هل غادرت الكويت دور الوسيط في أزمة الخليج؟

الإجراءات الكويتية العقابية بحق إيران أتت في مرحلة حساسة، فالكويت طرحت نفسها وسيطا في الأزمة الخليجية، فهل تعني هذه الإجراءات انتقال الكويت إلى حلف الدول المقاطعة، وهل للسعودية دور في هذه الخطوات ضد إيران؟

الخطوة المفاجئة التي أعلنتها الكويت والتي نصت على "إبعاد" السفير الإيراني رضا عنايتي، وإغلاق المُلحقيتين الثقافية والعسكرية الايرانية، وتخفيض عدد دبلوماسيي السفارة الإيرانية من 19 إلى أربعةٍ فقط، والتي وصفها المراقبون بأنها خُطوة أقرب إلى قطع العلاقات طرحت العديد من التساؤلات على المستوى السياسي.

فما سر التوقيت المتأخر من قبل القيادة السياسة في الكويت عن إعلان هذه الخطوات بالرغم من مرور شهر على صدور قرار الإدانة؟ وكيف سيؤثر ذلك على دور الكويت في أزمة الخليج، بعد أن طرحت نفسها وسيطا بين قطر والدول المقاطعة؟ وهل للسعودية دور في التأثير على القرار الكويتي بتخفيض مستوى العلاقات مع إيران، خاصة أن الرياض أعلنت تأييدها الفوري للخطوات الكويتية؟ وهو ما أكدته الحكومة الإيرانية بالقول أنها جاءت “تحت ضغط المملكة العربية السعودية”، وأكّدت أن الاتهامات المُوجّهة لإيران “لا أساس لها من الصحّة”.

الدور السعودي في الأزمة

ويرى الخبير والباحث المصري في الشأن الخليجي سامح راشد في حوار مع DW عربية أنه بالرغم من رغبة السعودية في حشد رأي موقف خليجي وعربي عام ضد إيران، إلا أن السياسة الكويتية ومنذ عقود طويلة كانت تتمتع بدرجة من الاستقلالية عن توجهات الأطراف الأخرى، لذلك فإنه "لا يرى أن للرياض تأثيرا مباشرا على السياسة الكويتية بهذا الصدد". وقال راشد أن التنوع الطائفي في الكويت، شجع الحكومة الكويتية على اتخاذ مواقف متوازنة من إيران، نظرا لحساسية الموضوع، إلا أن الخبير المصري يرى أن التوقيت في إعلان هذه الخطوات قد يكون الأساس لفهم ماهية هذه الخطوات ودوافعها، خاصة أنها تأتي بعد أكثر من شهر من إصدار حكم الإدانة.

وكانت محكمة التمييز في الكويت قررت في 18 حزيران/ يونيو 2017 السجن المؤبد لـ"العقل المدبر" لما عرف ب"خلية العبدلي" بتهمة "التخابر" مع إيران وحزب الله اللبناني، وسجن عشرين متهما آخرين بين خمس سنين و15 سنة.

وتقول الكويت إن المتهمين تلقوا تدريبات على يد الحرس الثوري الإيراني، الأمر الذي تنفيه إيران. وفي تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية أبلغ مسؤول في الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال الكويتي خلال الاجتماع إنه "من المؤسف أن المسؤولين الكويتيين، في هذا الظرف الحساس في المنطقة، بدلا من بذل جهود لتخفيف التوتر الذي لا لزوم له استهدفوا الجمهورية الإسلامية باتهامات لا أساس لها"، حسبما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي.

أي مستقبل للوساطة الكويتية؟

وتتزامن هذه التطورات مع محاولة الكويت التوسط لإنهاء أسوأ أزمة دبلوماسية يشهدها الخليج منذ سنوات، بعد أن قطعت السعودية وحليفاتها العلاقات مع قطرمتهمينها بالتقرب كثيرا من إيران وتمويل الإسلاميين المتطرفين. وحذر محللون من أن الأزمة يمكن أن تؤدي إلى نهاية مجلس التعاون الخليجي الذي يضم السعودية والبحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات.

إلا أن الخبير المصري يؤكد أن رد الفعل السياسي أتى "بطيئا" بالمقارنة مع رد الفعل الأمني، إلا أن هذا الأمر قد يكون "متعمداً" من قبل الحكومة الكويتية وذلك لأسباب عديدة أهمها الوساطة الكويتية في المسألة القطرية. ويرى راشد أن الحكومة الكويتية تعمدت إرجاء إبداء أي رد فعل سياسي وذلك لرغبتها في تغليب موضوع المصالحة الخليجية، إلا أنه وبعد تراجع هذا الدور، وتهميشه ، بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية على الخط، بدأت الكويت تشعر بأن عبء الوساطة قد ذهب عن كاهلها، وأن الوقت المناسب لإبداء رد فعل سياسي قد حان. ويرى المحلل المصري بأن الكويت أرادت إرسال رسالة لإيران بأنها ترفض هذه التدخلات التجسسية على أراضيها، وأن العلاقة الوسطية أو الحياد التي حافظت عليها مع إيران لا تعني بالضرورة أن أراضيها مستباحة.

العلاقات الثائية بين مد وجزر

وامتازت العلاقات الكويتية الإيرانية بالتقارب حيناً والتباعد حيناً آخر والبرود أحياناً أخرى، وتأرجحت العلاقات على خط طهران - الكويت منذ بدئها في العام 1961، تاريخ نيل الأخيرة استقلالها وانضمام إيران إلى قائمة أولى الدول المعترفة بذلك الاستقلال، إلا أنه في خضم هذا التأرجح، حافظت العلاقات على طابع عام من التهدئة والودية و حتى في أوقات الشدة لم تأخذ الأمور منحى التصعيد المباشر

ومع ذلك بقيت أخبار اكتشاف خلايا تجسسية تظهر من حين لآخر ليعود الكلام معها عن انعدام الثقة الكويتية بإيران أبرز تلك الاكتشافات سجلت عام 2010 مع إعلان اكتشاف شبكة تجسس إيرانية أعقبها أحكام بالسجن المؤبد على 4 أشخاص، بينهم إيرانيان بتهمة "التجسس لصالح إيران"، وجرى الحديث حينها عن أن الشبكة المكتشفة هي واحدة من أصل 8 شبكات تجسس عملت في البلاد بإشراف الحرس الثوري الإيراني.

في العام نفسه، اتهم دبلوماسيون إيرانيون بتجنيد أعضاء الشبكة قبل أعوام سابقة، وعلى خلفية الاتهام جرى طرد مجموعة من الدبلوماسيين الإيرانيين في عام 2011 وحذرت الكويت من تداعيات القضية على العلاقات الثنائية


إمكانية تطور الأزمة؟

الأزمة الحالية بدأت عام 2015 عندما اعتقلت قوّات الأمن الكُويتية ما وصفته حينا بمجموعة “إرهابية” تتكون من 14 شخصًا من الكُويتيين أبناء الطائفة الشيعية، إلى جانب مُواطن إيراني، وهو ما عُرف “بخليّة العبدلي” بتُهمة القيام بأعمال تجسّس لصالح إيران و”حزب الله”، حيث كانوا يُخطّطون لتفجيرات داخل الكويت لزعزعة استقرارها، خاصّة أنه تم العُثور على أسلحة وعُبوات ناسفة في حوزتهم.

إلا أن الغريب بالأمر والتطور الملحوظ بحسب الخبير سامح راشد كان انتشار خبر هروب 14 مداناً كان قد "أخلي سبيلهم وفق الإجراءات القضائية بعدما قضت محكمة الاستئناف ببراءتهم، بانتظار صدور حكم التمييز".

وبحسب التقارير الكويتية فإن "هؤلاء كانوا قد بيّتوا النية وأعدوا العدة للهرب من البلاد في حال أدانتهم بحكم نهائي… وسارعوا بعد إلغاء "التمييز" لأحكام براءتهم وتشديدها إلى السجن لفترات تصل إلى 10 سنوات إلى ركوب قوارب بحرية كانت تنتظرهم على الشاطئ والتوجه بها إلى إيران، في حين ذكرت وكالات إخبارية أخرى أن بعضهم هرب إلى البحرين.

ورغم التطور الأخير في تقليص حجم البعثة الدبلوماسية الإيرانية، إلا أن راشد يرى "عدم إمكانية تطور الأمور إلى قطيعة تامة". ويؤكد ذلك وعي صناع القرار في الكويت، كما في إيران، بحجم تشابك المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية، فضلاً عن المحددات الجغرافية والديموغرافية والاجتماعية والمذهبية، بين البلدين.