«ذي أتلانتك»: تزييف الفيديو أصبح سهلًا كتزييف الصور.. كيف يمكنك تمييز الحقيقة؟

في تقرير نشرته مجلة «ذي أتلانتك» الأمريكية، ناقش الكاتب فرانكلين فوير كيف سيبدو العالم مع انتشار تقنيات تزييف الفيديو وتقنيات الواقع الافتراضي، وتحدث عن كيف سيكون تمييز الواقع صعبًا لدى الغالبية من الناس، وعن كيفية استغلال السياسيين لذلك للتأثير على آراء الناس واختياراتهم.
 
انهيار الواقع
 
في الفترة الأخيرة، أصبح من الممكن أن تجد مقاطع فيديو جنسية للكثير من المشاهير على الإنترنت، أو على الأقل تبدو أنها لهؤلاء المشاهير، ففي الواقع هي مفبركة. من خلال الذكاء الاصطناعي، أصبح من الممكن تبديل وجه في فيديو بوجه آخر، والتي استخدمت لصنع مشاهد إباحية للكثير من المشاهير بشكل شبه متقن. في الواقع يعد هذا الفعل واحدًا من أبشع أشكال سرقة الهوية التي تم ابتكارها في عصر الإنترنت، وما يزيد بشاعة الأمر عدم قدرة المشاهد العادي على اكتشاف الخدعة بسهولة.
 
هذه التقنية التي تسببت في قلق شديد وسط الصحافة التقنية، يُطلق عليها «Deepfakes» أو «الزيف العميق» وهي مجرد نسخة تجريبية من مشروع أكثر طموحًا. تحدث أحد داعمي هذه التقنية إلى مجلة «Vice Motherboard» وقال إنه يريد تطويرها لتصبح أكثر آلية لتسمح لأي أحد باستبدال وجه أي شخص في فيديو بأي شخص آخر بخطوات بسيطة، دون الحاجة إلى أن يكون متخصصًا تقنيًا.
 
كتب الكاتب الروسي الأمريكي فلاديمير نابوكوف ذات مرة أن «الواقع» هي واحدة من الكلمات القليلة التي لا تعني شيئًا إذا لم توضع بين علامات تنصيص. أراد نابوكوف التعبير بشكل ساخر عن إن تصوراتنا نسبية، فعندما ننظر أنا وأنت إلى نفس الشيء، كيف يمكنك أن تعرف أننا بالفعل نرى نفس الشيء بالطريقة نفسها؟ مع ذلك ساعدت المؤسسات، كالحكومات، والمؤسسات الأكاديمية، ووسائل الإعلام، على الإجماع على طريقة – من خلال الإيمان بالمنطق والتجربة – حول كيفية وصف العالم، لكن حتى هذا الإجماع أصبح هشًا في السنوات الأخيرة. بعد ذلك ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على مواجهة – ولو بشكل فردي – الأخبار المتحيزة التي تغرس الحقائق المخالفة، لكن يبدو أننا سنعيش قريبًا في عالم تخدعنا فيه أعيننا، يمكننا أن نسميه بعصر انهيار الواقع.
 
تأثير الفيديو
 
يقول الكاتب: إننا نتشبث بالواقع في وقتنا الحالي، فعلى سبيل المثال: ما زالت اللقطات «الخام» غير المعدلة لاغتيال جون كينيدي التي التقطها تاجر للملابس بمدينة دالاس عن طريق الصدفة تلقى الكثير من الاهتمام والتقدير. في المقابل لا تلقى المواد التي تم تحريرها ومعالجتها من قِبل وسائل الإعلام ثقة الكثير من الناس لاعتيادهم على الغلو في الإعلانات والدعاية من قِبل وسائل الإعلام.
 
تسرّب فيديو للرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب انتشر أثناء الانتخابات عام 2016، تفاخر فيه ترامب بالاعتداء جنسيًا على النساء؛ مما أثار غضبًا واسعًا، وكاد يتسبب في خسارة ترامب للسباق الرئاسي. بالمثل ظهر فيديو تم تصويره بكاميرا للمراقبة للاعب كرة القدم الأمريكية راي رايس وهو يجر زوجته التي كانت فاقدة للوعي من مصعد الفندق؛ مما أدى إلى اتهامه بالعنف الأسري، على الرغم من التاريخ الطويل من سوء المعاملة من قِبل اللاعبين.
جانب من المظاهرات إثر مقتل فيلاندو كاستيل
جانب من المظاهرات إثر مقتل فيلاندو كاستيل
في عام 2016 قُتِل فيلاندو كاستيل في سياراته برصاص شرطي أمريكي بولاية مينيسوتا، وقد قامت صديقته بتسجيل فيديو للواقعة وبثه عبر «فيسبوك». لطالما فشلت التقارير الصحفية في إثارة الغضب من وحشية الشرطة، لكن هذا الفيديو أثار جام الغضب لدى العامة والسياسيين، وحتى بعض المحافظين المتشددين، وأدى إلى اعترافهم بالإساءات التي لطالما تجاهلوها.
 
أوضح الكاتب أن تزييف الفيديو سوف يخلق المزيد من الشكوك حول حقيقة ما نراه، وبالطبع سيستغل السياسيون هذه الشكوك. تكمن المشكلة في أنه من الطبيعي أن يثق الإنسان في حواسه، والتي يمكن التلاعب بها من خلال الفيديو، لكن المشكلة لا تقتصر على انتشار الأكاذيب، بل إن مقاطع الفيديو المزيفة هذه سوف تخلق لدينا الشكوك حول كل ما نراه، وسوف يستغل السياسيون هذه الشكوك. على سبيل المثال: على الرغم من إقرار ترامب في البداية بصحة الفيديو المسرب أثناء الانتخابات، فإنه الآن يشكك في أن الصوت في التسجيل ليس بصوته.
 
بعبارة أخرى، فإن تزييف الفيديو سيؤدي في نهاية المطاف إلى هدم الإيمان بأقوى ما يربطنا بفكرة الواقع المشترك، وهو الفيديو.
 
الواقع الافتراضي للتأثير على سلوك المستخدمين
 
لا يمثل خلق واقع جديد، أو «انهيار الواقع»، تأثير جانبي للذكاء غير الاصطناعي، فلطالما كان هدفًا لكثير من رواد التقنية. أحد الأمثلة على ذلك هو تكنولوجيا الواقع الافتراضي، والتي تصنع وهم كامل بوجودك في مكان آخر، والتي تقوم بخداع حواسنا من خلال الأدوات التي تستخدمها مثل النظارات والقفازات. بدأت ألعاب الفيديو عملية نقل اللاعبين إلى عالم بديل، لكن لتقنيات الواقع الافتراضي إمكانية النقل بشكل أكثر شمولًا.
 
قد تكون الحياة أكثر إمتاعًا من خلال الواقع الافتراضي؛ إذ إن احتماليات العوالم الافتراضية يمكن توسيعها وتعزيزها بطرق مذهلة، خصوصًا وأننا نشهد نمو هذه التكنولوجيا من مرحلة طفولتها، لكن إذا ما نجحت الدعاية المبالغة لتكنولوجيا الواقع الافتراضي، مثلما حدث من قبل وقت ظهور الكمبيوتر ووقت انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، سوف تنمو لتصبح صناعة ضخمة تهدف إلى إدمان المستهلكين من أجل تحقيق الأرباح، وقد تهيمن على هذه الصناعة واحدة أو اثنتين من شركات التكنولوجيا العملاقة. وقد قامت شركة فيسبوك بالاستثمار في الواقع الافتراضي بالفعل من خلال شرائها لشركة أوكولوس، وهو أمر غير مطمئن.
 
أشار الكاتب إلى أن القدرة على التلاعب بالمستهلكين سوف تنمو؛ لأن الواقع الافتراضي بالأساس يخلق شكوكًا حول ما هو حقيقي، فقد ذكر بعض مصممي الواقع الافتراضي أن بعض المستهلكين لديهم استجابات عاطفية قوية لتجارب الواقع الافتراضي المرعبة لدرجة أنهم قاموا بخلع النظارات للهروب منها. وقد أظهرت بعد الدراسات كيف يمكن استخدام الواقع الافتراضي للتأثير على سلوك المستخدمين بعد عودتهم إلى العالم المادي، بحسب ما جاء في تقرير «ذي أتلانتك».
حاول باحثون ألمان تنظيم أخلاقيات الواقع الافتراضي، وحذّروا من أن التجربة الشاملة التي يقدمها الواقع الافتراضي «تعطي فرصًا لأشكال جديدة وقوية للتلاعب العقلي والسلوكي، خاصة عندما تكون المصالح التجارية أو السياسية أو الدينية أو الحكومية وراء إبداع العوالِم الافتراضية».
 
ربما سيتمكن المجتمع من إيجاد طرق للتعامل مع هذه التغيرات، وربما سنتعلم التشكل المطلوب للتنقل بين العوالم. على الرغم من ذلك، فقد أظهر البشر حتى الآن قابلية هائلة للتعرض للخداع، أو تصديق العوالم متجانسة مع معتقداتهم أو صورتهم الذاتية بسهولة، بغض النظر عن مدى غرابة هذه المعتقدات أو خطئها. إن مسألة تحديد ما يشكل الواقع ليست مجرد نظرية معرفية، لكنها سياسية تتأثر بالمعتقدات الراسخة.
 
يقول الكاتب: «إن القليلين من سيكون لديهم الوقت، وربما القدرة على تمييز الزيف من الحقيقة، وقد تكون أفضل فرصنا إعادة السلطة الثقافية إلى جهات التقييم الموثوقة، كالصحف والمؤسسات الأكاديمية، وربما تنتبه شركات التكنولوجيا لهذه المشكلة، وتتبنى هذا الدور كذلك؛ نظرًا لأن شركات التكنولوجيا تتحكم في الوصول إلى الأخبار والمعلومات، فإنهم يمكنهم بسهولة التحكم في مقاطع الفيديو المزيفة كذلك».
 
في عام 2016 عندما استخدمت روسيا فيسبوك للتأثير على اختيارات الناخبين الأمريكين في الانتخابات الرئاسية، تحدّث إيلون ماسك عن فهمه لحياة البشر. تحدث ماسك عن نظرية تفترض أننا بالفعل نعيش في محاكاة كمبيوتر كما لو كنا بالفعل شخصيات في فيلم خيال علمي أو لعبة فيديو، وقال في أحد المؤتمرات: «إن احتمالية أننا نعيش في الواقع الأساسي هي واحد في المليارات. إذا كان قادة التكنولوجيا الذين يتحكمون بشكل كبير في معلوماتنا، ويأملون في تشكيل مستقبلنا، لا يمكنهم حتى الاعتراف بوجود الواقع، فإن آمالنا في إنقاذ الواقع ضئيلة للغاية».