صحيفة لندنية: تلميح سعودي مُفاجِئ بانسحابٍ عسكريٍّ وشيكٍ من حَرب اليمن

من يُتابع تَصريحات المَسؤولين وكتابات الصّحافيين السّعوديين الكِبار المُقرّبين من السّلطة تُجاه الأزمة اليمنيّة وتطوّراتها، يَخرج بانطباعٍ مَفاده أن هناك اعترافًا بأن الحَرب في اليمن، بصورتها الحاليّة، لم تُحقّق مُعظم أهدافها بعد عامين ونصف العام من بِدء “عاصفة الحزم”، وأن البحثَ جارٍ عن خياراتٍ بديلةٍ أبرزها البَحث عن حُلولٍ سلميّةٍ، وإذا لم يَتم التوصّل إلى هذهِ الحُلول، انسحاب سُعودي إماراتي تدريجي من الأزمة اليمنيّة، وتَرك الأمور للأطراف اليمنيّة للتّقاتل فيما بينها حتى تُنهك، وتضطر للتّوافق فيما بينها، أو يَنتصر طرفٌ على الأطراف الأُخرى، ويَفرض رؤيته وقَبضته الحديديّة، أو الخيار الثالث، أي تقسيم اليمن إلى جُيوبٍ تُسيطر عليها الميليشيات.

 

السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، لمّح إلى هذهِ الخُلاصة، عندما قال في تصريحاتٍ أدلى بها قبل أيام، واعترف فيها أن الحَل العَسكري لم يَعد مُمكنًا وحده لحَسم الأمور في اليمن، وأن بلاده باتت تَدعم الحَل السياسي في الأزمتين اليمنيّة والسوريّة.

 

ما يُعزّز هذا التحوّل الوشيك في المَوقف الرّسمي السعودي تطوّران رئيسيان:

الأول: كَشْفْ الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في حديثٍ أدلى به إلى محطّة “اليمن اليوم”، انسحاب المغرب من التحالف العربي بقيادة السعوديّة، وتوقّعه بانسحاب مُتوقّع لدولٍ أُخرى، ومُطالبته دول التّحالف تصفية حساباتها مع إيران خارج الأراضي اليمنيّة.

 

الثاني: المقال الذي نَشره في صحيفة “الشرق الأوسط” اليوم الإثنين الزميل عبد الرحمن الراشد، الذي يُوصف بقُربه من الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، وزير الدّفاع، والحاكم الفِعلي للسعودية، تحت عُنوان “التوجّه إلى صعدة” يُطالب فيه بتوجيه المَعركة نحو مدينة صعدة لمَنع عاصمة التيّار الحوثي الأصليّة تواجد أي إيراني على الحُدود السعوديّة الجنوبيّة، ووَصف حركة “أنصار الله” الحوثيّة بأنّها حِصان طروادة يَختبئ في جَوفه الإيرانيون.

 

المَسؤولون والإعلاميون السعوديون يُبرّرون خُطوتهم المُتوقّعة بالانسحاب تدريجيًّا من الحَرب في اليمن التي شكّلت استنزافًا ماليًّا وبشريًّا لهم، وإحراجًا للمملكة في المَحافل الدوليّة، بالقَول أن قوّات الشرعيّة سَيطرت على ثُلثي اليمن، بِما في ذلك مدينة عدن العاصمة الثانية، ويُمكن اقتصار الدّعم السّعودي على هذهِ القوّات، والتركيز على مُحاربة التيار الحوثي في صعدة، وتأليب قُلوب شُيوخ القبائل في الشمال وتَوظيفهم في هذهِ الحَرب، مِثلما جَرت العادة في عُقودٍ سابقة.

 

عَلّمتنا التجارب أن السعوديين، مِثل غَيرهم من الدّول العربيّة، يُمهّدون لقراراتهم الاستراتيجيّة الكبيرة بالإيعاز للكُتّاب وأجهزة الإعلام والمَسؤولين أيضًا، بالتّمهيد التّدريجي لها، عبر المقالات والتصريحات، ونعتقد أن هذا التّمهيد قد بدأ، ولا نَستبعد قراراتٍ بتغييراتٍ عسكريّةٍ وسياسيّةٍ مُهمّةٍ في المَلف اليمني في الأسابيع المُقبلة تتمحور حول الانسحاب التدريجي من الأزمة اليمنيّة، فالحَل العَسكري وَصل إلى طريقٍ مسدودٍ، والشيء نفسه يُقال عن مُهمّة المَبعوث الدّولي إسماعيل ولد الشيخ، والأخطر من كُل ذلك أن تكاليف التدخّل العَسكري باتت باهظةً جدًّا من الصّعب تحمّلها في ظِل الأزمة الماليّة، وتصاعد الانتقادات الدوليّة، وتفاقم الأوضاع المعيشيّة الكارثيّة للشّعب اليمني.

 

نعتقد أن التّحالف بصيغته الأولى التي كان عليها قبل عامين ونصف العام، سيتحوّل قريبًا جدًّا إلى تحالفٍ سياسيٍّ أكثر منه عَسكري، وبِتنا ننتظر بيانًا سُعوديًّا وشيكًا في هذا المِضمار.

 

“رأي اليوم” ــ الاثنين 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2017