هل يستثمر ماكرون فوز فرنسا بكأس العالم لاستعادة شعبيته ومكانة بلاده الدولية؟

شكل وجود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد في روسيا لحضور المباراة النهائية لكأس العالم التي انتصرت فيها فرنسا على منتخب كرواتيا، فرصة غير مسبوقة لاستعادة شعبيته. وقال مراقبون إن ماكرون استغل المونديال لزيارة الكرملين وبحث المواضيع الخلافية مع بوتين.
 
فوز المنتخب الفرنسي الأحد بكأس العالم لكرة القدم يتخطى بكثير الجانب الرياضي للعبة الأكثر شعبية في العالم، ليمس سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون الذي اتخذ من شعار "عودة فرنسا" إلى الساحة الدولية محورا لبرنامجه.
 
ولقد تنافست الصحف الأجنبية اليوم الاثنين في الإشادة بالانتصار الفرنسي في موسكو وبأداء لاعبي منتخب "الديوك". وتصدرت بعناوين مثل "العالم عند أقدامكم" و"موسكو مفتونة، أفضل من نابوليون".
 
وكتب رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب الأحد تغريدة نشرها على حسابه في تويتر موجهة إلى أبطال العالم الفرنسيين "أبطال العالم.. بلادكم تعتز بكم".
 
انتصار لدولة فرنسا..
 
وقال مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس باسكال بونيفاس إن "هذا الانتصار سيعزز صورة فرنسا لسنوات، ومن ثم وبشكل شبه تلقائي صورة من هو على رأسها". واعتبر أنه بعدما "استأثر بالأضواء" على مدى سنة، فإن ماكرون العازم على تجسيد بلد الإصلاحات والذي استعاد الثقة بنفسه، يشهد حاليا "مرحلة فتور".
 
وقال الباحث إن "نجمه خفت قليلا بعد عدم التوصل إلى نتائج مع ألمانيا (حول إصلاح أوروبا) ومع الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب".
 
وقد اصطدمت طموحات ماكرون الأوروبية بضعف موقع حليفته المستشارة أنغيلا ميركل وصعود الشعبويين إلى السلطة بما في ذلك في إيطاليا التي تعد من الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي. وتجد المبادرات الفرنسية صعوبة في أن تترجم على أرضية الواقع بالنسبة لجملة من المواضيع مثل النووي الإيراني وليبيا وسوريا.
 
كأس العالم.. ورقة داخلية!
 
وباتت فرنسا عقب فوز "الديوك" الزرق في مونديال روسيا 2018، بطلة العالم لكرة القدم. وفي هذا الشأن، قال الخبير في الجيوسياسة الرياضية باسكال بونيفاس "حتى في كوريا الشمالية يعرفون بإنجازهم".
 
وتحولت المحافل الرياضية، من الألعاب الأولمبية إلى المونديال، لأداة قوة. تلك "القوة الناعمة" التي لم تعد تأتي من النفوذ والسلطة بل من الصورة.
 
وأكد أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة منطقة فرانش كونتيه ومؤرخ كرة القدم بول ديتشي أن "هذا الانتصار سينعكس حتما على فرنسا".
 
وإن كان نجم فرنسا سيلمع بشكل أقوى مع استضافتها أيضا كأس العالم للركبي في 2023 ودورة الألعاب الأولمبية في 2024، فإن الانعكاسات الدبلوماسية المحتملة لمونديال 2018 ستكون بالأحرى من الجانب الروسي.
 
دبلوماسية الكرة!
 
وصرح بول ديتشي بأن "الرياضة غالبا ما تكون حجة. رحلات ماكرون إلى روسيا لمباراة نصف النهائي، وخصوصا النهائي، يضاف إليها فوز فرنسا، كل ذلك يمكن أن يوجد فرصة لإقامة حوار مغاير مع بوتين".
 
وفي مطلق الأحوال، فقد اغتنم ماكرون الفرصة ليمر بالكرملين ويبحث مواضيع الساعة الخلافية مع الرئيس فلاديمير بوتين قبل الانتقال إلى ملعب لوجنيكي لحضور مباراة فرنسا وكرواتيا.
 
وأضاف ديتشي "يمكن أن نتصور أن ذلك سيسهل الحوار بين فرنسا وروسيا، تماما مثلما أتاحت مباريات لكرة الطاولة بين لاعبين صينيين وأمريكيين في 1971 إعادة نسج علاقات بين الصين والولايات المتحدة".
 
وعقب عشرين عاما على فوزها الأول بكأس العالم ورواج شعار "سود بيض أفارقة" لوصف فريق الأبطال، تظهر فرنسا مرة جديدة موحدة خلف منتخبها المختلط ما بين لاعبين فرنسيين وذوي أصول مهاجرة، وقد استعادت اندفاعها وقوتها بعد موجة الاعتداءات المسلحة التي هزتها.
 
استثمار حدث رياضي لأغراض سياسية !
 
وفي الأحد، هتف الأبطال الشباب مساء عقب فوزهم بالكأس، وهم بجانب ماكرون "تحيا فرنسا، تحيا الجمهورية"، وكأنها صرخة في وجه نزعات التقوقع التي تنامت في السنوات الماضية.
 
وكتبت صحيفة "لامونتانيه" الاثنين ملخصة الشعور العام "نأمل في أن تقرر فرنسا، تلك الميالة عادة إلى الشك في نفسها والانغماس في انقساماتها، أن تستمد من ذلك الطاقة الضرورية للمضي قدما".
 
ويتحتم الآن على ماكرون أن يوظف هذا الإنجاز في السياسة، وهو رهان يوازي تحدي المنتخب الأزرق جرأة.
 
وقال باسكال بونيفاس "هذا يرفع معنويات البلاد، لكن ما سيكون له أهمية للعام 2022 (الانتخابات الرئاسية) هو معدل البطالة وليس النجمة الثانية" التي باتت تزين قمصان لاعبي المنتخب بعد فوزه الثاني بالبطولة.