ذا جلوب بوست: التدخل السعودي في اليمن لم يحقق الأهداف السياسية للرياض

يعاني اليمن من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم التي وصفها منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بأنها "مروعة" بعد زيارة استمرت خمسة أيام.
 
اليمن لم يكن تسونامي، أو زلزالا، أو أي كارثة طبيعية أخرى، بل كارثة من صنع الإنسان.
 
وقد ساهمت حركة الحوثيين في اليمن في الفوضى. بيد أن التحالف الذي تقوده السعودية، المكون من عدة بلدان عربية وأفريقية وبدعم أمريكي بريطاني، يتحمل المسؤولية عن معظم الدمار في اليمن، بعد تدخله في الحرب في مارس 2015 والقيام بحملة قصف دامية منذ ذلك الحين ولا يزال.
 
وأثر التدخل العسكري السعودي في الصراع الداخلي في اليمن بشكل غير متناسب على المدنيين ودمر الكثير من بنيته التحتية الحيوية. واستهدف المدارس والمستشفيات وغيرها من المناطق المدنية مثل المزارع - ربما حتى عمداً - لإضعاف مناطق المعارضة.
 
وبدون وجود دولة تعمل بكامل طاقتها، تعاني اليمن من أزمة صحية عامة ضخمة، بما في ذلك أكبر تفشٍ لوباء الكوليرا في التاريخ الحديث، حيث لا يمكن لنظام الرعاية الصحية في البلاد أن يحوي هذا المرض الذي يمكن علاجه. ويتعرض سبعة ملايين شخص لخطر المجاعة، في حين يحتاج أكثر من 11 مليون طفل إلى المساعدة الإنسانية.
 
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، يتم ذلك باسم دعم الرئيس عبدربه منصور هادي، لسحق الحوثيين الذين يعارضون نظامه. إلا أن التدخل لم يحقق الأهداف السياسية للرياض، بل شوه صورتها وألحق الضرر بالمجتمع المدني اليمني.
 
وفي أكتوبر أدرجت الأمم المتحدة التحالف الذي تقوده السعودية على القائمة السوداء لارتكابه جرائم حرب. وفي الوقت الذي يزعم فيه التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن تطبيق القانون الدولي، تعتبر الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية أعماله في اليمن غير قانونية.
 
ويتم تمكين الجرائم السعودية في اليمن بدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في شكل مساعدات لوجستية وعسكرية. في السنة الأولى من الصراع وحده، بلغت مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية أكثر من 20 مليار دولار، في حين أن مبيعات المملكة المتحدة تجاوزت 4 مليارات دولار.
 
وقد اتضح هذا الدعم الغربي لجرائم الحرب المحتملة في سبتمبر عندما أسفرت قنبلة أمريكية أسقطت على مستشفى تدعمه منظمة أطباء بلا حدود الخيرية الطبية عن مقتل 11 شخصا وإصابة 19 آخرين.
 
وقال فيليب لوثر، مدير في منظمة العفو الدولية بعد الهجوم: "من الشنيع أن تواصل الدول تزويد التحالف بقيادة السعودية بأسلحة، على الرغم من الأدلة الصارخة على أن هذه الأسلحة تستخدم لمهاجمة المستشفيات والأعيان المدنية الأخرى وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي".
إن الدعم الغربي لا يمكِّن السعودية من ارتكاب جرائم حرب محتملة فحسب، بل هو جزء أساس من حملتها العسكرية. وتمتلك شركة هندسة الفضاء الجوي البريطانية أكثر من 6200 موظف داخل المملكة العربية السعودية، وقدمت تدريبا أساسيا للقوات الجوية السعودية. وبالمثل، تبيع الولايات المتحدة القنابل العنقودية، التي يعدها معظم المجتمع الدولي غير قانونية ، والطائرات المقاتلة من طراز F-15 التي تشكل جزءا رئيسا من سلاح الجو في المملكة. وكما قال الدكتور نويل بريهوني، رئيس شركة ميناس أسوسياتس، لـ"غلوب بوست"، "إن سلاح الجو السعودي لن يعمل على الأرجح بدون الدعم الأمريكي والبريطاني".
 
وقد اقترح آخرون أن الربح هو العامل الرئيس المحفز في هذه العلاقة المستمرة.
 
وقال أندرو سميث، المتحدث باسم حملة مكافحة تجارة الأسلحة، لـ"غلوب بوست" إن "الأسلحة الغربية تلعب دورا محوريا في الفظائع التي تقودها السعودية على الشعب اليمني". وأضاف: "الرسالة التي يرسلها الغربيون إلى أولئك الذين يعانون من القمع هي أن حقوقهم الإنسانية لا تهم، وأن رفاهيتهم أقل أهمية من أرباح شركات الأسلحة".
 
وأدى التدخل الخارجي خلال القرن الماضي إلى زعزعة استقرار اليمن. في الستينيات من القرن العشرين، تعارض السعوديون المدعومون من الغرب مع المصريين الذين يدعمهم السوفييت بقيادة جمال ناصر للسيطرة على اليمن، في كفاحهم الأوسع من أجل السيطرة على العالم العربي والصراع الأيديولوجي في الحرب الباردة. وفي نفس العقد، نال الجزء الجنوبي من البلاد استقلاله بعد الثورة الكبرى ضد الحكم الاستعماري البريطاني.
 
بعد توحيد اليمن في عام 1990، بقيادة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، تدخل السعوديون مرة أخرى، في محاولة لهندسة انقسام الجنوب عن الشمال وفشلوا.
 
حتى اليوم، تدعم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي هي جزء من الحملة الجوية للتحالف، الفصائل المختلفة في الصراع. ولكن قدرتهم على القيام بذلك ستكون محدودة دون دعم غربي.
ويثير البعض مسألة القوى العالمية الأخرى مثل الصين أو روسيا التي ستبيع أسلحة إلى السعودية إذا سحب الغرب الدعم العسكري.
 
لكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قوى عالمية، وستشكل هذه الخطوة سابقة في المجتمع الدولي. وعلاوة على ذلك، يمكن لكل من البلدين استخدام مواقفهما للمساعدة في التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة اليمنية.
 
ولن يؤدي القصف إلا إلى إطالة أمد الصراع. ويقول الدكتور نويل بريهوني إنه "كلما مزق اليمن المزيد من الحرب، خلق بيئة للمتطرفين مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية أو الدولة الإسلامية في اليمن". ولذلك فهو يعتقد أن الشعب اليمني لن يعاني فقط من الصراع، لكن استمرار القتال سيمكن الفصائل الإرهابية من تهديد الاستقرار الإقليمي.
 
وقال عبد الجليل شايف من معهد هادفيلد في مؤتمر عقد مؤخرا حول اليمن في انجلترا إنه يجب البحث عن حل بديل لموقف الفوضى الغربية على اليمن. ودعا السيد شايف إلى سحب الدعم العسكري الغربي من التحالف الذي تقوده السعودية، وأن على المملكة المتحدة والولايات المتحدة استخدام نفوذهما الدولي من أجل التوصل إلى تسوية دبلوماسية سلمية تعود بالنفع على الشعب اليمني.
 
*صحيفة "ذا جلوب بوست" الأمريكية.