"الأزمات الدولية": هجوم التحالف على الحديدة سيشجع اليمنيين على اقتحام أراض سعودية جديدة

في الوقت الذي يعلق فيه مصير اليمن في حرب طاحنة، فإن التحالف العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية الذي يدعم حكومة هادي على وشك تصعيد حربه التي استمرت عامين من خلال شن هجوم جديد على ميناء البحر الأحمر الرئيس بالحديدة. ويهدف هذا التحرك إلى خنق أعداء هادي، الحوثيين مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ولكن من المرجح أن يخنق سكان البلاد، ويزج بهم في مجاعة صريحة.
 
وتعد الحديدة - من أكثر المدن ازدحاما وأهمية من خلال مينائها - مسؤولة عن 80 في المائة من واردات شمال اليمن. وإذا ما شن التحالف بقيادة السعودية هجوما ضد الحوثيين والقوات الموالية لصالح على الميناء، فإنه سيقطع شريان الحياة الذي يحافظ على الجزء الأكبر من سكان اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء.
 
وتعتمد اليمن اعتمادا كليا تقريبا على الواردات للسلع الأساسية، حيث يوجد حاليا 17 مليون شخص من أصل 24 مليون نسمة في حاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية عاجلة. وهناك أربعة ملايين يعانون من سوء التغذية الحاد. وفي كانون الأول / ديسمبر 2016، كانت النساء والأطفال اليمنيون يشكلون تقريبا ثلثي المصابين بسوء التغذية الحاد.
 
تجنب المجاعة - إذا كان لا يزال ممكنا - سيتطلب من القوات المدعومة من السعودية الامتناع عن ما يعد بأن تكون معركة طويلة ودامية في الحديدة، والتي من غير المرجح أن تفعل أي شيء ولكن على العكس ستشجع التحالف الحوثي /صالح لفتح جبهات أخرى، بما في ذلك حتى داخل أراضي المملكة العربية السعودية.
 
وبعد اندلاع الحرب في مارس 2015، صدر قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيسان / أبريل 2015، وفرض التحالف الذي تقوده السعودية حصارا بحريا صارما على الميناء. ما أدى الى انخفاض الناتج في الواردات وبالتالي أدى إلى رفع أجراس الإنذار بشأن المجاعة المحتملة. ورغم أن آلية التحقق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة التى ترصد الشحنات القادمة، خففت من قيود التحالف الصارمة منذ مايو 2016. بيد أن الغارات الجوية التى تقودها قوات التحالف بقيادة السعودية ما زالت تعوق البنية التحتية للميناء وقدراته.
 
وقد أدى الجمع بين القتال البري المتواصل والقصف الجوي المكثف إلى القضاء على أي مظهر من مظاهر الاقتصاد الفعال في اليمن. ومنذ آب / أغسطس 2016، لم يتمكن البنك المركزي اليمني من دفع مرتبات القطاع العام. وقد أدى قرار هادي نقل البنك من صنعاء إلى عدن إلى مزيد من كسر النظام المصرفي في اليمن. وقد توقفت عائدات النفط والغاز، أي ما يقرب من نصف الميزانية الوطنية قبل الحرب، ولم تودع عائدات ما ينتج قليلا في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة في المصرف المركزي. وبصفة عامة، فإن أزمة الجوع في الوقت الحاضر هي في المقام الأول وظيفة تناقص القدرة الشرائية، حيث أن السكان لا يستطيعون تحمل ثمن الغذاء المتاح في الأسواق.
 
والأسوأ من ذلك، لم يأت بعد. وقد تتفاقم الحالة السيئة أصلا، حيث يبدو أن التحالف الذي تقوده السعودية، الذي يعتمد على قوات الإمارات العربية المتحدة، مصمم على كسر الجمود العسكري الذي كان قائما إلى حد كبير. ومن خلال محاولة الاستيلاء على الحديدة وساحل البحر الأحمر ، يدعي التحالف أنه يمكن وقف تدفق الأسلحة عبر الطرق البحرية إلى أعدائها وزيادة الضغط على الحوثيين وحلفائهم للعودة إلى طاولة التفاوض، لكن في الواقع أن حكومة هادي بدعم التحالف من رفضت مبادرة السلام الأخيرة التي قدمها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وليس تحالف الحوثي صالح.
 
والمنطق الاستراتيجي الذي تقوم عليه حملة الحديدة المخطط لها، والتي تنظر البنتاغون حاليا في دعمها عسكريا، معيب وخطير للغاية. أضف إلى ذلك أن التحالف الحوثي صالح مستعد جيدا لأي معركة في الحديدة.
 
وحتى لو نجحت مجموعة من القوات الحكومية والإماراتية، بدعم من القوات الجوية السعودية والاستخبارات والدعم العسكري الأمريكي، في الاستيلاء على الميناء، فمن غير المرجح أن يتم استقبالهم كمحررين من قبل المواطنين. قد لا يكون لدى السكان المحليين سوى القليل من الحب للحوثيين، لكنها أيضا ستغذي الاستياء العميق تجاه هادي وداعميه الأجانب. ويمكن أن تكون الآثار أسوأ من ذلك، لأن تشديد الخناق على الحوثيين عسكريا سيضر بالمدنيين بشكل غير متناسب.
 
الولايات المتحدة متورطة بشكل متزايد في الحرب اليمنية. ومنذ تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه، كثفت إدارته هجمات الطائرات بدون طيار، ونشرت قوات خاصة ضد معاقل الجهاديين وشحذت الخطابات المناهضة لإيران.
 
إن الهجوم على الحديدة سيؤدي إلى زيادة تورط الولايات المتحدة في الحرب، ولكن بدون نهاية واضحة. وبالفعل، وكما ورد في تقرير مجموعة الأزمات الدولية الذي صدر مؤخرا، فإن الدعم الامريكي الجديد للتحالف، لن يؤدي إلا إلى إدامة الفوضى الحالية. وسيظل المستفيدون الرئيسون هي الجماعات الجهادية مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والجهات المحلية المنتسبة إلى تنظيم داعش.
 
وهذا سيجعل اليمن أقرب إلى درجة التفكك التام، مع عدم وجود احتمال لاستعادة استقراره.
 
ماذا ينبغي للمجتمع الدولي أن يفعل لمنع الأسوأ؟ ولا يمكن لأي قدر من المعونة الإنسانية أن تحل الأسباب الكامنة وراء هذه الأزمة. ويواجه اليمنيون جوعا بسبب الحصار، وتدهور المؤسسات المالية للدولة، وانهيار الاقتصاد. وهذه نتائج مباشرة للحرب.
 
يجب على كل من التحالف بقيادة السعودية والحوثيين الامتناع عن زيادة تسليح الاقتصاد من خلال منع الواردات الأساسية والمساعدات الإنسانية، في حين يتعين على التحالف إلغاء الخطط للهجوم على الحديدة.
 
وبدلا من ذلك، يجب على جميع الأطراف المتحاربة - الحوثيين والقوات الموالية لصالح، وحكومة هادي والتحالف الذي تقوده السعودية - التوصل إلى اتفاق فوري يسمح لتكنوقراط البنك المركزي باستئناف صرف رواتب القطاع العام الحيوية والتحويلات النقدية للضمان الاجتماعي، بعيدا عن التدخل السياسي. وسيكون ذلك خطوة أولى حاسمة في تخفيف المعاناة اليومية.
 
ويجب أن تستكمل هذه التدابير بعملية سياسية تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار وتسوية سلمية.
 
ويجب على أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذين تغاضوا حتى الآن بشكل مباشر أو غير مباشر عن حرب اليمن أو حرضوا عليها من خلال مبيعات الأسلحة أو المساعدة العسكرية المباشرة أن يعيدوا المسار السياسي من خلال تمرير قرار طال انتظاره يطالب بوقف فوري لإطلاق النار والوصول الإنساني دون عوائق. وعندئذ فقط يمكن تجنب المجاعة.
 
* مجموعة الأزمات الدولية: هي منظمة دولية غير ربحية وغير حكومية تتمثل مهمتها في منع حدوث وتسوية النزاعات الدموية حول العالم من خلال تحليلات ميدانية ومن خلال إسداء المشورة. تأسست عام 1995 ومقرها بروكسل، وتعد من المصادر العالمية الأول للتحليلات والمشورة التي تقدمها للحكومات، والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي.
 
المصدر: World Politics Review