"طحن" شاب بين فكي آلة عصر يشعل غليانا في المغرب

شهدت شوارع في مدينة الحسيمة (شمال) حالة غليان شعبي على اثر مقتل الشاب محسن فكري الذي لفظ أنفاسه، ليل الجمعة، بين “فكي” آلة عصر داخل شاحنة قمامة، وذلك أثناء مصادرة بضاعته من الأسماك المعدة للبيع، من قبل سلطات المدينة، ما دفع به الى محاولة استعادة بضاعته من خلال الارتماء في الشاحنة حسب المعلومات المتوفرة.

وقد وجدت السلطات الادارية نفسها في حالة خوف من أن تتحول التظاهرة الحاشدة التي انتظم فيها سكان المدينة للتنديد بما وصفوه بـ”الحكرة” و”استبداد” السلطة في حق المواطنين البسطاء، ألى أعمال شغب قد تخرج عن السيطرة، وهو ما دفع بها الى استقدام تعزيزات أمنية في ظل معطيات حول توافد عشرات سيارات الأمن من مدن أخرى، لتطويق الوضع وتحسبا لأي طاريء.

وذهب البعض الى تشبيه واقعة “تاجر السمك” بما عرفته نهاية 2010 اثر اقدام التونسي محمد البوعزيزي على الانتحار احتجاجا على مصادرة عربة الخضار التي يملكها، غير أن نشطاء على فيسبوك عارضوا ما تم وصفه بانتحار تاجر السمك معتبرين أن الأخير قتل على اعتبار أن مسئول أمني أمر السائق بـ”طحنه” وأنه لم ينتحر.

وفي محاولة للتخفيف من موجة الغضب، سارع محافظ المدينة مرفوقا بالمدعي العام، بلباس بعيد عن الرسميات، الى التحاور مع المحتجين واعدا بفتح تحقيق في الموضوع.

من جهته ندد ” التجمع العالمي الأمازيغي” بأسباب وظروف الحادثة، لافتا الى أن العديد من الروايات تؤكد أن أحد رجال السلطة أعطى أمرا لعصر المواطن المذكور مع الأزبال في شاحنة القمامة، مشيرا الى أن الواقعة تأتي في سياق متسم بتراجع الدولة عن التزاماتها الحقوقية وتفشي الظلم والطغيان وخرق القانون، حسب تعبيره.

وصادرت سلطات المدينة ما يقرب خمسة أطنان من السمك اشتراه الضحية من داخل ميناء الحسيمة لاعادة بيعه بالتجزئة، غير أن السلطات تحججت بأن صنف هذا السمك يمنع صيده، وعقب رميه في حاوية القمامة اعترض الضحية البالغ 32 سنة،على اتلاف بضاعته على اعتبار أنه وضع فيها كامل رأسماله.

وانتشرت منذ الواقعة، هاشتاقات على مواقع التواصل، تندد بظروف الحادثة، ومطالب بمعاقبة المسئولين عن مقتل “تاجر السمك”، والى جانب “شهيد الحسيمة” و”كلنا محسن فكري”، و”شهيد الحكرة”، انتشر بسرعة مهولة وسم “طحن_مو” (اسحق من ولده) في إشارة الى التعبير الدارج والذي تلفظ به المسئول الأمني عند إصداره أوامر لسائق الشاحنة بتشغيل آلة “الضغط” والتي تسببت في موت الضحية، وقال موقع “بابوبي” أن وسم “طحن_مو” تجاوز في فترة قياسية وسم الفنان “ملحم بركات”.

ومن جانبها نددت جمعية تجار ومصدري ومصنعي السمك بالمدينة، بما وصفته بـ “العمل الوحشي والهمجي الذي يعود بنا الى القرون الوسطى والجاهلية”، داعية الجهات المسئولة الى فتح تحقيق في الموضوع.

وأظهرت فيديوهات أعمدة دخان وسيارات شرطة تم قلبها وإضرام النار فيها، من طرف محتجين، في أحد أزقة الحسيمة، وذلك في غياب تام للأمن، كما شهدت مدن وجدة وتطوان ومارتيل احتجاجات على الحادثة، فيما تزايدت الدعوات للاحتجاج في مدن عدة من بينها الدار البيضاء التي دعا نشطاء الى تنظيم تظاهرة بساحة ماريشال التي كانت في فترة سابقة مكانا لتجمع مؤيدي حركة 20 فبراير، فبما دعا الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) أنصاره الى الامتناع عن الاستجابة للدعوات المتعالية للاحتجاج.

كما أصدرت كل من “جماعة العدل والاحسان” (اسلامية) وحزب “النهج الديمقراطي (يساري) المعارضين، والجمعية المغربية لحقوق الانسان بيانات شديدة اللهجة نددت فيها ما وصفته بـ”الفعل الاستبدادي”.

“مرصد الشمال لحقوق الإنسان” دخل على الخط ببلاغ حصلت عليه “رأي اليوم” وصف فيه اقدام دورية الشرطة على مصادرة بضاعة الضحية، بأنه تم بطريقة غير قانونية.

واستنكر “عجز الدولة عن صون حقه في الحياة باعتباره أسمى ما يصبو إليه الكائن البشري من جهة، وبحقه في العيش الكريم من جهة ثانية” .

وطالب المرصد الحقوقي بالكشف العاجل عن ملابسات مقتل محسن فكري، وتقديم الجناة المتسببين في ذلك إلى العدالة في أقرب وقت.

* الرباط: "رأي اليوم" - نبيل بكاني: