من ليبيا إلى تكساس.. مآس تبرز معاناة المهاجرين

يجد المهاجرون الذين كانوا يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر المعابر البحرية الليبية أنفسهم محاصرين في مراكز احتجاز مزرية في طرابلس. وعلى بعد آلاف الكيلومترات، يلفظ نهر ريو غراندي، الذي يمتد من جنوب غرب كولورادو في الولايات المتحدة إلى خليج المكسيك، جثث المهاجرين القادمين من بلدان مثل المكسيك كولومبيا والسلفادور في اتجاه أميركا.
 
يغرق المهاجرون في مياه البحر المتوسط ​​والمحيط الهادئ والأنهار التي لا يمكنهم حتى تسميتها، وتختفي جثثهم في الأعماق. كما يسقط البعض من الطائرات بعد اختبائهم وراء عجلاتها. ونذكر الحادثة الأخيرة المتمثلة في سقوط رجل من طائرة تابعة للخطوط الجوية الكينية كانت قادمة من نيروبي إلى مطار هيثرو في لندن.
 
مع خياراتهم الضيقة في البر والبحر، غالبا ما تنظر البلدان إلى المهاجرين الذين يأملون في الوصول إليها على أنهم “صداع سياسي”، كما تتجاهلهم البلدان التي يفرون منها. ويبقى هؤلاء الأشخاص معلقين بين جنة البلدان التي يحلمون بالعيش فيها، وجحيم بلدانهم الأصلية الهاربين منها والبلدان المعتقلين فيها.
 
وحوّلت المآسي الأخيرة الانتباه إلى المخاطر التي يواجهها المهاجرون والقيود السياسية التي تتسبب فيها.
 
وذكرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في تقريرها السنوي الذي صدر في شهر يونيو الماضي، أن 71 مليون شخص نزحوا قسريا في جميع أنحاء العالم سنة 2018، وهي أعلى نسبة مسجلة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
 
ما زال الكثير من هؤلاء النازحين يتنقلون بحثا عن الاستقرار، فيما لا يزال البعض الآخر محاصرا، مثل الآلاف من المهاجرين المعتقلين الموجودين في ليبيا. وقتل مؤخرا 44 مهاجرا منهم وأصيب حوالي 80، إثر غارة جوية ضربت مركز احتجاز في ضاحية تاجوراء.
 
واعترض خفر السواحل الليبي معظم الموجودين في تاجوراء وغيرها من مراكز الاعتقال الليبية، وقد أصبح هو القوة الحدودية للاتحاد الأوروبي الذي يعاني من انقسامات في حكوماته حول أزمة الهجرة.
 
وعلى الرغم من المحادثات التي نظمتها أوروبا والولايات المتحدة بهدف البحث عن حل يخفف من حدة هذه المعضلة، تبقى تركيا وباكستان وأوغندا أهم ثلاث دول تستقبل اللاجئين. وتأتي ألمانيا في المرتبة الخامسة.
 
نقلت وكالة أسوشيتد برس تجربة شاب يبلغ من العمر 20 عاما، هرب من الحرب القائمة في بلاده في أفريقيا جنوب الصحراء قبل عامين. ونجا من الغارات الجوية وتبادل إطلاق النار بين أفراد الميليشيات الذين كانوا يحاولون إبقاء المهاجرين داخل المركز، وتعذيب العصابات التي تبحث عن الفدية، والغرق في البحر. وهو الآن ينام خارج مركز احتجاز تاجوراء مع المئات من المهاجرين الآخرين، أين ينتظر فرصة ثانية للهرب عبر البحر.
 
وقال المتحدث، الذي لم تفصح الوكالة عن اسمه لأن المقاتلين الذين أطلقوا النار عليه ما زالوا يحرسون المكان، “واجهت الموت في ليبيا عدة مرات من قبل. أنا مستعد لمواجهة الموت مرة أخرى. فقدت أخوتي في الحرب ببلدي”.
 
بعد أيام قليلة من الغارة الجوية، غرق قاربان يحملان المهاجرين قرب السواحل الليبية، وفقد حوالي 140 شخصا. وأسعفت سفن الإنقاذ مجموعة أخرى من المهجرين، ثم منعتهم إيطاليا من دخول مياهها الإقليمية في اتجاه جزيرة لامبيدوزا.
 
ولم تقف الحوادث عند هذا الحد. فقد كان أحدهم مستلقيا للاستمتاع بالشمس في حديقة بمنطقة كلابام اللندنية عندما سقطت جثة أحد المهاجرين من طائرة متجهة من نيروبي إلى مطار هيثرو في لندن بجانبه. في اليوم التالي، اجتمع المشيعون في السلفادور لدفن رجل وابنته الصغيرة بعد أن غرقا وهما يحاولان عبور نهر ريو غراندي إلى تكساس.
 
سنة 2015، شهد العالم أزمة لاجئين كبرى مع تدفق السوريين والعراقيين والأفغان إلى أوروبا، ومؤخرا عادت محنة المهاجرين إلى الصفحات الأولى للتذكير بتواصل هذه الأزمة.
 
أصبحت الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك نقطة ساخنة وسط طموحات دونالد ترامب المتمثلة في بناء جدار يمنع المهاجرين من العبور إلى الأراضي الأميركية. وبقي العديد من الأطفال عالقين في مراكز احتجاز في حالة مزرية. كما فصلوا عن عائلاتهم في سياسات يصفها النقاد بأنها غير إنسانية و”غير أميركية”.
 
على نطاق أوسع، يقول المدافعون عن المهاجرين إن الموارد الكافية لمعالجة المشكلة لا تكفي في بلدان المهاجرين، أو البلدان التي يعبرون منها، أو البلدان التي يريدون الوصول إليها. ويقولون إن التعاون الدولي هو الذي يمكن أن يساعد في حل هذه الأزمة، وهو شرط يصعب تحقيقه في فترة تتزايد فيها المشاعر الشعبوية في العديد من بلدان العالم.
 
قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، إن مكتبه يجري “حوارا” مع وزارة الأمن الداخلي الأميركية، و”إذا كان هناك أي مساعدة يمكننا تقديمها إلى الإدارة الأميركية، فإننا على استعداد لذلك”.
 
ودعا إلى مناقشة إقليمية بين بلدان مثل الولايات المتحدة (وجهة العديد من المهاجرين)، والمكسيك (بلد العبور)، وبلدان المهاجرين الأصلية مثل السلفادور وهندوراس وغواتيمالا أين تنتشر العصابات ويغيب القانون.
 
وقال للصحافيين في جنيف “لقد زرت هندوراس وغواتيمالا والسلفادور. يتسبب العنف الذي تمارسه العصابات وعجز الحكومات عن حماية مواطنيها في جزء من تدفقات المهاجرين”. وذكّر بوجوب معالجة الأزمة بطريقة فعالة دون وصم أي طرف أو اتهامه.