الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن انقطاع رواتب الموظفين في اليمن

يقطع حسن - 42 عاما - ما يقارب الكيلو والنصف يوميا، مشيا على الاقدام للوصول إلى عمله الجديد كحارس أمني في إحدى الشركات الخاصة بالعاصمة صنعاء سعياً منه، حسب وصفه، إلى توفير أجرة المواصلات كون راتبه لا يتجاوز الـ100 دولار شهرياً.

وقال حسن، الذي كان مدير إدارة في وزارة الطاقة والكهرباء خلال حديثه لصحيفة "المونيتور" الامريكية: "أحاول من خلال العمل توفير أدنى المواد الغذائية لأسرتي. لقد انقلبت أحوالنا رأساً على عقب منذ بدأت الحرب، فبعد انقطاع مرتباتنا منذ أكثر من عام، اضطررت إلى صرف كل مدخراتي وبيع كل ما يمكن بيعه، وأرغمت قبل 5 أشهر على إخلاء شقتي، بسبب تراكم الإيجار وعدم قدرتي على دفعه. وأسكن الآن أنا وزوجتي وولدي داخل غرفة في منزل والدي القديم".

وتقول الصحيفة الامريكية ان الحال لا يبدو مختلفا لمليون ومائتي موظف حكومي يمني وأسرهم منذ توقفت رواتبهم لعام وشهرين حتى الآن، وإن تفاوتت المأساة من شخص إلى آخر من جراء صراع اقتصادي بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثيين في صنعاء تمثل بنقل البنك المركزي إلى عدن وامتناع الحكومة عن إرسال رواتب الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين حتى يتم تنفيذ طلبها بتوريد إيرادات مؤسسات الدولة في تلك المناطق إلى البنك المركزي وهو ما ترفضه مليشيا الحوثيين.

مشيرة ان ذلك يأتي في ظل تدهور اقتصادي مستمر حيث وصل انهيار الريال اليمني أمام الدولار إلى أعلى مستوياته خلال الشهر الماضي، مسجلاً 475 ريالاً يمنياً مقابل الدولار الواحد، وكان الدولار الواحد يساوي 215 ريالاً يمنيا قبل بدء الحرب في مارس من عام 2015.

ووفقاً لتقرير وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية، انخفض إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة 14.4 بالمئة في عام 2017، ويعني ذلك إذا أضيف إلى الانكماش بنسبة 15.3 في المئة سنة 2016 و17.6 في المئة سنة 2015، خسارة بنسبة 40.5 في المئة في النشاط الاقتصادي منذ بداية الحرب.

وقال رئيس مركز الإعلام الاقتصادي مصطفى نصر لـ"المونيتور": "إن انقطاع صرف الرواتب من أهم أسباب الانهيار الاقتصادي الذي يشهده الاقتصاد اليمني، وإن استمرار عدم صرف المرتبات يقود ملايين من البشر إلى مجاعة، وإصابة الحركة الاقتصادية بشلل. إن الموظفين هم أساس في تحريك الاقتصاد اليمني وتداول العملة في البلد".

وحذرت الأمم المتحدة أكثر من مرة أن توقف الرواتب فاقم التدهور الاقتصادي وزاد الأمن الغذائي انعداماً لكن دونما إحراز أي اختراق لحل هذه الأزمة المستمرة. ففي الموقف الأممي الأخير المعلن في يناير من عام 2018 المنصرم، أعرب منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة مارك لوكوك في بيان صحافي عن القلق البالغ بشأن الوضع الإنساني في اليمن الذي يواصل التدهور والتراجع الاقتصادي.

وذكر مارك لوكوك أن 22.2 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في اليمن الآن، وهو عدد غير مسبوق يزيد بثلاثة ملايين وأربعمائة ألف عما سجل في عام 2017.

وفي 18 أكتوبر 2017، قال المدير الإقليمي لمنظمة اليونيسيف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خيرت كابيليري إن أكثر من عامين ونصف عام من الصراع المستمر في اليمن وضع مرة أخرى تعليم 4.5 مليون طفل على المحك، موضحاً أن ثلاثة أرباع المعلمين لم يتلقوا رواتبهم منذ ما يقارب العام.

من جهته، قال الخبير الاقتصادي أحمد شماخ لـ"المونيتور": "فاقمت أزمة انقطاع الرواتب التدهور الاقتصادي إلى جانب القصور الواضح لأداء البنك المركزي في مهامه. ولولا تحويلات المهاجرين اليمنيين إلى الداخل خلال الفترة الماضية، لكان الدولار الواحد قد تجاوز ما يقارب الـ750 ريالاً يمنياً".

في السياق، اعتبر الباحث في علم الاجتماع في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي خالد قاسم أن أهم الآثار الاجتماعية لانقطاع الرواتب تتمثل في تفاقم الفقر وحرمان ملايين الأطفال من التعليم وتوقف الضمان الاجتماعي.

واضاف خالد قاسم لـ"المونيتور"، أن آثار المشكلة، تتضاعف في ظل التركيبة الأسرية اليمنية الممتدة، فالضرر يتعدى الأسرة النووية إلى الأسرة الممتدة، أضف إلى ذلك أهم ما يحدث والمتمثل في استغلال الحاجة المالية من قبل أطراف الصراع لتجنيد المقاتلين، خصوصاً صغار السن".

وعن ضرورة اتخاذ معالجات سريعة، رأى مصطفى نصر أن حل مشكلة المرتبات أمر يرتبط بالحل السياسي، لافتاً إلى أن هناك حلولاً عاجلة قد تتخذ من خلال مبادرة يقودها البنك المركزي اليمني بالتعاون مع الأمم المتحدة وكل الأطراف، لضمان تسليم المرتبات إلى جميع الموظفين. ويتم تسليم كل الإيرادات المتحصلة إلى فروع البنك المركزي اليمني في مناطق اليمن كافة، ويتم أيضاً إجراء تسوية في حال النقص هنا أو هناك".

من جانبه، يرى أحمد شماخ أنه ينبغي سرعة اتخاذ قرارات اقتصادية عاجلة تتمثل في معالجة الاختلالات وتحسين موارد الدولة المالية وزيادة الإنتاج في القطاعات الواعدة وتفعيل دور البنك المركزي وأدواته والسيطرة على السوق السوداء وإغلاق محلات الصرافة المخالفة، لما من شأن ذلك تحسين موارد الدولة المالية وتقريب الفجوة القائمة بين الإيرادات والنفقات، ومنه إلى صرف المرتبات والأجور".

وأمام أوضاع إنسانية صعبة كهذه وتبعات الحرب، تستمر أطراف الصراع في اللامبالاة والتجاذب بمواقفها ولا تنفك عن إلقاء اللوم على بعضها البعض وترافقها ردة فعل كلامية وتحذيرات مستمرة للمؤسسات الأممية والمواقف الدولية دونما أفعال لوضع حد لكارثة إنسانية يقف أمامها المواطن اليمني وحيداً عاجزاً.