، الأمر الذي عزز مخاوف الأسد بشأن النوايا الروسية.

ويرى المعارض السوري أن الرسالة الثالثة موجهة لإسرائيل التي وسّعت نطاق استهدافها لقواعد إيرانية في سوريا، وتريد طهران إيصال رسالة من خلال هذه الاتفاقية تفيد بأنها ستتمكن من السيطرة على الأنظمة الجوية السورية وتطويرها بما يمكّنها من الرد على الهجمات التي تتعرض لها.

وأكد البيان الختامي المشترك للطرفين على ضرورة مواصلة التنسيق بشأن ما اعتبره “مواجهة الإرهاب التكفيري المدعوم من قوى إقليمية ودولية”، مشدداً على ضرورة انسحاب كافة القوى الأجنبية العاملة في سوريا “بصورة غير شرعية”، في إشارة بشكل رئيسي إلى الولايات المتحدة التي تنشر عسكريين في مناطق سيطرة الأكراد في شمال شرق البلاد، وتركيا التي تستحوذ قواتها على جزء مهم من شمال شرق سوريا وشمال غربها.

وتعد إيران الحليف الإقليمي الرئيسي لدمشق، وقدمت لها منذ بدء النزاع في العام 2011 دعماً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وقد بادرت طهران في العام 2011 إلى فتح خط ائتماني لتأمين احتياجات سوريا من النفط بشكل خاص، قبل أن ترسل مستشارين عسكريين ومقاتلين لدعم الجيش السوري في معاركه.

وفي صيف العام 2018، وقع البلدان اتفاق تعاون عسكري ينص على تقديم طهران الدعم لإعادة بناء الجيش السوري والصناعات الدفاعية. كما وقعا اتفاق تعاون اقتصادي “طويل الأمد” شمل قطاعات عدة أبرزها النفط والطاقة الكهربائية والقطاع المصرفي.

ولا يخفى وجود أجندات بعيدة المدى للتدخل الإيراني في الساحة السورية؛ فإلى جانب إنقاذ حليفها الأسد، تسعى إيران لمد خط رابط بينها وبين بيروت حيث يسيطر أحد أبرز وكلائها حزب الله، فضلا عن فتح نافذة على البحر المتوسط.

ويقول المعارض أيمن عبدالنور إن إيران تسعى من خلال الاتفاقية الأخيرة إلى تعزيز قدراتها في مواجهة الضغوط المسلطة عليها للرحيل من سوريا، مشيرا إلى أن هذه الاتفاقية تشكل إحراجا كبيرا للروس لأنها ستفقدهم ورقة مهمة وهي السيطرة على الدفاعات الجوية السورية. وستضع موسكو أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الخضوع لابتزاز النظام، أو الاصطفاف مع المنظومة الدولية لإجبار الأخير على تقديم تنازلات ومنها تلك المتعلقة بالوجود الإيراني.