فوبيا قطرية تغرق الدوحة في "سباق تسلح" مع نفسها

ما تشتريه قطر من أسلحة يظل عديم الجدوى والفائدة في ظل غياب التهديدات الجدية وصغر حجم القوات المسلّحة التي يفترض أنّ تستخدمه. لكنّ الهدف من عقد صفقات التسلّح باهظة الثمن هو خلق شبكة من العلاقات مع مختلف القوى الوازنة في العالم بمواجهة العزلة الخانقة التي تعانيها الدوحة في محيطها المباشر جرّاء سياسات نظامها.
 
بدت قطر في الفترة الأخيرة من خلال إنفاقها الضخم على شراء الأسلحة، أشبه ما تكون في سباق تسلّح على غرار ذلك الذي تخوضه دول كبرى ضدّ دول منافسة لها حفاظا على توازن الرعب معها، وتحسّبا لما يمكن أن يصدر عنها من تهديدات، لولا أنّ “السباق” القطري يظلّ من جانب واحد في غياب أي تهديد عسكري واضح لقطر، خصوصا من قبل بلدان محيطها المباشر، فضلا عن عدم جدوى تلك الأسلحة بيد جيش بالغ الصغر، بدليل لجوء الدوحة بعد إنفاق المليارات من الدولارات إلى طلب الحماية لنظامها من الحليف التقليدي الولايات المتحدة بعد استقدام قوات “حليف” طارئ على منطقة الخليج وهو تركيا.
 
ويبدو من خلال ذلك أن صفقات التسلّح القطرية ليست سوى جزء من عملية “شراء” الحلفاء التي اعتاد النظام القطري على ممارستها بشكل أوسع نطاقا عن طريق صفقات مع الدول الكبيرة والمؤثّرة تتجاوز مجال التسلّح إلى عدّة مجالات أخرى.
 
ومنذ اندلاع الأزمة القطرية جرّاء مقاطعة كلّ من السعودية والإمارات ومصر والبحرين للنظام القطري بسبب دعمه للإرهاب، اتضح أكثر فأكثر نهج قطر في فكّ طوق العزلة من حولها باللجوء إلى استغلال الثروة الضخمة المتأتية من مبيعات الغاز عبر مزيد من التمويل في الإنفاق الدفاعي. وأبرمت الدوحة سلسلة عقود عسكرية خلال الأشهر الثمانية الأخيرة تقدر قيمتها بنحو 25 مليار دولار.
 
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن الأستاذ المساعد في معهد “كينغز كولدج” في لندن ديفيد روبرتس قوله “فيما ازداد إنفاق قطر الدفاعي على مدى سنوات، تبدو الزيادة الأخيرة في الإنفاق مرتبطة بشكل مباشر بالأزمة”.
 
واشترت الدوحة طائرات من طراز آف 15 من الولايات المتحدة بعد أقل من أسبوعين من إعلان الدول الأربع عن مقاطعة قطر، في وقت بدا فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب متفهّما لدوافع تلك الدول.
 
وفي ديسمبر الماضي وقّعت الدوحة اتفاقا مع فرنسا لشراء مقاتلات من طراز رافال خلال زيارة قام بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى قطر.
 
ونبّه مراقبون إلى أنّ مثل تلك الصفقات تدخل قطر في متوالية استرضاء القوى الكبرى ما سيرتّب عليها أعباء قد لا تكون دائما قادرة على تحمّلها رغم وفرة عائداتها من بيع الغاز.
 
وأثارت صفقة الرافال حالة من القلق في أوساط المسؤولين في بريطانيا الساعية بقوة لإبرام اتفاقات ثنائية خاصة بها في وقت تتفاوض على شروط انسحابها من الاتحاد الأوروبي. وبعد أيام، وقّعت لندن على اتفاقية لتزويد سلاح الجو القطري بمقاتلات من طراز تايفون. وستوفر بريطانيا كذلك الأمن الجوي لقطر خلال كأس العالم عام 2022.
 
وأُعلن الشهر الماضي أنّ قطر منخرطة في محادثات لشراء صواريخ دفاع جوي من روسيا. ولم تكتف قطر التي تحدها المياه من ثلاث جهات بعقود الدفاع الجوي، فدخلت في مفاوضات لإبرام صفقة بمليارات الدولارات لشراء سبع سفن حربية إيطالية.
 
وتنكشف الغاية من وراء كلّ تلك الصفقات عندما تلجأ قطر بعد إبرامها، إلى طلب الحماية من تركيا والولايات المتّحدة.
 
وخلال الأيام الأخيرة، أفاد وزير الدفاع القطري خالد بن محمد العطية أن بلاده ترغب باستضافة البحرية الأميركية. وتضم قطر حاليا أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، وهي قاعدة العديد التي يتمركز فيها نحو 10 آلاف جندي أميركي. وبإمكان تركيا كذلك، التي تملك قاعدة عسكرية في قطر، أن تنشر قوات بحرية في الدولة الخليجية، بعد أن كانت قد أوفدت عددا محدودا من القوات طلب النظام القطري استقدامها تحسّبا لأي تحرّك داخلي ضدّه من قبل معارضته من داخل الأسرة الحاكمة نفسها.
 
وفي خطوة رمزية، استعرضت القوات القطرية خلال احتفالات اليوم الوطني في ديسمبر الماضي صواريخ باليستية قصيرة المدى حصلت عليها مؤخرا من الصين.
 
ويصف اندرياس كريغ، الذي كان مستشارا عسكريا للحكومة القطرية حتى العام الماضي، ما تقوم به قطر بأنّه “استثمار عسكري ضخم”. .ولا ينفي عدم وجود أي تهديدات لقطر من غزو خارجي عدم وجود هواجس تصل حدّ الفوبيا لدى النظام القطري من تغيير من الداخل خصوصا وأن شخصيات من داخل الأسرة الحاكمة نفسها تبدي امتعاضها الشديد من سياسات الأمير الشيخ تميم الواقع تحت تأثير والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي ربط البلد بأجندة جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة.
 
ولن تكون الطائرات وأنظمة الدفاع الجوي فاعلة في إحباط أي تحرّك من الداخل ضدّ نظام الشيخ تميم، لكن الفائدة الكبرى أن من يفكّر بمثل ذلك التحرّك يعلم مسبقا أنّه سيصطدم برفض الدول الكبيرة والمؤثرة المرتبطة بمصالح كبرى مع النظام الذي يريد تغييره.
 
ومن هنا فإنّ العقود العسكرية التي تبرمها قطر تحمل قيمة تتجاوز الأسلحة بحد ذاتها. فبالنسبة لنظام الدوحة هي وسيلة لتعزيز علاقاته مع دول كبرى.
 
وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية القطرية لولوة الخاطر لوكالة فرانس برس إن الصفقات الدفاعية الثنائية تساعد على “تعزيز هذه الشراكات”. وأكد روبرتس أن الصفقات تخلق “تشابكا عميقا” بين أمن الدوحة من جهة وواشنطن وباريس أو لندن. وأشار إلى أن “قطر تريد أن تكون لهذه الدول مصالح مباشرة معها بشكل متزايد”.