الغازات الدفيئة كانت السبب الرئيس للتغيرات المناخية في الماضي السحيق

كانت الغازات الدفيئة السبب الرئيس للتغيرات المناخية في أَحَرَّ فترة مرت بالأرض في آخر 66 مليون عام، وهذا يمنحنا بعض المعلومات عن أسباب التغير المناخي الطويل الأمد.

انفصلت القارة القطبية الجنوبية عن أستراليا في نهاية عصر الإيوسين (بدأ من 56 مليون عام وانتهى من 33.9 مليون عام تقريبًا)، فتكوَّن بينهما ممر مائي عظيم، وتغيرت بذلك أنماط الدوران المحيطيّ؛ ويرى بعض الباحثين أن تلك التغيرات كانت سبب انخفاض درجات الحرارة في نهاية عصر الإيوسين الحارّ، لكن آخرون يرون أن السبب هو انخفاض مستويات ثاني أكسيد الكربون.

إن كانت تغيُّرات الدوران المحيطي سبب انخفاض درجات الحرارة، فإن درجات الحرارة في المناطق الاستوائية كانت سترتفع أثناء انخفاض درجات الحرارة في المناطق القطبية، أي كان سيَتبدل توزيع الحرارة على الأرض؛ أما التغير في تركيز الغازات الدفيئة فسيؤثر في حرارة الغلاف الجوي إجمالًا، أي ستنخفض الحرارة في كل مكان (حتى في المناطق الاستوائية)، وهذا ما تأكد للعلماء حصوله، ونُشرت نتيجة دراستهم هذا في مجلة نيتشر.

قالت مارجوت كِرَامْوِينْكِل، المرشَّحة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة أوتريخت الهولندية، والمؤلِّفة الأولى لهذا البحث «لا يمكن تفسير التغيُّر المتزامن لكل من درجات الحرارة الاستوائية والقطبية إلا بتغير مستويات الغازات الدفيئة، وتتوافق نتيجة دراستنا توافقًا تامًّا مع الفرضية الذاهبة إلى أن الغازات الدفيئة كانت سبب الانخفاض الطويل الأمد في درجات حرارة عصر الإيوسين؛ وهذا يحسِّن فهمنا لأسباب التغير المناخي الطويل الأمد، وهو أمر مهم يفيد في توقع التغيرات المناخية المستقبلية!»

غالبًا ما يكُون للتغير المناخي بالقرب من المناطق القطبية تأثيرات أشد من تأثيراته في المناطق الأخرى، وتُدعى هذه الظاهرة «التضخيم القطبي؛» وبالفعل وَجدت الدراسة أن التغير الحراري في عصر الإيوسين كان أكبر في المناطق القطبية مقارنة بالتغير الحراري في المناطق الاستوائية، على الرغم من أن درجات حرارة ذلك العصر كانت عالية جدًّا عمومًا ما جعلت المناطق القطبية شبه خالية من الجليد.

وقالت مارجوت «حتى في عالَم شبه خال من الجليد، برَدت المناطق القطبية أثناء مرحلة التبرُّد بدرجات أكبر من برودة المناطق الاستوائية، وهذا يشير إلى أن تغيرات الغازات الدفيئة ذاتها يمكن أن تسبب ظاهرة التضخيم القطبي.»

وكان عند الباحثين سؤال آخر عن التضخيم القطبي: هل له حدّ؟ قال ماثيو هيوبر، وهو أستاذ العلوم الأرضية والجوية والكوكبية في جامعة بوردو، ومن المؤلفين المشاركين في هذه الدراسة «تَدعم نتائجنا فكرة وصول التضخيم القطبي إلى نقطة التشبُّع في المناخات الحارة عند مرحلة معينة، فلا يستمر في الازدياد بارتفاع الحرارة.»

درس الفريق البحثي الدهون الغشائية لكائنات حية دقيقة بسيطة تعيش عند سطح البحر تُدعى «العتائق العجيبة،» لأنها تُعد مَرايا لدرجة الحرارة، إذ تُغيِّر تركيبة غشائها حين تتغير درجات حرارة العينات الجوفية الأسطوانية للرواسب التي تُستخَرج بالقرب من ساحل العاج.

ضَمَّ الفريق هذه الملاحظات إلى النماذج المناخية التي أعدها فريق هيوبر في جامعة بوردو، لإعداد جدول زمني لدرجات حرارة عصر الإيوسين. وقال هيوبر «استغرقت المحاكاة أربعة أعوام من الحَوْسبة المتواصلة، لنَمْذجة حالات مناخية متوازنة بها مختلف مستويات ثاني أكسيد الكربون؛ وللمرة الأولى تتمكن النمذجة المناخية من محاكاة الأنماط الرئيسة لدرجات حرارة أسطح البحار في المناطق الاستوائية، ومحاكاة التدرجات الحرارية لمناخات ما يقرب من 20 مليون عام. المشكلة الوحيدة أن المحاكاة تطلبت مِن تغيُّرات نسبة ثاني أكسيد الكربون أكثر مما هو مرصود ومُلاحظ بالفعل، وهذا يشير إلى عدم دقة هذا النموذج بما يتعلق بثاني أكسيد الكربون.»

لطالما صعُب على الباحثين نمذجة التدرُّجات الحرارية بين المناطق الاستوائية والقطبية في عصر الإيوسين، وبتلك النماذج المناخية الجديدة تُحَل معظم مشكلات النماذج السابقة.