القصة تغيرت: السعوديون أطلقوا الصواريخ على السفن الأمريكية
مع تراجع اليقين في البنتاغون حول مبررات الحرب (الهجمات) الصاروخية التي شنتها قوات جيش الولايات المتحدة الأمريكية على الأراضي اليمنية، واضطرار المسئولين الأمريكيين إلى مراجعة تأكيداتهم السابقة والتصريح بانعدام اليقين حول ما حدث ومن قد يكون وراء إطلاق صواريخ مفترضة تستهدف سفناً أمريكية، تتقدم الشكوك لتأخذ الواجهة.
في السياق، أعلن موقع "Zero Hedge" الأمريكي أخيراً (الثلاثاء 10 أكتوبر/ تشرين ألأول) أن السعوديين هم من فعلوا.
يوم الخميس الماضي، بعد هجومين صاروخيين متتاليين على سفينة تابعة للبحرية الأمريكية "يو إس إس ماسون"، الذي "اتُهم فيهما الحوثيون وحلفاؤهم"، حسبما يذكر "Zero Hedge": دخلت الولايات المتحدة أحدث تورط عسكري في منطقة الشرق الأوسط، عندما شنت "يو اس اس نيتز" عدة صواريخ توماهوك واستهدفت منشآت الرادار في اليمن.
وأكد المتحدث باسم البنتاجون بيتر كوك، أن "هذه الضربات المحدودة للدفاع عن النفس نفذت لحماية أفراد جيشنا وسفننا وحرية الملاحة في هذا الممر الملاحي المهم". مضيفاً، أن "هذه الرادارات كانت نشطة خلال الهجمات السابقة ومحاولات الهجوم على السفن في البحر الأحمر".
ومع ذلك، وبعد أربعة أيام من "الهجوم المضاد" تغيرت القصة تماماً: لم يكن هناك أي دليل رسمي أن مقاتلي الحوثي، أو القوات المتحالفة معهم، كانوا مسؤولين عن استهداف السفن الأمريكية.
بالرغم من هذا، فإن عدم وجود دليل ملموس هو أمر لا يزعج الولايات المتحدة، ولذا شنت هجوماً صاروخياً على الأراضي اليمنية، في خرق واضح لسيادة البلاد، وربما أدى إلى مقتل عدد غير معروف من الناس.
توقيت غير بريئ
يجدر، أيضاً، وعند هذه النقطة التذكير بأن التوقيت المريب للتطورات محل النقاش جاء وكأنه بالفعل - كما دفعت مصادر صنعاء في حينه - للتغطية على أكثر المجازر السعودية دموية حيث برزت الاتهامات والحوادث المزعومة بعد يومين فقط من الغارات الجوية التي قتلت وأصابت المئات من المعزين (بحسب وزارة الداخلية قد يرتفع العدد إلى ألف شهيد وجريح) في مجلس عزاء آل الرويشان (الصالة الكبرى) يوم السبت 8 أكتوبر/ تشرين الأول.
طلب تحقيق أممي
كما يجدر التذكير بالتصريحات الصادرة من صنعاء رداً على هذه التطورات العسكرية الخطيرة، والاعتداء الأمريكي المباشر، والتورط العملي في التدخل العنيف في اليمن بما يحقق، بالتأكيد، ويخدم أهداف وحسابات التدخل الأول الذي تقوده السعودية الحليف الأول لواشنطن وبدعم ثابت منها.
كان هناك تصريح للمتحدث باسم وزارة الدفاع اليمنية في صنعاء (ناطق الجيش)، وتصريح آخر باسم مكتب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام -رئيس الجمهورية الأسبق علي عبدالله صالح. الأول جدد نفياً قاطعاً لمزاعم إطلاق الصواريخ وتهديد السفن والملاحة وندد بالعدوان الأمريكي "غير المقبول" وأبدى موافقة وانفتاحاً على استقبال أي لجنة تحقيق أممية ليتحمل كل طرف مسئوليته. وفي تصريح أعطاه ناطق الجيش، أيضاً، لوكالة أنباء روسية نهار اليوم نفسه، طالب بمشاركة روسيا في أي لجنة تحقيق ضماناً للحيادية ونزاهة التحقيق والنتائج.
رواية مكتب الرئيس صالح
وبالتزامن، كان التصريح السياسي، الموقع باسم مصدر في مكتب الرئيس صالح، يورد رواية عملية تتحاشى واشنطن التعاطي معها ويتعمد الإعلام العالمي تجاهلها تماماً رغم وجاهتها-احتمالاً على الأقل من باب مناقشة الفرضيات وإتاحة الفرصة للجانبين.
وهي الرواية التي تفرض نفسها أمام تراجع رواية الدفاع الأمريكية، وارتباك وتخبط المسئولين في البنتاغون، وضخ الكثير من الشكوك حول صحة المبررات التي سيقت لتنفيذ الهجمات الأمريكية على اليمن، والتورط في تدخل خارجي يرى كثير من المراقبين والمعلقين الأجانب خصوصاً، أنه يأتي في سياق ممارسة ضغوط عنيفة ومنفلتة على حلفاء صنعاء وخصوم التحالف السعودي الأمريكي.
على أقل تقدير، كان التصريح المنشور يعطي مؤشرات محددة لتوسيع دائرة التحقق والتحقيق، عندما اتهم السعودية وعبدربه منصور بجلب ونقل المسلحين والعناصر الإرهابية من سوريا إلى عدن أولاً، ونقلهم فيما بعد إلى مناطق بمحاذاة السواحل الغربية والممر المائي الدولي (باب المندب) لاستهداف السفن وحركة الملاحة، واتهام خصومهم في صنعاء لجر الولايات المتحدة إلى التورط في المستنقع اليمني بعد فشل كافة خطط ومجهودات التحالف السعودي عسكرياً وميدانياً على مدى قارب العامين. وأكد المصدر إدانة ورفض المؤتمر الشعبي العام لاستهداف أو تهديد حركة السفن والملاحة الدولية.
تراجع اليقين - تقدم الشكوك
تبدأ القصة الأخرى، أو الفصل الآخر من القصة، بتراجع اليقين وتقدم الشكوك. فقد ذكر موقع (Military) الأمريكي المختص بالدفاع والبحرية الأمريكية، أن المتحدث باسم البنتاغون صرح (الخميس 13 أكتوبر/تشرين الأول 2016)، أن الولايات المتحدة لم تحدد بعد الجهة المسؤولة عن إطلاق الصواريخ على السفن الحربية البحرية في البحر الأحمر. وأضاف بيتر كوك: "أننا لا نعرف من ضغط على الزناد" !
لكنهم كانوا قد شنوا حرباً صاروخية على اليمن؟ هل حدث هذا، إذاً، دون أي مبرر طالما وليس لديهم يقين حول ما حدث، ومن قد يكون الفاعل؟
لا يتوقف مسلسل التراجع عند هذا المستوى، بل زاد انحدار اليقين تباعاً:
مسئولون أمريكيون تراجعوا، يوم الأحد، عن تأكيدات سابقة حول ما يعتقد أنه كان هجوماً جديداً (السبت) بالصواريخ استهدف سفناً حربية أمريكية في مياه البحر الأحمر قبالة اليمن ولم تصب أي منها بأذى، وسقطت في المياه (كسابقاتها!)، بحسب تصريحات منشورة ومتداولة عالمياً.
هذا قبل أن يتغير الأمر ويتراجع مسئولون في وزارة الدفاع إلى رفض تأكيد الحادثة وما إذا كانت قد وقعت بالفعل أم لا.
حتى أن شبكة "سي إن إن" قالت، إن المسئولين كانوا غير متأكدين من معرفة ما حدث، حد بروز تفسير يقول بأن الأمر كان يتعلق بإنذار كاذب (..) بسبب عطل أو خلل في نظام الرادار في مدمرة أمريكية.
وفي اليوم التالي مباشرة، الاثنين 17 أكتوبر/ تشرين الأول، رفضت وزارة الدفاع الأمريكية، مجدداً، تأكيد ما إذا كانت المدمرة الأمريكية ماسون استهدفتها عدة صواريخ أطلقت من اليمن، يوم السبت، مثلما كان يعتقد في بادئ الأمر، قائلة إن مراجعة تجري للوقوف على ما حدث.
وقال المتحدث باسم البنتاجون بيتر كوك: "لا نزال نقيم الوضع. لا يزال هناك بعض الأوجه لهذا (الحادث) التي نحاول أن نستوضحها بالنظر إلى التهديد المحتمل لشعبنا... لذلك، هذا لا يزال وضعاً نقيمه بعناية"، حسبما نقلت له رويترز ووكالات.
أمام معطيات متراكمة كهذه، صريحة (ومريبة في الوقت ذاته)، يتوقف موقع "Zero Hedge" الأمريكي:
هنا تحديداً على المرء أن يتساءل، الآن، إذا كانت الصواريخ التي سقطت بالقرب من السفن الأمريكية مجرد فبركة، تستدعي الولايات المتحدة لشن تدخل أجنبي آخر في اليمن؟
وتوضيحاً لذلك: الحوثيون والقوات المتحالفة معهم، نفوا أي تورط في محاولة استهداف المدمرة ماسون. فلنا أن نشكك؛ خاصة أنه، وبعد بضعة أيام، اعترف البنتاغون رسمياً، بأنه لا يمتلك أي دليل ملموس أن الحوثيين والقوات المتحالفة معهم استهدفوا المدمرة ماسون.
بطبيعة الحال، إذا لم يكن الحوثيون، فإن البديل المنطقي الوحيد هو خصم الحوثيين في اليمن: المملكة العربية السعودية.
وللتوضيح أكثر: أثارت الصحافة والإعلام، بشكل كبير، في الآونة الأخيرة، دور السعودية السلبي في الحرب باليمن.
ولهذا، لن نحصل على اعتراف رسمي من البنتاغون بأن الذين أطلقوا الصواريخ الفاشلة هم حلفاء أمريكا (السعوديون) في محاولة لإثارة الولايات المتحدة للتدخل في الصراع في اليمن وجرها إلى مهاجمة خصوم السعودية. وفي محاولة، أيضاً، لمساعدة السعوديين في التحريض وارتكاب "جرائم حرب" أكثر.