واشنطن بوست: كيف يؤمن نفسه ومن يساعده؟.. نظرة على العالم السري لمؤسس "ويكيليكس"

جوليان أسانج، ذلك الرجل الغامض الذي تعمل كبرى الحكومات في أوروبا وأمريكا معًا للقبض عليه؛ من أجل تحجيم عمل منظمته "ويكيليكس" التي أسسها عام 2006 ومنذ ذلك الحين تخرج من مؤسسته ملايين الوثائق المسربة التي تمس أمن الكثير من الدول، وهي في الأساس تعارض المنظومة الحاكمة في الولايات المتحدة.

في هذا التحقيق المطول الذي نشر في «واشنطن بوست»، وأعده ثلاثة صحافيين: إلين ناكاشيما، وسعاد مخينت، وجريج جافي، ندخل إلى عالم جوليان أسانج السري من خلال رجل على صلة بأسانج، ويتواصل معه باستمرار.

يقول الصحافيون في مستهل تحقيقهم: «اتجه الركاب الخارجون من رحلة خطوط لوفتهانزا – القادمة من مدينة فرانكفورت الألمانية إلى لندن في ديسمبر الماضي – مباشرةً إلى آلات فحص جوازات السفر التي تسمح للمقيمين في أوروبا بدخول بريطانيا سريعًا، وبدون أي تعامل بشري».

شخصٌ واحد يرتدي قلنسوة وبنطال جينز أسودي اللون يشرد عن الحشد. «الكثير للغاية من التفاصيل البيومترية (المقاييس الحيوية)»، يقول أندي مولر-ماجوهن، ناظرًا إلى الكاميرات على الأجهزة التي توفر الوقت.

لقد جاء هنا، كما فعل في أغلب الأشهر الماضية، للقاء مؤسس «ويكيليكس» جوليان أسانج، أكثر الناشرين للأسرار الحكومية إثارةً للجدل. اقتصر تواجد أسانج طوال أغلب السنوات الست الماضية على السفارة الإكوادورية في لندن، خوفًا من ترحيله إلى الولايات المتحدة لمحاكمته بموجب قانون التجسس إذا غادرها. منحت الإكوادور أسانج الجنسية مؤخرًا، لكن المسؤولين البريطانيين يقولون إنه مازال معرضًا للقبض عليه، إذا غادر السفارة.

مولر-ماجوهن هو أحد روابط أسانج القليلة بالعالم الخارجي. يجلب ماجوهن غالبًا كتبًا، أو ملابس، أو أفلام. في إحدى المرات خلال عام 2018، قام بنقل وحدة ذاكرة «يو إس بي» قال إنها تحتوي رسائل خاصة مرسلة إلى مؤسس «ويكيليكس»، والذي توقف عن استخدام البريد الإلكتروني لأسبابٍ أمنية.

لفتت تلك الزيارات نظر مسؤولي المخابرات الأمريكية والأوروبية، والذين يبذلون جهودًا كبيرة لفهم كيفية عمل منظمة أسانج، وكيفية حصولها على كمية كبيرة من رسائل البريد الإلكتروني المقرصنة من «الحزب الديمقراطي»، والتي نشرتها المجموعة في لحظاتٍ حاسمة خلال الحملة الانتخابية الرئاسية في أمريكا لعام 2016.

استنتجت وكالات الاستخبارات الأمريكية الثلاث الكبيرة – «وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه)»، «مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)»، و«وكالة الأمن القومي» – «بثقةٍ كبيرة» أن روسيا نقلت إلى «ويكيلكس» مواد قامت بقرصنتها من اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي ومسؤولين ديمقراطيين كبار. وفي العام الماضي، قال جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي حينذاك: «إن المكتب يعتقد أن عملية النقل حدثت من خلال وسيط بشري أو عدة وسطاء».

لكن الكيفية المحددة التي نقل بها الروس رسائل البريد الإلكتروني إلى «ويكيليكس»، هي موضع تحقيقٍ جار من قِبل مسؤولي المخابرات الأمريكيين والأوروبيين.

في وقتٍ سابق لم يكن المسؤولون الأمريكيون يلقون بالًا لـ«ويكيليكس»، معتبرين إياها ليست أكثر بكثير من آلة «بروباجندا» مزعجة، ومعتبرين أسانج ليس أكثر من ناشطٍ معاد للمؤسسة الأمريكية الحاكمة، لكنهم اليوم ينظرون إلى المجموعة نظرةً أكثر قتامة بكثير.

«حان الوقت لاعتبار (ويكيليكس) ما هي عليه بالفعل: وكالة مخابرات معادية غير تابعة لدولة»، قال ذلك مدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو في الربيع الماضي بعد أن نشرت المجموعة وثائق تصف أدوات القرصنة التي تمتلكها وكالة المخابرات المركزية. في ديسمبر، أكد بومبيو على ذلك التقدير، واصفًا «ويكيليكس» بأنها تهديدٌ للأمن القومي، ومشيرًا إلى أن أسانج لا يستطيع حماية من يسربون له أسرار الدولة. وقال بومبيو: «عليه أن يكون أقل ثقةً قليلًا بشأن ذلك».

يشير التحقيق إلى أنه، في مقابلةٍ بالسفارة الإكوادورية الشهر الماضي، أصر أسانج على أن رسائل البريد الإلكتروني المقرصنة الخاصة باللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي لم تكن قط في حيازة مولر-ماجوهن، ووصف تصريحات بومبيو بأنها «شديدة الغرابة والطنين». لكن مولر-ماجوهن أكثر حرصًا، إذ يتساءل: «من منكم لن يكون شديد الرعب إذا قام مدير وكالة المخابرات المركزية بإعلان أنه الهدف القادم؟».

يكمل التحقيق القصة فيقول: يتحرك القرصان البالغ من العمر 46 عامًا عبر مطار هيثرو كرجلٍ يعلم أن حكوماتٍ قوية تتبع كل خطوة من خطواته. يسافر مراسل من صحيفة «واشنطن بوست» معه، وينقل لنا خطواته لحظة بلحظة.

يقوم مولر-ماجوهن بإغلاق هاتفه خوفًا من أن يكون لدى مسؤولي الجوازات البريطانيين تقنية تمكنهم من سرقة بياناته. يمكن لمولر-ماجوهن دخول بريطانيا باستخدام بطاقته الألمانية، لكنه يفضل استخدام جواز سفره. «تحتوي البطاقة على عنواني»، يقول مولر-ماجوهن.

يتفحص ضابط جوازات قوي البنية جواز سفر مولر-ماجوهن، ويحدق للحظات في شاشة كمبيوتر. «لماذا أنت في المملكة المتحدة؟»، سأله الضابط. «إنني في زيارة لبعض الأشخاص»، يرد مولر-ماجوهن. يكتب الضابط على جهاز الكمبيوتر الخاص به، بينما تشرئب الأعناق لنيل لمحة من الرجل المغطى بالكامل باللون الأسود، والذي يعطل الصف النشيط عادةً من الركاب المتجهين إلى لقاءات عمل في الصباح الباكر.

بعد بضعة دقائق، يلوح الضابط لمولر-ماجوهن بالمرور، والذي يمشي باتجاه المخرج عندما يتذكر الضابط سؤالًا أخيرًا. «سيدي، سيدي، من أين قدمت مجددًا؟»، سأل الضابط بصوتٍ مرتفع. «فرانكفورت»، رد مولر-ماجوهن. ليتابع طريقه ويختفي بعد ذلك، بينما استمر ضابط الجوازات في الكتابة. عاود المسافرون الذين لاحظوا مولر-ماجوهن للحظات التحديق في هواتفهم أو الاتجاه إلى مقاصدهم. يتجه مولر-ماجوهن إلى محطة قطار هيثرو متجهًا إلى لندن.

إلى داخل السفارة

احتضنت المجموعة اجتماعات المعادين للفاشية في ألمانيا ما بعد الحرب وروح قراصنة الإنترنت التحررية. المجموعة التي تعد اليوم أكبر مجموعة قراصنة في أوروبا تعلن عن نفسها على أنها «مجتمع مجري من أنواع الحياة المتعددة، لا يهتم بالعمر أو الجنس أو العرق أو التوجه المجتمعي، ويزدهر عبر الحدود من أجل حرية المعلومات».

أصبح مولر-ماجوهن سريعًا صديقًا وكاتم أسرار ومستشارًا لمؤسس المجموعة الألماني، فاو هولاند. «لقد كانا مثل ثنائي غريب»، قال بيتر جلاسر، العضو بالنادي والصحافي وصديق كليهما. «كان أندي صغير السن ويتصرف مثل الكبار، بينما كان فاو بالغًا ويتصرف كطفل».

في وقتٍ لاحق حول مولر-ماجوهن اهتمامه بالحواسيب والمراقبة إلى شركة أسسها عام 2003 لصنع الهواتف المشفرة. كان مولر-ماجوهن يأمل في بيع الهواتف للصحافيين والمنشقين، لكنه اكتشف سريعًا أن الجيوش ووكالات المخابرات في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط كانوا العملاء الوحيدين الذين فهموا التكنولوجيا، وكانوا مستعدين للدفع مقابلها.

«كان ذلك حينما كنت أتبع مسار الرأسمالية»، قال مولر-ماجوهن مبتسمًا خلال أحد اللقاءات المطولة في برلين.

قضى مولر-ماجوهن عشرة أعوام في بيع الهواتف قبل أن يغادر الشركة. يضيف: «يمكنك تخيل الأمر، إنني أعرف أشخاصًا شديدي الغرابة في أماكن شديدة الغرابة». يقول مولر-ماجوهن إنه يدير الآن مركز بيانات يستضيف مواقع، ويدير البريد الإلكتروني لصالح شركات. كما يعمل أيضًا كمستشارٍ أمني، يساعد الشركات والحكومات في حماية أسرارها. يقع مقر أحد عملائه في الصين، وهي دولة تعرف بقمعها للإنترنت ومراقبتها للمعارضين.

حسب حسابات مولر-ماجوهن، فإن الدولة الشيوعية اسميًا أقل عرضة لممارسة العنف خارج حدودها، وأقل خطرًا من الولايات المتحدة. «إنهم لا يرغبون في فرض معاييرهم على بقية الكوكب، أو جعل الآخرين يرقصون على موسيقاهم»، يقول مولر-ماجوهن، «لذا فإن هناك فارقًا كبيرًا».

في الأعوام الأخيرة، فإن مولر-ماجوهن قد قاده عمله في الاستشارات إلى مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك موسكو، حيث حضر في عامي 2016 و2017 مؤتمرًا أمنيًا تنظمه وزارة الدفاع الروسية. في طريق عودته إلى لندن من أجل مقابلته مع أسانج، يذكر مولر-ماجوهن عرضًا أنه قد عاد للتو من رحلة إلى البرازيل استغرقت ثلاثة أيام. «لقد كانت رحلة عمل»، قال مولر-ماجوهن، رافضًا التوضيح.

يغادر مولر-ماجوهن سيارة أخرى في نايتسبريدج، وهي ضاحية ثرية في لندن تضم متجر هارودز ومقر السفارة الإكوادورية وأسانج. في ذلك اليوم في ديسمبر البارد، كانت المتاجر مزينة لاستقبال موسم الكريسماس. يرفع مولر-ماجوهن كاميرا مزودة بعدسات من نوع «تيليفوتو» ويوجهها نحو مبنى في نفس الشارع الذي تقع به السفارة المبنية من قرميد، حيث تحصن أسانج منذ عام 2012.

يصدر المصراع في كاميرته من نوع «كانون» صوتًا، بينما يلتقط بضعة صور، آملًا في التقاط أدوات مراقبة موجهة نحو أسانج والسفارة. تمر نساء مرتديات معاطف من الفرو بجانبه، بينما تعبر سيارات من طرازي «بنتلي» و«رولزرويس» في الطريق المزدحم بجواره. يتحرك مولر-ماجوهن إلى الأمام للحصول على زاوية أفضل، ويحصل على المزيد من الصور، ثم يعلق الكاميرا على كتفه.

إلى الأمام قليلًا، وبالقرب أكثر من السفارة، يقوم بتوجيه الكاميرا إلى الأعلى باتجاه مبنى سكني يشتبه في أن يكون الإسبان الغاضبون من تغريدات أسانج الداعمة للانفصاليين الكتلان قد وضعوا به فريق مراقبة. ثم يصعد مولر-ماجوهن درجات المبنى الذي يضم مقر السفارة الإكوادورية، حيث يلقي نظرة أخيرة من فوق كتفه، ويدق جرس الباب الأمامي، حيث يتعرف عليه أحد الحراس على الفور، ويرحب به في الداخل.

التقى مولر-ماجوهن بأسانج من خلال نادي كمبيوتر كيوس عام 2007، عندما كان مؤسس «ويكيليكس» يبحث عن الدعم لمنظمته الناشئة. في تلك الأيام المبكرة، وصف أسانج ما أسسه بأنها مجموعة ملتزمة بمهمة نشر مواد أصلية تمكن مواطني العالم من رؤية «أدلة على حقيقة» الشركات العالمية وحكوماتها.

بمجرد عبور أبواب السفارة يطلب أحد الحراس من مولر-ماجوهن تسليم جميع الأجهزة الإلكترونية بحوزته: الكاميرات، هواتف المحمول، وأيضًا ساعته ومفاتيح سيارته. «في المرة الأخيرة لقد فحصوا حتى الفاكهة التي أحضرتها»، يقول مولر-ماجوهن. ويضيف: «إن هذه هي طبيعة وظيفتهم. إن لديهم تعليمات. لذا فإنني لا أشتكي».

مقارنةً ببدايات «ويكيليكس»، فقد انكمشت دائرة جهات اتصال أسانج بدرجةٍ كبيرة. قطع بعض الحلفاء، مثل دانيال دومشايت-بيرج، والذي كان أول من دعى أسانج إلى نادي كمبيوتر كيوس، وعمل متحدثًا باسم «ويكيليكس»، علاقته بالمنظمة عام 2010؛ بعد نشر أسانج مئات الآلاف من الصفحات الخاصة بالجيش الأمريكي، دون مسح أسماء الأفغان الذين ساعدوا الجيش، والمعرضين للاستهداف من قِبل طالبان، بينما ابتعد داعمون آخرون بفعل مشكلات أسانج القانونية، واتهامات الاعتداء الجنسي في السويد، أو تصوره «المانيشي» عن العالم.

ما زال أسانج خائفًا من ملاحقته القضائية من قِبل الولايات المتحدة وكنتيجةٍ لذلك يخشى مغادرة السفارة، قائلًا إن قيامه بذلك سوف يؤدي إلى ترحيله. تدرس وزارة العدل الأمريكية قضية ضده، حسب عديدين على إطلاعٍ على الأمر.

«ويكيليكس» دائمًا مجرد فوضى

مع تقلص حجم «ويكيليكس» وتراجع أسانج من الشأن العام، أصبح من الصعب على وكالات الاستخبارات الغربية الحصول على تصور لكيفية عمل المجموعة. قال تقريرٌ داخلي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية صدر في نوفمبر الماضي: إن مجتمع الاستخبارات الأمريكي «حصل على بضعة تصورات جيدة عن الأعمال الداخلية لـويكيليكس». توقعت الوكالة أن تقود آراء أسانج السلبية بشأن واشنطن إلى أن تستمر المجموعة في استهداف الولايات المتحدة «على نحوٍ غير متناسب».

يقول داعمون سابقون لـ«ويكيليكس»: إن أهواء أسانج تحكم المجموعة. «الطريقة التي يمكن أن تفكر بها في الأمر هي إنها دائمًا مجرد فوضى»، قال أحد نشطاء «ويكيليكس» السابقين، والذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته للإدلاء برأيٍ صريح وتفادي الانتقام من قِبل أسانج. وتابع: «ليس هناك أي أنظمة. ليس هناك أي إجراءات، لا توجد قواعد رسمية أو ساعات عمل. الأمر يتوقف فقط على جوليان، وأيًا كان ما يشعر به».

خلال الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2016، قال أسانج إنه يرغب في الحصول على مواد تدين مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. «كان الأمر كأنه يسأل الجميع: هل يمكننا الحصول على شيء من أجل الانتخابات؟»، يتذكر مولر-ميجر.

يوقع أسانج على جميع منشورات «ويكيليكس»، لكنه لا يراجع كل ما يرد إلى المجموعة. «لأسبابٍ أمنية، هو لا يرغب في ذلك»، يقول مولر-ماجوهن. لكن حديث مولر-ماجوهن عن الأعمال الداخلية لـ«ويكيليكس» كان مبهمًا.

قال زميل سابق بـ«ويكيليكس» إن مولر-ماجوهن وشخصًا آخر كانا يشرفان على ما يرد لـ«ويكيليكس» من خلال خادم الاستلام المجهّل الخاص بـ«ويكيليكس» في عام 2016، لكن مولر-ماجوهن ينفي ذلك. عند سؤاله عن مراجعة عملية مراجعة المواد المستلمة، يرد «لا أرغب في ذلك».

الطريقة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها للتواصل مع أسانج، يقول مولر-ماجوهن، هي من خلال الرسائل المباشرة على «تويتر». «يبدو الأمر كما لو كان يعيش على موقع تويتر»، يضيف مولر-ماجوهن، والذي لا يخفي نفوره من الموقع، متابعًا: «على تويتر أنت تتابع الناس، وذلك هو ما يمنعك التاريخ الألماني من القيام به».

كما أن حجم فريق «ويكيليكس» وموارده المالية غامضٌ كذلك. لم يرغب أيٌ من مولر-ماجوهن أو أسانج في الإفصاح عن عدد من يعملون ضمن المجموعة أو أين يقيمون. «يبدو الفريق صغيرًا نسبيًا»، يقول مولر-ماجوهن.

راكمت «ويكيليكس» رصيدًا من «البيتكوين»، وهو عملة رقمية تمكن حاملها من القيام بتحويلاتٍ مجهّلة لا تمر بالبنوك. كانت قيمة هذا الرصيد تبلغ حوالي 18 مليون دولار وقت كتابة المقال، بالرغم من وصوله إلى 25 مليون دولار عندما ارتفعت قيمة العملة مسجلةً أقصى قيمة لها في أواخر ديسمبر. على مدار الأعوام الماضية، جمعت مؤسسة «ڨاو هولاند»، والتي أُسست عام 2003 بعد وفاة مؤسس نادي كمبيوتر كيوس، مئات الملايين من الدولارات لصالح مجموعة أسانج.

يرأس مولر-ماجوهن المؤسسة، والتي تسعى إلى الدفاع عن «حرية المعلومات والشجاعة المدنية بأشكالٍ متعددة». يقول مولر-ماجوهن: إن المؤسسة قد وفرت الدعم لبعض منشورات «ويكيليكس»، مثل الكشف عن صندوق أدوات اختراق (سي آي إيه). يصف مولر-ماجوهن نشر تلك الوثائق بأنها خدمةٌ عامة، مضيفًا أن الوكالة كانت «تعبث بحواسب الآخرين، وتجعل الأمر يبدو كما لو كان شخصًا آخر هو من قام بذلك».

بالنسبة لأسانج، أية إشارة إلى أن مولر-ماجوهن قد يكون عمل كوسيط لإيصال رسائل البريد الإلكتروني للجنة القومية للحزب الديمقراطي هي «محاولة بائسة» من قِبل وكالات المخابرات الأمريكية للإضرار بمؤسسة ڨاو هولاند، والتي هي ممر رئيس للتبرعات غير الخاضعة للضرائب في أوروبا.

يزيد كثيرًا من خطر التهديد كون المصدر الوحيد الآخر للتبرعات غير الخاضعة للضرائب، وهي مؤسسة حرية الصحافة التي يقع مقرها في الولايات المتحدة، قد قطعت علاقاتها بـ«ويكيليكس».

يقول مولر-ماجوهن إنه لا يمكنه الجزم بمحتوى وحدة الذاكرة التي نقلها إلى أسانج. «كيف يمكنني إثبات ما كان على متنها»، يقول مولر-ماجوهن، «لا يمكنني ذلك». لكنه يضيف أن نقل ملفات حساسة يدًا بيد بدلًا من استخدام قنواتٍ مشفرة سوف يكون خطيرًا وغير عملي. «عملية تهريب كلاسيكية؟ يبدو أنك شاهدت الكثير للغاية من أفلام السبعينات»، يقول مولر-ماجوهن.

في الوقت الحالي، يصف مولر-ماجوهن زياراته إلى السفارة بأنها مدفوعة بشيءٍ نادر في عالم أسانج: الصداقة. يضم زائرو أسانج مشاهير، مثل الممثلة باميلا أندرسون، وسياسيين مثل نايجل فراج، وهو من أبرز الداعمين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ودانا روراباتشر، وهو عضو بالكونجرس من ولاية كاليفورنيا.

عندما يتحدث إلى زائريه، فإن أسانج يقوم بتشغيل مولد ضوضاء بيضاء في السفارة لمكافحة أجهزة التنصت. فوق الباب، يشير إلى كاميرا مراقبة، موضحًا أن أية رسائل حساسة ينبغي إيصالها فقط عبر ملاحظات مكتوبة بخط اليد، مع حماية المكتوب من الكاميرا باستخدام اليد أو غطاء المذكرة.

في الثالث من يوليو زار مولر-ماجوهن أسانج في السفارة للاحتفال بعيد ميلاد أسانج الخامس والأربعين. داخل المبنى الطوبي، عزف أطفال إكوادوريون مرتدين الملابس التقليدية لأسانج باستخدام جيتاراتٍ ومزاميرٍ صغيرة. «لدي ذلك الانطباع البغيض لي، واقف هناك أشاهد أشخاصًا يبلغون من العمر 50 عامًا يعزفون لنا، وجوليان لم يزل هناك»، قال مولر-ماجوهن.

بعد حوالي ساعتين داخل المبنى، يخرج مولر-ماجوهن حاملًا حقيبة جلدية مليئة بالوثائق وكاميرته من طراز «نيكون». يشق طريقه سريعًا وسط حشود عيد الميلاد عائدًا إلى مطار هيثرو للحاق برحلة مسائية عائدة إلى ألمانيا. يحاول مولر-ماجوهن تقليل وقته في بريطانيا إلى أقل حدٍ ممكن، قائلًا: «لا أحب قضاء الليل في بلدٍ يعاديني».