ديلي بيست: الدعم الأمريكي في تدمير اليمن يخلق تهديدات خطيرة على الولايات المتحدة

في حملته الانتخابية، اتهم ترامب السعودية بأنها كانت وراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر الارهابية. ولكن في الأشهر الثمانية الأولى من حكمه عام 2017، باعت الولايات المتحدة ما مجموعه 1.56 مليار دولار من الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية لاستخدامها في الحرب المدمرة على اليمن.

قبل أن يخرق ترامب تقليداً تاريخاً ممتداً، وذلك بجعله السعودية أول وجهة له في زياراته الخارجية كرئيس، حيث لاقى استقبالاً محفوفاً بالهدايا الكثيرة، وتشير التقارير إلى أنه وقع صفقة أسلحة حققت رقماً قياسياً جديدا مع المملكة (بعد أن تواصلت إدارته مع الرئيس التنفيذي لشركة لوكهيد مارتن للحصول على أسعار أرخص للمملكة).

وقبل أن يشارك بعدها في رقصة سيوف مخصصة للرجال فقط في الرياض، وقبل أن يعمل على حشد التأييد لحرب السعودية باليمن التي انتقدها الكثيرون والتي تسببت في كارثة إنسانية كبرى، وقبل أن يزعزع من موقف وزير خارجيته، وذلك باصطفافه الواضح مع السعودية في نزاعها الدبلوماسي مع قطر. قبل أن يحدث أي من هذا في الحقيقة، وجه ترامب نقداً لاذعاً للمملكة.

في الحقيقة، ذهب ترامب، الذي كان مرشحاً رئاسياً حينها، إلى حد القول مرتين في يوم واحد في فبراير 2016، إن السعودية هي من تقف خلف هجمات الحادي عشر من سبتمبر الارهابية. وانتقد ترامب، خلال مناظراته الرئاسية مع هيلاري كلينتون، مؤسسة هيلاري كلينتون، لحصولها على مساهمات من سعوديين، قائلاً: "هؤلاء أناس يقتلون النساء ويعاملوهن بقسوة وفظاعة، ومع ذلك تأخذون منهم الأموال".

ومذ ذلك الحين، باع ترامب ما قيمته المليار دولار من الأسلحة للمملكة العربية السعودية، وفقاً لتحليل جديد أجرته صحيفة "ديلي بيست" على بيانات التصدير من مكتب الإحصاء بالولايات المتحدة الأمريكية.

في الاشهر الثمانية الأولى من عام 2017، سلمت الولايات المتحدة أسلحة تساوي قيمتها الإجمالية 1.56 مليار دولار إلى السعودية. وخلال هذه الفترة باعت الولايات المتحدة للمملكة أكثر من ضعف ما كانت تبيعه لها سابقاً من الصواريخ والذخائر وما يقارب ضعف المركبات الحربية المصفحة مثل دبابات م1، وذلك بمقارنة هذه الأرقام مع مثيلتها في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2016، في ظل حكم إدارة أوباما.

بالإضافة إلى ذلك، وجدت "ديلي بيست" أن إدارة ترامب شحنت ما يساوي قيمته 561 مليون دولار من القنابل والصواريخ، و503 ملايين دولار من المركبات الحربية وقطع الغيار، و552 مليون دولار من قطع غيار وصيانة الطائرات الحربية مثل مروحيات الأباتشي والبلاك هوك وطائرات الـF15 لاستخدامها في الحرب المدمرة على اليمن. ومثل إجمالي قيمة الأسلحة المصدرة للسعودية زيادة بمقدار 70 مليون دولار مقارنة بفترة الأشهر الثمانية نفسها في عام 2016.

وانتقد خبراء مراقبة تصدير الأسلحة هذه الزيادة لعدة أسباب، لعل أهمها الكارثة الإنسانية التي تعصف باليمن. وقال جيف أبرامسون الخبير بجمعية السيطرة على الأسلحة، لـ"ديلي بيست": "لا يجب على الولايات المتحدة إرسال المزيد من الأسلحة إلى حروب لا يمكن حسمها وإلى أيدي دول تستخدم الأسلحة الأمريكية ضد أهداف مدنية. بدلاً من ذلك، يجب على إدارة ترامب أن تستخدم نفوذها لإيجاد حل سياسي للحرب المدمرة في اليمن والتي أدت إلى كارثة إنسانية هائلة بالبلاد".

وقتل أكثر من 10 آلاف مدني في هذه الحرب وجرح ما يزيد على 40 ألفاً آخرين. أغلب هذه الإصابات كانت نتيجة للهجمات الجوية للتحالف السعودي. هذه الحرب التي تقودها السعودية، أدخلت اليمن الفقير إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. فأكثر من 19 مليون شخص - أي ما يقارب 80% من السكان - يحتاجون لنوع من أنواع المساعدة الإنسانية.

وقال خبير الأسلحة جولبي جودمان، ومدير وحدة مراقبة الدعم الأمني بمركز السياسة الدولية، لـ"ديلي بيست": "هناك الكثير من القلق يحوم حول دفعة إدارة ترامب الكبيرة من الأسلحة، وحول إزالة بعض القيود التي وضعتها إدارة أوباما على مبيعات الأسلحة، مثل الذخائر الموجهة بدقة للسعودية".

وأضاف جودمان: "بشكل عام، نحن قلقون من أن إدارة ترامب تخفض السقف وتقلل من المراجعات والقيود المبنية على حقوق الإنسان. هذا الأمر يزداد وضوحاً في مسألة بيع الذخائر الموجهة بدقة، للسعودية".

ويأتي قرار ترامب بتخفيف القيود التي فرضها أوباما على مبيعات الأسلحة، في الوقت الذي يعاني فيه اليمن أكبر وأسرع موجة وباء كوليرا تم تسجيلها في التاريخ، مع توقعات بإصابة 600 ألف طفل بنهاية العام. وهذا من غير المفاجئ في أن خبراء حقوق الإنسان قلقون من أن تصاعد الأعمال الحربية يزيد من سوء الأوضاع السيئة أصلاً في اليمن.

من جانبها، قالت سارا لي ويتسون، المديرة التنفيذية لـ"هيومان رايتس ووتش" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لـ"ديلي بيست"، إن "صادرات الأسلحة المستمرة من الولايات المتحدة إلى السعودية، إلى جانب الدعم الاستخباراتي والتوجيه وإعادة التزويد بالوقود الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى السعودية - لا تعد غير أخلاقية فحسب - بالنظر إلى القصف السعودي المتهور والعشوائي الذي أدى إلى هذا الدمار الهائل في اليمن - بل وتخلق أيضاً تهديدات خطيرة على الولايات المتحدة من حيث المسؤولية القانونية والتواطؤ في جرائم الحرب المرتكبة. ليس هناك يمني واحد لا يعرف أن القنابل الأمريكية هي التي تقتل آلاف اليمنيين. يجب ألا يندهش أحد عندما ترتد هذه الحقائق لا محالة للانتقام من الأمريكيين".

تقف مخاوف ويتسون حول جرائم الحرب على أرضية صلبة. ففي العام الماضي، قصف التحالف السعودي قاعة عزاء كبيرة مكتظة في صنعاء، ما أدى إلى مقتل وإصابة أكثر من 600 شخص. ووصفت الأمم المتحدة الحادثة بأنها جريمة حرب، لأنها كانت من الهجمات التي تسمى الهجمة الجوية المزدوجة، حيث تستهدف الهجمة الثانية الأشخاص الذين تجمعوا لإنقاذ المصابين من الهجمة الأولى.

وأكدت كيت كيزر، وهي خبيرة أخرى في حقوق الإنسان ترأس مشروع السلام اليمني الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، مخاوف ويتسون إزاء قانونية بعض عمليات التحالف العسكري قائلة: "الهجمات الجوية للتحالف هي السبب الأول للإصابات في صفوف المدنيين، وهناك رابط واضح بين الهجمات الجوية للتحالف على البنية التحتية المدنية الحيوية وأزمات المجاعة والكوليرا التي تعصف بجميع أرجاء البلاد".

* صحيفة "ديلي بيست" الأمريكية
كين كليبنستين وبول غوتينجر