عام من السيطرة على المكلا: "القاعدة" لم يكن كذبة أبريل!

إحدى أهم نقاط القوة التي حققها القاعدة على مدى عام من سيطرته على المكلا ومينائها، تأسيس شبكات مالية واسعة، متشعبة، وغامضة، استطاع عبرها تجنيد آلاف المقاتلين، وتأمين تدفق مالي، صادر ووارد، ساعد على انتشاره وتجنيد الآلاف من المقاتلين في صفوفه.

ليلة مرعبة

فوجئ أهالي المكلا، ليلة الأربعاء 1أبريل 2015، بسماع أصوات الرصاص الحي وانفجارات تدوي في أنحاء المدينة، قرابة 150مسلحاً من عناصر تنظيم القاعدة هاجموا السجن المركزي بحي الديس وفرع البنك المركزي بحي السلام ومعسكر النجدة بحي 40 شقة والقصر الجمهوري مستخدمين قدائف الـ(آر بي جي) والأسلحة الرشاشة.

لم تكن كذبة أبريل

صبيحة الخميس 2 أبريل انتشر عناصر التنظيم، في نقاط أمنية أقامها على مداخل ومخارج المدينة وشوارعها الرئيسية والمقار الحكومية واختفاء السلطات المحلية وجميع المسئولين المحليين والعسكريين وافراد قوات الامن والجيش.

دبت الفوضي في انحاء المدينة المعسكرات، والدوائر الحكومية تعرضت لعمليات نهب وسطو واحراق.

يقول لوكالة "خبر" المواطن (س. م. ب): خرجت صبيحة يوم 2 أبريل متجولاً على دراجتي النارية في ديس المكلا شاهدت النيران تشتعل في مبنى النيابة العامة، ومسلحين ملثمين يكبرون في المكان، واصلت طريقي حتى وصلت الى قرب البنك المركزي والمجمع الحكومي كانت النيران تتصاعد من مبنى الاذاعة وتطويق (مسلحين ملثمين ايضاً) للبنك وسط ذهول الاهالي الذين تجمعوا حولهم ونظرات الحيرة والفضول تعتلي وجوههم علهم يجدون تفسيراً مقنعاً لما يشاهدونه.

اتجهت صوب منطقة خلف، كان مسلحان ملثمان ينصبان نقطة امنية جوار بريد المكلا. واصلت طريقي حتى حي الشهيد خالد، رأيت طقماً ومصفحة عسكرية تلتهمهما النيران والى جوارهما جثث لجنود الجيش، علمت من سكان الحي انهم قدموا فجراً ارسلتهم قيادة المنطقة العسكرية الثانية كتعزيز ولقوا حتفهم في كمين نصبه لهم عناصر القاعدة.

استلام وتسليم

سقطت المدينة في أقل من 8 ساعات، وفرض التنظيم سيطرته عليها في صفقة استلام وتسليمّ بين قيادات عسكرية موالية لهادي وبتواطؤ من المحافظ، انذاك، عادل باحميد الذي فر الى المهرة ومنها الى الرياض.

بعد مضي ايام قليلة شكل تنظيم القاعدة مجلساً اهلياً من شخصيات اجتماعية مقربة من التنظيم وفقا لاتفاق غير معلن جرى بين مجلس علماء اهل السنة بحضرموت (السلفية) والقيادي في تنظيم القاعدة نصر الانسي، قائد عملية اسقاط المكلا، اوكلت للمجلس مهمة تطبيع الحياة في المدينة واعادة النشاط لبعض المرافق الخدمية وتولى ادارة شئونها.

إمارة إسلامية

شرع تنظيم القاعدة في تأسيس "امارة اسلامية" واستحدث ما يسمى ادارة الدعوة والحسبة والمحكمة الشرعية ومقراً امنياً في المدينة، واحكم قبضته على جميع مديريات ساحل حضرموت من ميفع غرباً الى الريدة وقصيعر شرقاً.

كما افتتح عدة معسكرات لتجنيد الشباب اشرف على تدريبهم مقاتلون من جنسيات مختلفة، اضافة الى تلقيهم دروساً ومحاضرات من شيوخ متطرفين اغلبهم سعوديو الجنسية.

وضع قوبل بالرفض

سكان مدن ساحل حضرموت، لم يتقبلوا سيطرة القاعدة على مناطقهم وعبروا عن رفضهم لتواجده وشاركوا في تظاهرات احتجاجية دعت لها منظمات المجتمع المدني خصوصا في مدينة غيل باوزير والمكلا، واجهها التنظيم بالارهاب وشرع في تنفيذ عمليات اعدام بتهم ملفقة واحكام صادرة عن محكمته الشرعية، راح ضحيتها عشرات العسكريين والامنيين والاطباء الشعبيين، اضافة لعشرات الاحكام بالجلد والرجم وكذا مصادرة منازل واختطافات واعتقالات طالت مسئولين حكوميين وسياسيين ونشطاء وصحفيين.

فشل الادارة

فشل التنظيم والمجلس الاهلي في ادارة المناطق الواقعة تحت سيطرته، إذْ سرعان ما دأبت الخلافات وتبادل التهم بالمسئولية عن العجز في تسيير مصالح الناس وتعطيل الحياه فيها.

اقال التنظيم مديري عموم ومسئولين محليين وعين بديلاً عنهم شخصيات مقربة وموالية، خصوصاً في المؤسسات الايرادية مثل المياه والصرف الصحي والأوقاف والكهرباء، كما شكل مجلس تسيير اعمال لمؤسسة موانئ البحر العربي تكون من مديري دوائر المؤسسة.

الدرونز والصيد الثمين

خسر القاعدة في اليمن ابرز قياداته في غارات لطائرة دون طيار "الدرونز" في المكلا مثل: نصر الانسي، وابراهيم الربيش، ومأمون حاتم، ومهند غلاب، وغالب باقعيطي (ابوهاجر)، الذين طالما ظلوا مختفين عن الانظار ومتحصنين في اماكن سرية لسنوات واصبحوا بعد وصولهم المدينة صيداً ثميناً مكشوفاً للطائرات، نالت منهم بضربات خاطفة بأقل كلفة وأكثر دقة.

تشدد ديني

مارس التنظيم التشدد الديني في المجتمع الحضرمي المعروف عنه انه محافظ ومتدين بطبيعته ويغلب عليه الاعتدال والمسحة الصوفية واصبح الناس يضيقون ذرعاً بممارساته لانهم يرون تطرف القاعدة ومبالغته في احكام الشريعة الاسلامية شيء يخالف طبيعتهم وسجيتهم وقيمهم التي فطروا ونشأوا عليها وكأنه دين جديد دخيل على مجتمعهم.

هدم عناصر القاعدة ابرز معالم مدينة المكلا والشحر وغيل باوزير خصوصا المزارات الدينية والقباب التاريخية مثل قبة يعقوب وقبة المحجوب، بل ونبش قبور الاموات ونقل رفات الراقدين فيها من شخصيات دينية واجتماعية وسياسية لاماكن اخرى دون مراعاة لمشاعر المجتمع وحرمة القبور.

القاعدة أكثر قوة ونفوذا بأموال حضرموت

منذ السيطرة على مدينة المكلا ومدن ساحل حضرموت بسط التنظيم على موارد مالية هائلة يصعب التكهن بحجمها وادار عناصره اعمالاً تجارية ضخمة كأعمال الاستيراد والتصدير للبضائع والمشتقات النفطية وصفقات بيع النفط الخام مستغلين نفوذ سيطرتهم على ميناء المكلا وميناء الشحر وميناء الضبة النفطي ومؤسسات الدولة.

كما قام القاعدة بإنشاء ادارة مختصة بجمع الاموال اسماها "ديوان الزكاه" تورد إليها جميع الضرائب المستحقة للدولة من التجار والمصانع والشركات والمحال التجارية اضافة الى جبايات اخرى فرضها التنظيم على المواطنين مثل الضرائب الاضافية في المشتقات النفطية وغيرها.

وفي حالة عدم الدفع يقوم بإغلاقها، كما حصل لشركات ادوية وشركة سبأفون وغيرهما من المنشآت.

خفض التنظيم رسوم الجمارك الحكومية للبضائع المستوردة عبر الموانئ الواقعة تحت سيطرته واصبحت اكثراً نشاطاً، وشهدت حركة تجارية غير مسبوقة لانها تمثل الخيار الامثل للتجار المحليين، في حين ان عائداتها لا تذهب لصالح خزينة الدولة، وانما لحسابات باسم تنظيم القاعدة في بعض شركات الصرافة المنتشرة على مستوى اليمن، يسخرها لصالح اعماله "الجهادية" ومصالح عناصره.

أغرقت الأسواق المحلية بالبضائع المهربة وأصبحت مدينة الشحر مركزاً رئيسياً لتجارة السيارات المستوردة، في حين أصبحت مدينة المكلا مركزاً لتجارة المشتقات النفطية وتغطي المدينتان الأسواق المحلية بحضرموت والمحافظات المجاورة.